المرحلة المقبلة من التاريخ المصري هي مرحلة مصيرية بكل المعني المقصود.. عنوانها الرئيسي هو كيفية مواجهة المؤامرات الكبري لاشعال الاحتراب الأهلي والتقسيم الجغرافي بعد أن أفشلت ثورة30 يونيو المخطط الشيطاني الدولي الذي كان الاخوان المسلمون يمثلون فيه مخلب القط تحت دعاوي واغراءات اقامة الخلافة الاسلامية المزعومة. لن يتمكن الاخوان وأعوانهم من أن يحرقوا مصر.. لن يتمكنوا من تصنيف المصريين الي كفار ومسلمين.. سوف تبقي مصر كنانة الله في الأرض وفي رباط الي يوم الدين رغما عنهم, وستبقي منارة لروح الاسلام.. وسوف تزاح كل الأقنعة الزائفة عن الوجوه الحقيرة التي مكنت هذا التيار من أن يحكم مصر في غفلة من الزمن, وهي وجوه تعرف نفسها جيدا. أعلم مسبقا أن عاصفة من الانتقادات المتنطعة سوف تواجه هذه السطور ممن صدقوا أنهم النخبة وأنهم وحدهم الذين يمثلون القوي الثورية والمجتمع المدني والمنادين بالدولة المدنية الديمقراطية, وهم في حقيقة الأمر ليسوا سوي تجار سياسة يبيعون لحم الوطن لمن يدفع أكثر.. هؤلاء تحالفوا مع الاخوان المسلمين ومشوا في ركابهم يحقرون من شأن القوات المسلحة بعد أن أمنوا شرور نظام حسني مبارك, وهم الذين عملوا علي ارهاب القادة العسكريين الذين كانوا أول من رفض التوريث والسياسات الفاسدة لنظام مبارك وحملوا أكفانهم علي أكفهم وهم يحمون ثورة الشعب المصري. لقد حجز الشعب المصري مكانا مميزا في التاريخ باعتباره الشعب الوحيد في العالم الذي قام بثورتين عملاقتين وتمكن من خلع رئيسين ونظامين فاسدين في خلال30 شهرا, ولا أظن أن عاقلا واحدا يريد أن تشهد مصر ثورة ثالثة.. وفي مقبل الأيام يحتاج الشعب المصري الي ديمقراطية مستقرة ومنضبطة, والي قوة تحمي الدولة من أمراض الديمقراطية الناشئة, وكلنا يذكر كيف أنه في كثير من أحداث الفوضي بعد ثورة يناير, وصل الخوف والرعب الي درجة مناداة قطاعات عريضة من الشعب بضرورة اعلان الاحكام العرفية حتي يسود النظام ويحل الأمن وتنتظم الدولة لتنفيذ أهداف الثورة بعد أن كنا قد وصلنا الي حافة الدولة الفاشلة. والآن لابد أن نعي أن الاخوان المسلمين وأعوانهم الذين يتحالفون معهم لن يتركوا النظام الجديد يعمل في هدوء واستقرار.. ومن هنا تأتي ضرورة أن تكون الديمقراطية منضبطة وقادرة علي انفاذ القانون علي الجميع دون أي استثناء حتي لو اضطرت الي استخدام العصا الغليظة مثلما تفعل كل الديمقراطيات العريقة في الغرب وفي الشرق لانفاذ القانون. وبكل الصراحة لا أظن أن واحدا من رجال السياسة الحاليين ستكون لديه القدرة مهما علت كفاءته وشعبيته, علي فرض السيطرة الكاملة علي الأعمال الارهابية المتوقعة مع تصاعد الفتنة الطائفية والفوضي التي سوف تصاحبها, خاصة أنه لا ضمانة لهذا السياسي في عدم التصادم مع مؤسسات الدولة التي قد ترفض التعاون معه لأسباب كثيرة متعلقة بحالة الاستقطاب الشديد التي ابتلينا بها منذ ثورة يناير. وبوضوح كامل أقول أن مصر في المرحلة المقبلة في أشد الحاجة الي رئيس مدني قادما من المؤسسة العسكرية لا يكون مرتبطا بمصالح سياسية ضيقة أو بأيديولوجيات خاصة تعيقه عن أن يكون صارما وعادلا ومنصفا وجادا في مسألة الأمن القومي والمصالح العليا للبلاد وفي انفاذ القانون علي الكبير قبل الصغير. مصر لن تصل أبدا الي وضعية الدولة السورية.. مصر دولة كبيرة بكل المعاني ولن ترضخ لهذا الاستعباط والعمي الذي أصاب قادة أمريكا والغرب بعد صدمة فقدان الاخوان المسلمين الحليف الاستراتيجي الثاني بعد نظام مبارك. وبكل الوضوح أقول أن غالبية الشعب المصري لن يكون مطمئنا الي مستقبل دولته الديمقراطية الوليدة الا في رعاية شخصية وطنية بعزيمة مقاتل تكون قادرة علي تمثيل المشروع القومي الوطني الكبير لاعادة بناء مصر من جديد بعد كل هذا الخراب. واذا كان الفريق أول عبد الفتاح السيسي قد أبدي عدم رغبته في تحمل هذا الدور حتي لا تترسخ لدي القوي الحاقدة والكارهة أن ازاحة الاخوان كان انقلابا عسكريا, فلابد أن يدرك الرجل أنه يستحق بجدارة أن يقود مسيرة العمل الوطني في المرحلة المقبلة الصعبة والمصيرية بعد أن لمس قلوب وعقول المصريين وأعاد الي الأذهان صورة البطل القومي جمال عبد الناصر, بل علي السيسي أن يدرك أنه مكلف من قبل شعب مصر بتحمل مسئولية العبور الي بر الأمان. هذا هو الحل الذي لابد للقوي السياسية والشعبية والمدنية أن تقف خلفه, وعلي النخبة المتفذلكة أن تصمت الآن بعد أن أوقعت الوطن في هذه الأزمات الصعبة التي كادت أن تعصف بكل الآمال في أن نصبح أمة حقيقية تحت شمس العالم. من يستطيع أن ينكر أن العظماء من حكام العالم كانوا في الأصل أبطالا عسكريين قادوا بلدانهم الي الانتصارات, ثم قادوها في الزي المدني الي المزيد من الديمقراطية والتقدم والرفاة ؟ دعونا نمر بالتجارب نفسها التي مرت بها الدول التي نجحت في البناء الديمقراطي السليم وتمكنت من تفادي الفوضي خلال مرحلة البناء.. دعونا نمش بخطوات متناسبة مع ظروفنا نحو الديمقراطية الحقيقية.. دعونا نهتم بالاقتصاد وانعاش حال الوطن والمواطن والصحة والتعليم و الثقافة والتوعية السياسية بدلا من القفز الي هوة سحيقة من الجهل والتخلف والنزاعات المدمرة. لمزيد من مقالات محمد السعدنى