يبدو جليا حتي هذه اللحظة أن الولاياتالمتحدة والإدارة الأمريكية لم تستوعب وتدرك بعد أن مصر قد جرت فيها ثورة حقيقية وزلزال سياسي أطاح بعملائها الملعونين الفاسدين علي مدي 30 عاما. وأن هذا الشعب وهذا البلد كتب له الانعتاق والخروج من نفق التبعية وأصبح قراراه وإدارته ينبع من وطنية وإرادة أبنائه وشرعية ميدان التحرير الذي يصنع التغيير حاليا. مناسبة هذا الحديث تتعلق بحجم التدخلات والاستفزازات الأمريكية السافرة ضد مصر كل يوم, ووصلت في بعض مراحلها إلي حد الوقاحة في الشأن الداخلي المصري منذ سقوط نصيرهم المخلوع حيث تسجل الاحصاءات المدونة لدي بعض مراكز البحث الأمريكية وليست المصرية نحو 112 تصريحا وتعليقا وتهديدا مباشرا وتدخلا غير مقبول وغير مبرر في الفترة الأخيرة في الشأن المصري صاحبتها أيضا ردات فعل متوترة منفعلة في أحيان كثيرة علي أحداث وتطورات داخلية تقع في مصر بين الفينة والأخري. تلك التدخلات التي لا تتوقف علي مدار الساعة بلغت ذروتها بعد سخائم وأقوال وزيرة الخارجية كلينتون الأخيرة التي كانت تعوزها الحكمة والدبلوماسية إلي لغة إنذارات وعنجهية وصلف وغطرسة علي لسان مسئولي رئاسة الأركان ووزير الدفاع ومعلقي البيت الأبيض حاليا وبلغت ذروتها في صورة أوامر إذعان, وقرارات تهديد بشل يد قوات الجيش فورا عبر الامتناع عن تقديم المساعدات العسكرية ووقف المعونات الاقتصادية التي تبلغ مليارا و300 مليون دولار. لكن أكثر ما يغضب ويستفز النفس ومصريتنا هو تصاعد هذا التدخل السافر أكثر من مرة في الساعات الأخيرة علي لسان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية السفير جيفري فيلتمان هذا الصهيوني الليكودي الخبيث, وبلغ ذروته أمس الأول لفضائية العربية وأخري لبنانية عندما ذهب بعيدا عن مراعاة الخصوصية الداخلية للمصريين وشأن وطنهم وأعطي لسانه العنان ليقطر سما وحقدا ضد مصر في عبارات كاشفة عن أن الولاياتالمتحدة تراقب علي مدي الساعة الأوضاع في مصر بعناية فائقة ولن تتواني عن التدخل في أي لحظة لضبط الأوضاع قائلا: إن بلاده قلقة من وصول الإسلاميين إلي الحكم في مصر وإنها لن تقف مكتوفة الأيدي لتتحول مصر إلي إيران جديدة في المنطقة أو وصول الملالي إلي حكم مصر. ثم واصل ترهاته لينتقد المجلس العسكري ويسعي لإحداث وقيعة وتأليب للعلاقات بين المجلس وحكومة الجنزوري والشعب ويخاطبه بضرورة وقف قانون الطوارئ والانقضاض عليه, ويسعي لابتزاز المجلس الحاكم إما إلغاء ورفع الطواريء في الحال وإلا ستتدخل الولاياتالمتحدة وتستخدم أقصي الضغوط, ثم وصلت الوقاحة الأمريكية مداها عندما سارعت الخارجية الأمريكية أول أمس ونددت بحملة السلطات القضائية علي بعض المنظمات والجمعيات الحقوقية في مصر التابعة لواشنطن والمتهمة بالحصول علي تمويل أمريكي وأنذرت السلطات المصرية بوقف أعمال التفتيش فورا في لهجة الإنذار والأمر الناهي وإلا.. مشكلة الأمريكان وإدارة أوباما أنهم في حالة إرباك وتفكير مشوش, وتوجه متخبط منذ سقوط المخلوع ونجاح الثورة المصرية وعيونهم وأفئدتهم ترتعد طيلة الوقت علي أمن إسرائيل فقط. وتبقي المشكلة ليست في الأمريكان,ولكن فينا. المصريون ووزارة خارجيتنا التي لم تقو وتتجرأ حتي الساعة علي التصدي لتلك الاستفزازات والحماقات الأمريكية وتخاطب مسئولي هذه الإدارة وفيلتمان وأمثاله بنبرة ولغة خطاب قوي زاعق فتبلغهم رسالة واضحة حازمة أن زمن الضغوط والتركيع لمصر لم يعد يبقي سوي في مخيلة وعقلية الأمريكان ولا يتصور ولا يعتقد أحد في واشنطن أن ما كان يمارس ويتبع مع نظام مبارك سينجح هذه المرة أيضا مع مصر الثورة وميدان التحرير والسيادة والكرامة المصرية الجديدة, ولكن من أسف, وزارة الخارجية في بلدنا مازالت ضعيفة أداؤها مازال يتسم بالركاكة والرتابة. وعلينا في مصر الآن أن نحتسب ونستوعب السيناريو الأسوأ بشأن إمكانية قطع ووقف هذه المساعدات الأمريكية في أي وقت ولحظة حتي ننزع هذا السيف الأمريكي المسلط علي رقابنا 33 عاما, ونسارع بالعض علي الجرح ونأخذ زمام مبادرة الاستثمار والتنمية والاصلاح والاستقرار اعتمادا علي النفس وبأيدينا وبغطاء مالي من الشقيق العربي, ولنعلم أن الله يساعد الذين يساعدون أنفسهم. المزيد من أعمدة أشرف العشري