نبهنا في مقال سابق إلي خطورة التباطؤ والتراخي في مواجهة العنف الناشئ عن الاعتصام غير المشروع, وعدم محاصرة نشاط الإرهابيين في سيناء, قبل أن يصبح الأمر ظاهرة يصعب السيطرة عليها. وبينا أنه كلما تأخرت المواجهة مع العنف غير المبرر, اكتسب الإرهاب أرضا جديدة وتمادي الخارجون عن القانون في تحديهم لسلطان الدولة ومؤسساتها الدستورية. وكلما أسرعت تلك المؤسسات في التصدي لهذه الجماعات الإرهابية كلما اقتربنا من مقومات الدولة القانونية وابتعدنا عما يطلق عليه الدولة الرخوة, وعلي الرغم من أن تلك المؤسسات لم تكن بحاجة لتفويض من الشعب المصري لأداء دورها, لأن الحفاظ علي الأمن والنظام العام والسكينة هو صميم اختصاصها الوظيفي, إلا أن الشعب المصري قد نزل بالملايين إلي ميادين مصر وشوارعها يوم 26 يوليو 2013, في حشد لم يسبق له مثيل في التاريخ لتفويض الجيش والشرطة في مواجهة الإرهاب. والمستقرئ لما يعنيه هذا التفويض الشعبي يجد أنه قد جاء معبرا عن خوف وقلق المصريين لعدم الاستقرار وتردي الأوضاع, وحاجتهم للعيش المشترك تحت مظلة الأمن والسكينة وبسط سلطان الدولة بانطباق القانون علي الجميع, ونفورهم من العنف والإرهاب الذي يتبناه فصيل بعينه في محاولة لفرض سطوته وهيمنته علي مقدرات شعب رفضه ولفظه لعجزه وفشل رئيسه المعزول في إدارة شئون الدولة, وأن يكون رئيسا لكل المصريين باقتصاره علي تنفيذ أوامر الجماعة التي ينتمي إليها حتي لو أدي ذلك لانهيار الدولة وتداعي أركانها وسقوط مؤسساتها بلااكتراث, وقد ظهر ذلك جليا عند قيام الشرطة بالاستجابة أخيرا لرغبة المواطنين بفض تلك الاعتصامات التي كانت تطالب بعودة الرئيس المعزول, والذي أصدرت إحدي المحاكم حكمها في شأن تورطه واتهامه بالتخابر مع جهات خارجية إضرارا بصالح الوطن والمواطنين, فضلا عما بدا من دموية تلك الجماعات وعنفها أثناء فض تلك الاعتصامات وعدم اكتراثها بما أسفر عنه هذا الفض من وقوع ضحايا أكثرهم من رجال الشرطة وقياداتهم, واحتلال المباني بالقوة وقطع الطرق, وهو مايؤكد كذب وادعاءات قادة تلك الجماعة في تضخيم الأمور والتهديد بحمامات من الدم والقتلي, بما يستلزم توضيح النقاط التالية: أولا: إن سيناء بقعة غالية من تراب الوطن العزيز استردها المصريون من أيدي العدو الاسرائيلي بدماء شهدائنا الأبرار, حتي عندما تبقي كيلو متر واحد في أيدي الصهاينة دخلت مصر في معركة قانونية طويلة تمكن من خلالها خبراؤها القانونيون المخلصون من الانتصار فيها وعودة طابا إلي السيادة المصرية, وأصبحت سيناء بكاملها تحت هذه السيادة, رحم الله شهداء مصر ورجالها المخلصين الذين تمكنوا من الحفاظ علي الأرض والعرض, بينما تركها آخرون بعد ذلك لقمة سائغة علي موائد اللئام ومرتعا خصبا للإرهابيين, وإذ كان المقصود بالإرهاب في تطبيق أحكام القانون كل استخدام للقوة أوالعنف أوالتهديد أوالترويع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أوجماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أوتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وإيذاء الأشخاص وإلقاء الرعب بينهم أوإلحاق الأضرار بالمباني أوالأملاك العامة أوالخاصة واحتلالها أوالاستيلاء عليها......., فكيف يستساغ المصالحة مع من تسبب في الإرهاب المستشري بهذه البقعة الغالية من الوطن, ولايستحي من التصريح بذلك علنا في وسائل الإعلام مقررا أن مايجري في سيناء يمكن أن يتوقف في اللحظة التي يعود فيها رئيس الجمهورية المعزول إلي منصبه, وكيف يمكن التغافل عن الدور الذي يقوم به أمثال هؤلاء القتلة في إذكاء روح الفتنة وتنامي ظاهرة الإرهاب دون محاسبة قانونية بدعوي تلك المصالحة, أوالتباطؤ في تقديم كل الدعم المادي والمعنوي اللازم للجيش والشرطة تأييدا لعملها الجاد الدءوب والمخلص للوطن والمصريين جميعا. ثانيا: إن تدخل الشرطة لفض اعتصامي رابعة والنهضة بهذا الاحتراف يستلزم الإسراع في عودة جهاز الشرطة بكامل طاقته إلي الشارع بوصفه ذراع القانون القوية في الدولة القانونية, ويدعمه في ذلك القوات المسلحة إن لزم الأمر, خاصة وقد كفل الدستور وقانون العقوبات العديد من الضمانات القانونية في نصوصه التي تمكن الشرطة من أداء عملها بقوة واقتدار, فنص علي معاقبة كل من يعتدي علي رجل الشرطة بوصفه موظفا عاما بالقول أوالإهانة بالحبس وبعقوبة السجن المشدد لكل من استعمل القوة والعنف والتهديد مع أي منهم لمنعه من أداء عمله سواء بلغ بذلك مقصده فتحقق هذا المنع أولم يبلغ, واعتبر أنه لاجريمة إذا وقع من رجل الشرطة بوصفه موظفا عاما فعل متي حسنت نيته وارتكبه تنفيذا لما أمرت به القوانين واللوائح أواعتقد أن إجرائه من اختصاصه, مادام قد ثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته, وكان هذا الاعتقاد مبنيا علي أسباب معقولة, إضافة إلي أن المشرع في المادة 246 من قانون العقوبات قد حظر استعمال حق الدفاع الشرعي في مواجهة رجل الشرطة أثناء أداء عمله, بحيث لايجوز لأي خارج عن القانون أن يتمسك بأنه في حالة دفاع شرعي أويبرر مقاومته له حين ضبطه بالدفاع الشرعي, وهذه الضمانات أظن أن كل ضابط شرطة يعلمها بوصفه حاصل علي ليسانس الحقوق شأنه في ذلك شأن أي خريج من كلية الحقوق, بما لامجال معه للتردد أن التشكك في أنه يحظي بالعديد من الضمانات القانونية التي تكفل الحماية القانونية له أثناء أداء عمله. ثالثا: إن الشعب المصري لم يفوض أحدا في قبول التوسط من الدول الخارجية لمعالجة أمر داخلي من صميم اختصاص الحكومة الحالية, وهو حماية المصريين من الإرهاب وتحقيق أمنهم والحفاظ علي سكينتهم طبقا للدستور والقانون, وأي تصرف خلاف ذلك يخالف الإرادة الشعبية التي عبرت عنها مليونية التفويض نصا وروحا, مما يوجب الإسراع في محاصرة التجاوزات التي تحدث في أماكن أخري علي مستوي الجمهورية حتي لاتتفاقم هذه الجرائم وتزيد الخسائر عند المواجهة, خاصة وكما سبق القول إن الأمر مرشح للتكرار مما يستلزم المتابعة والموالاه المحكمة حتي تنتهي هذه الظاهرة. لمزيد من مقالات د. مدحت محمد سعد الدين