أصبح علينا أن نعترف دون تردد أو مواربة, أن دعم الولاياتالمتحدة لجماعة الإخوان المسلمين, يطرح الكثير من التساؤلات الملحة, عن ماهية المصالح الأمريكية التي قد يحققها تزاوج من هذا النوع, آثم من يظن ان دعم الولاياتالمتحدة لجماعة الإخوان كان دعما للديمقراطية, باختصار شديد جدا, الولاياتالمتحدة دعمت مشروع الإسلام السياسي قبل وبعد ما سمي ب الربيع العربي لهدف واحد, طويل المدي, راسخ في الفكر السياسي الأمريكي, محاربة القومية العربية, مكافحة الكرامة العربية, والمقاومة الممنهجة والمستميته لتوحد العرب تحت مباديء رئيسية عليا تحكمهم وتجمعهم لتصب في صالحهم. لا يستطيع احد ان يفلت الآن من حقيقة واحدة نعيشها يوميا, لقد نجحت واشنطن في تأجيج الخلافات والاختلافات العقائدية والمذهبية, لا يوجد الآن من يستطيع إنكار أن دعم واشنطن لما يسمي بالإسلام السياسي يمثل آخر حيلة في جعبتها, كي يقضي المسلمون علي بعضهم البعض, دون تدخل مباشر منها, كي يقتلون بعضهم البعض دون ان تتكلف عناء اي تدخل عسكري مباشر, انه الدرس الذي تعلمته من تدخلها المباشر للقضاء علي العراق, وكان حلها الشيطاني الذي استقرت عليه, الأقل كلفة, أن نقتل بعضنا بعضا, إنها حرب التدمير الذاتي, التي تحصد يوميا عشرات الأرواح البريئة في معظم بلدان العرب! كان كتاب لعبة الشيطان: الإسلام السياسي والولاياتالمتحدة, الذي نشره روبرت درايفوس, وهو باحث أمريكي متخصص في الإسلام السياسي, عام2006 واحدا من اكثر الجهود اقترابا من فهم دعم الولاياتالمتحدة والغرب عموما لمشروع ما يسمي بالإسلام السياسي, عن طريق تأجيج التعصبات المذهبية في العالم العربي, حيث عرض المؤلف الكثير من الخفايا عن تلك التحالفات السرية والغامضة التي عقدتها الولاياتالمتحدة, علي امتداد عدة عقود لرعاية وتشجيع التيارات الاسلامية الراديكالية, سواء بالاتفاقات السرية, أو بالتلاعب بهم, حتي تستخدمهم في حربها الباردة ضد العدو الشيوعي, وطموحات القوي القومية الوليدة في الشرق الأوسط, علي يد عبد الناصر في مصر ومصدق في ايران, ويرصد المؤلف كيف استخدمت الولاياتالمتحدة الإخوان المسلمين, ضد عبد الناصر, وكيف زرعت عقيدة التشدد الديني في ايران لتنفيذ الانقلاب الذي خططت له وكالة الإستخبارات الأمريكية في ايران1953, وما تبعها من دعم وتعزيز لحركات الإسلام السياسي حول العالم, وكان من أبرز أشكال هذا الدعم, تقديم مليارات الدولارات لدعم الجهاد في افغانستان, الذي تحالفت بعض مجموعاته مع الاخوان في مصر, الا ان خلقت واشنطن وحشا لم تنتبه الي مدي خطورته الا عندما روعت بهجمات الحادي عشر من سبتمبر. ووفقا لدرايفوس وآخرين ممن كرسوا انفسهم لدراسة تلك التحالفات السرية ما بين واشنطن وجماعة الاخوان, فقد سادت السياسات الأمريكية حالة من التخبط والارتباك عقب احداث9/11, لكنها لم تغلق ابدا أبواب التقارب مع تلك الحركات الجهادية الإسلامية, وساندت بقوة الإخوان في مصر باعتبارهم البديل القادم بعد رحيل نظام مبارك, والبديل القادر علي حمايتها من الجماعات الجهادية باعتبارها في نهاية المطاف, إما قد خرجت من عباءتها, أو علي صلات قوية بها, لقد قررت واشنطن منذ2005, أن يكون الإخوان هم الحكام الجدد للمنطقة العربية, بعد أن تزيح عن كاهلها عبء عدد من الديكتاتوريات المرهقة والفاشلة التي دعمتها وتسببت لها في الكثير من الحرج خلال العقود الماضية, حيث ظلت الإتهامات تلاحقها بدعم الأنظمة العربية الفاشية, وعلي رأسها نظام مبارك, وعندما لاح لها اخيرا في الأفق حل لم تكن تتوقعه للتخلص من هذا العبء, تمثل في ثورة25 يناير, طرحت علي المائدة وبكل وضوح دعمها الكامل والمطلق لحليفها الجديد في المنطقة, الوجه الجديد للفاشية, القادم عبر صناديق الاقتراع. حاولت جماعة الإخوان في مصر, أن تثبت لصناع القرار السياسي في واشنطن, انها وحدها, باعتبارها تيار إسلام سياسيا معتدلا, القادرة علي التعامل في عالم السياسة ببرجماتية وفاعلية وأنها ايضا تستطيع توحيد صفوف التيارات الإسلامية اليمينة تحت لوائها, بل حثها علي تنفيذ نفس الأجندة الإخوانية, دون عناء يذكر, وانها علاوة علي ذلك قادرة علي حشد الملايين من المؤيديين, وانه لن يعكر صفو عملية تبديل الكراسي مع النظام السابق أي صراعات علي مستوي الشارع المصري, إلا أن قال الشعب المصري كلمته في30 يونيو. بدا واضحا أن أدارة اوباما قد خسرت رهانها, أو أنها وضعته علي الحصان الخاسر, وقد كيل لها الاتهامات بأنها سمحت بتسرب عناصر إخوانية إليها مما يهدد الأمن القومي الامريكي, أحد هذه الاتهامات, كان قد تزعمها رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الامريكي, ايد رويس, وهو يحظي بدعم من الكثير من الأعضاء الجمهوريين الذين يتهمون أوباما بانه دعم الإرهاب بصمته عن عمليات غسيل الأموال واسعة النطاق التي تتم لصالح جماعة الإخوان, وسماحه باختراق الجماعة للإدارة الأمريكية من خلال بعض عناصرهم في البيت الابيض, إضافة الي تمسكه غير المبرر بالإبقاء علي السفيرة الأمريكية في القاهرة رغم علمه باتصالاتها السرية بجماعات إسلامية راديكالية مسلحة في مصر. يكتب روبرت ساتلوف, المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الادني, لقد توصل الإخوان مع اوباما الي اتفاقية مفادها: حفظ الإستقرار بما في ذلك السلام مع اسرائيل, مقابل أن تتركهم الإدارة الامريكية وشأنهم, وهكذا فقد ظل المبعوثون الأمريكيون يتدفقون علي القاهرة يحملون الشيكات, ووعدوا باستمرار تدفق الأموال, مع غض النظر عن السياسات الإقتصادية والشعبوية السيئة التي إنتهجها الإخوان. كان عضو الكونجرس الأمريكي, فرانك وولف قد تقدم بمذكرة للمجلس طالب فيها بالتحقيق مع أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون عقب فوز مرشح الإخوان, محمد مرسي, في يوليو2012, بتهمة دعمهما للجماعة بما يقرب من50 مليون دولار في الانتخابات الرئاسية خلال جولة الإعادة, وقتها ندد وولف بما اعتبره ممارسات البيت الأبيض لخلق مناخ من الفوضي في المنطقة من خلال دعم جماعة الإخوان, والتضحية بالمصالح الأمريكية في سبيل دعم مشروع الإسلام السياسي, وعلي الرغم من انه لم يتم تصعيد القضية فإنها كان ذات صدي واسع داخل الكونجرس, وإعيد فتحها مرة اخري بعد ثورة30 يونيو وعزل مرسي. وكان روبرت سبينسر, وهو باحث أمريكي متخصص في الحركات الإسلامية المتشددة, قد أشار الي ان جماعة الإخوان كانت قد عملت بشكل نشط لعقود داخل أروقة صنع القرار الامريكي من خلال جبهات مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية وجمعيات الطلاب المسلمين والجمعية الإسلامية لشمال أمريكا, و29 منظمة أخري تعمل في الولاياتالمتحدة تحت مظلة ما أطلقت عليه وكالة التحقيقات الفيدرالية الأمريكية منظمة الإخوان المسلمين الدولية والتي تأسست في الثمانينيات, وقد ظلت تلك الجبهات تمثل لوبي ضغط واضح النتائج علي قرارات البيت الأبيض, إضافة الي ما سبق وان تردد من اختراق العديد من الشخصيات التي يعتقد انها علي صلة مباشرة بجماعة الاخوان, الي قلب صناعة القرار في البيت الابيض, ربما كان من ابرزهم هوما عابدين, مستشارة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وصديقتها المقربة, إضافة الي شخصيات اخري يعتقد انها أسهمت في عقد الصفقات السرية ما بين جماعة الاخوان والإدارة الأمريكية, في أثناء وبعد اشتعال ثورة25 يناير, وكانت وكالة التحقيقات الفيدرالية قد قدمت مذكرة الي مجلس النواب في فبراير2011, تؤكد وجود علاقات ما بين المنظمات التابعة لتنظيم الاخوان في الولاياتالمتحدة وتنظيم القاعدة. ووفقا للخبير ستيفن ميرلي بمعهد هدسون, صاحب دراسة الإخوان المسلمين في الولاياتالمتحدة فقد تمكنت ايضا حركة الإخوان الدولية من تأسيس19 منظمة إسلامية في اوروبا, تحت غطاء منظمة أساسية كبري تدعي اتحاد المنظمات الإسلامية في اوروبا او(FIOE) وهو الجناح الأوروبي لجماعة الإخوان, وقد انشيء عام1989 ولا يعرف الكثير عن مصادر تمويله, وهو علي صلات وثيقة بالجماعة في القاهرة, وكان سكرتيره العام ايمن علي قد انتقل الي القاهرة ليصبح المستشار الخاص للرئيس المعزول, محمد مرسي, في حين اختارت المنظمة ابرز اعضائها بسام حتاحت من فرعها في بلجيكا ليكون عضو المجلس الوطني السوري, المعارض لبشار الأسد في سوريا, والذي يدعمه كل من الرئيس الأمريكي اوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون, ونجد ايضا من ابرز الجمعيات التابعة للمنظمة, المجلس الأرووبي للإفتاء والبحوث والذي يترأسه الشيخ يوسف القرضاوي صاحب الفتاوي بحرق مصر. كان الإسلام السياسي خاصة اليميني, هو حصان طروادة الذي تمكنت واشنطن من استخدامه بنجاح للقضاء علي أي محاولات للتوحد تحت رايات أكثر عمقا تتحدي الخلافات والرؤي الضيقة في العالم العربي, واتفق علي انه السبيل الوحيد المقبول من جموع المسلمين في العالم العربي, ليخلف الحكام المخلوعين, بدا الأمر وكأن واشنطن قد منحنتا هدية الديمقراطية الجديدة, حكم الاخوان عبر صناديق الاقتراع, واقتنعت انها قد قامت بمقامرة عبقرية, لكنها تجاهلت أن الملايين من المسلمين يجدون أن لا حق لأي إنسان التدخل لاختبار معتقداتهم الدينية, وأن قضية إيمانهم قضية شخصية لا تحددها السياسة.