ستبقي حركة الاخوان كتنظيم وقوة سياسية وكأيديولوجية وعقيدة ومعارضة وكنظام حكم ثم الفشل فيه من القضايا التي سيستمر البحث فيها طويلا. فلقد جاءت نتائج ثورة سياسية لها أهداف ديمقراطية مدنية تقوم علي مبدأ المواطنة الواحدة والحقوق المتساوية للجميع استنادا لمبدأ الانتماء الوطني وليس الديني وكأن الخطأ الأول الذي وقعت فيه حركة الإخوان انها حركة ثورية تؤمن بالتغيير الجذري والشامل للمجتمع والدولة, في الوقت الذي تعتنق فيه مفهوم آخر للثورة يتناقض تماما مع الثورة الأم التي أتت بها للحكم وهكذا بتنا أمام ثورة علنية وصريحة في أهدافها, وثورة خفية تعمل علي الانحراف والابتعاد عن أهداف الثورة الأولي, وهو ما يفسر لنا كل الممارسات التي تم انتهاجها للابتعاد والاقصاء, ومحاولة إعادة بناء الدولة والمجتمع كله استنادا إلي مفهوم الثورة التي تؤمن بها الحركة, وهذا ما ترجم في العديد من قراراتها ورفضها التكيف مع الواقع السياسي الجديد الذي أوجدته الثورة الأم, وهذا يفسر لنا مفردات خطابها السياسي والإعلامي الذي تناقض تماما مع الخطاب السياسي والإعلامي للثورة ومبادئها وقيمها. هذه الرؤية السياسية هي التي تقف وراء الحكم وهي لم تحاول مراجعة فكرها ورؤيتها السياسية بما يتوافق ويتواكب مع البيئة السياسية الجديدة بكل معطياتها ومتغيراتها وفواعلها, فكانت لغة الاستهانة بها, وعدم إعطائها وزنها الحقيقي, معتقدة أن الحكم لن يعود للوراء, وأن الحركة بهذا الحكم تستطيع أن تفرض ثورتها, وهو نفس المنطق الذي عمل به نظام الحكم السابق, انها معضلة سوء فهم الحكم, فأبرز ما أفرزته الثورة أنها غيرت مفهوم الحكم, فلم تعد تجعله متغيرا تابعا لمن يحكم, بل صار متغيرا رئيسا فيمن يحكم, اعتقدوا ان الحكم الذي وصلوا اليه هو نهاية مرحلة التطور والتجول, وترتبت علي هذه الرؤية عدم إدراك دور الجيش كمؤسسة وطنية تاريخية في مسار بناء الدولة المصرية, وعدم القدرة علي فهم دور القوي السياسية المصرية وخصوصا دور المواطن المصري الجديد, نعم هذه هي معادلة الحكم الجديدة التي لم يتم التكيف لها: حكم جديد ومواطن جديد يساوي حكما ديمقراطيا مدنيا يتعارض مع أي حكم أو دولة تقوم علي أساس الدين فقط, وقد قادت هذه الرؤية الي أخطاء أخري كثيرة تتعلق بعدم القدرة علي تقديم نموذج للحكم الإسلامي يمكن أن يكون مقبولا في مجتمع مسلم يقوم علي الوسطية وعدم التشدد والانفتاح, وفشلوا أيضا في تقديم رؤية إسلامية تنطلق من خصوصية الحالة المصرية, فمصر دولة إسلامية, وهويتها إسلامية دون الحاجة لفرض هذه الهوية, وهذان الخطآن أديا الي أخطاء كثيرة لأن خطأ الحكم يقود الي مزيد من الأخطاء ومنها إعادة بناء الدولة والمجتمع بما يتوافق والثورة الاخوانية, وإعادة بناء تحالفات إقليمية ودولية تتعارض مع المحددات الجغرافية والسياسية والأمنية والتاريخية التي تحكم علاقات دولة بدولة, فالمعيار الجديد في إقامة هذه التحالفات هو مصلحة الحركة ومنطلقاتها, وأهدافها التي انحصرت فقط في هدف الحكم, وهذا ما أدي الي محاولة إعادة بناء خريطة العلاقات الدولية والاقليمية بما يتعارض مع الخريطة التي تفرضها المصلحة العليا للدولة, مما انعكس في عدم وضوح الخطاب السياسي وتناقضه في أغلب الأحيان, وفقدان العمق العربي والاقليمي والدولي, وهو ما قد يفسر التوجهات الاقليمية مع دول مثل ايران التي جاءت علي حساب الانتماء العربي الذي يحدده عامل الجغرافيا, والهوية والتوجه نحو روسيا, ومحاولة كسب تأييد الولاياتالمتحدة, وعدم إغضاب اسرائيل ولو في المرحلة الانتقالية, ومن الأخطاء الجسيمة ايضا عدم القدرة علي الفصل بين الدول بكل أركانها, وبين الجماعة, والتمييز ان الدولة كيان سياسي يتجاوز الجماعة والحركة, وما حدث هو العكس تماما أقصد محاولة اختزال الدولة في الجماعة أي محاولة اختزال دولة عمرها آلاف السنين بحركة عمرها ثمانين عاما, والخطأ الكبير في اعتقادي ترك الحكم, فليس مهما أن يفشل الحاكم أو الحزب السياسي, ويخسر الحكم, ولكن الأخطر هو كيفية التعامل مع أسلوب ترك الحكم, ويعبر هذا الخطأ عن نفسه في الإصرار الغريب بشرعية الصندوق دون محاسبة النفس عن إن الديمقراطية ممارسة وليست صندوقا فقط, وكان الأجدر بالحركة لو تعاملت مع المطالب الشعبية بالاحتكام من جديد للإرادة الشعبية عبر انتخابات جديدة بنفس القاعدة التي قد أوصلتهم للحكم, ولو حدث ذلك لخرج الاخوان فائزين وليسوا خاسرين, ومن هنا فإن اللجوء الي العنف والتهديد به لن يقتصر علي خسارة الحكم, بل سيعني خسارة الحركة كلها, وخسارة للمشروع الإسلامي الذي لا يمكن نجاحه وقيامه بدون مصر, وهذا يفسر لنا الخطأ علي مستوي التنظيم الدولي للإخوان والتعامل مع مصر وكأنها وقف لا يمكن التنازل عنه. كل هذه الأخطاء وغيرها تفرض علي الحركة مراجعة نقدية ذاتية لفكرها ورؤيتها السياسية للحكم. وللنموذج الإسلامي المقبول في مجتمع ودولة هي في الأساس إسلامية الدين والهوية والانتماء والسلوك, وأخيرا فإن مصر أكبر من أي تنظيم وحزب يريد أن ينفرد بحكمها, وبقدر التكيف مع مصر كدولة وشعب وتاريخ وهوية وحضارة, بقدر النجاح في الحكم, وبدون دولة ديمقراطية مدنية بنموذج حكم يقوم علي التوافق والمشاركة ستفشل حركة الاخوان كما فشل غيرها في حكم مصر, وهذا هو الدرس الكبير الذي ينبغي استيعابه وفهمه. د.ناجي صادق شراب - أكاديمي وكاتب عربي