بعد نحو خمس سنوات من الانقطاع, عاد الرئيس عباس إلي المفاوضات مع إسرائيل, لفترة حددت من6 الي9 أشهر, وتخلي عباس بذلك عن شرطه الذي جمد المفاوضات من أجله لخمس سنوات منذ ان وصل باراك اوباما الي سدة الحكم في الولاياتالمتحدة وهو ضرورة وقف الاستيطان قبل الدخول الي عملية تفاوضية علي قضايا الحل النهائي الخمس وهي الحدود والأمن واللاجئين والمياه والقدس. فعلي مدي السنوات الأربع الماضية تمسك الرئيس عباس بوقف الإستيطان وتمسك نيتانياهو بالرفض حتي صار وقف الاستيطان غاية وليس وسيلة للوصول الي حل الدولتين, فلا أوباما استطاع إقناع إسرائيل بالتراجع والقبول بالشرعية الدولية بل استخدم فيتو في مجلس الأمن ضد قرار إدانة الاستيطان والبناء في الأرض المحتلة ولا استطاع من ناحية أخري إقناع الفلسطينيين بالتراجع عن هذا الشرط, وأمام انسداد الأفق تجاه كل الأطراف, وجدنا أنفسنا أمام قبول بالمفاوضات يدرك عباس أنها لن تذهب بعيدا مع حكومة اليمين في إسرائيل التي رفضت, ليس فقط تجميد الاستيطان, وإنما أيضا التفاوض علي حدود عام.67 مصلحة لكل الأطراف ولكن هذه العودة فيها مصلحة للإدارة الأمريكية تكمن في مواصلة إدارة الملف الفلسطيني الإسرائيلي, والحيلولة دون انتقاله إلي يد أخري, أو وصوله إلي الانفجار, وتجميل وجه أوباما الذي تصدي للملف ووعد مرارا بالوصول الي حل نهائي وفشل في كل مره فشلا مروعا, فقد تعهد أوباما عند قدومه بالعمل شخصيا علي وقف الاستيطان, معتبرا ذلك من المصالح القومية الأمريكية لكنه فشل أمام سطوة اللوبي المؤيد لإسرائيل, وتراجع تاركا الرئيس عباس في وجه الأمر الواقع والإدارة الأمريكية التي فشلت في إدارة الملفات الأخري في المنطقة من السوري إلي المصري إلي الإيراني, تتحسس طريقها وصولا الي نجاح في سجل أوباما حتي بذل وزير خارجيته جون كيري خمسة شهور لإقناع عباس ونيتانياهو بالعودة إلي المفاوضات, وكانت المقايضة الأخيرة هي توقف عباس عن اللجوء إلي الأممالمتحدة, وعدم الانضمام إلي مواثيقها ومنظماتها المختلفة, مقابل موافقة إسرائيل علي إطلاق سراح اسري ما قبل اوسلو, وعددهم104 أسري. ومصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو في العودة إلي المفاوضات تكمن في مواجهة العزلة المتنامية للدولة العبرية علي الساحة الدولية, خصوصا بعد قرار الاتحاد الأوروبي الأخير القاضي بوقف كل أشكال التعاون مع إسرائيل والمؤسسات الإسرائيلية في الضفة الغربية وراء خطوط العام67, وتهديد كبير يترقبه في لجوء السلطة الفلسطينية الي المحكمة الجنائية الدولية ومنظمة اليونسكو وغيرها من المنظمات التي لا تستطيع فيها الولاياتالمتحدة الإمريكية إستخدام فيتو أمام تصويت كبير في تلك المنظمات والجمعية العامة للأمم المتحدة. وستكون الجولة الجديدة من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قصيرة, فنيتانياهو سيواصل الاستيطان, والرئيس عباس لن يجد لدي نيتانياهو ما يقنع به الفلسطينيين للقبول بمواصلة التفاوض مع حكومة اليمين التي لا تتوقف عن مواصلة نهب الأرض وتحويلها إلي المستوطنين. مصلحة مباشرة لأبومازن أما الرئيس عباس فلديه أيضا مصلحة سياسية في هذا الوقت, التقت مع مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو, والرئيس الأمريكي باراك اوباما, بغير الانقلاب الحمساوي الذي فتت أطراف الوطن الخاضع للاحتلال وفشلت كل السبل في إعادة غزه الي السلطة ولا حل من أي نوع غير قبول حماس طواعية بإنهاء الانقسام ويري عباس ان هذا غير وارد في ظل الظروف الإقليمية الحالية واستخدام إسرائيل لهذا التمزق أمام العالم في أية مناقشات, فرأي أبومازن مصلحة مباشرة في العودة إلي المفاوضات تكمن في العمل علي إحياء شرعيته السياسية المتآكلة أمام غياب الانتخابات, وإعادة بث الحياة في الاقتصاد الفلسطيني المنهار, حيث تترافق العملية السياسية الجديدة مع خطة اقتصادية تهدف إلي ضخ أربعة بلايين دولار في شرايين الاقتصاد الفلسطيني, وتتضمن أيضا موافقة إسرائيل علي قيام السلطة بمشاريع اقتصادية في المنطقة الواقعة تحت إدارتها المدنية والأمنية والتي تشكل60 في المائة من مساحة الضفة الغربية ومصلحته في إطلاق سراح أسري ما قبل اتفاق أوسلو, الذين امضوا بين20 32 عاما في السجن, وتشكل عودتهم إلي بيوتهم إنجازا كبيرا للرئيس أمام التعاطف الكبير للشارع الفلسطيني معهم, وأمام ضعف إنجازاته السياسية والاقتصادية الأخري, وحسبما ذكر أبومازن أنه لم ينج في المسار السياسي ولكنه قاد الفلسطينيين دون دماء أو انهيار, في مشهد اقليمي مليء بالدماء والانهيارات. كما يريد الرئيس عباس تفادي إغضاب الإدارة الأمريكية التي تشكل المانح الأكبر للسلطة الفلسطينية التي تعاني ميزانيتها من عجز كبير يبلغ40 في المائة, وتفادي التعرض للوم الأوروبيين الذين مارسوا الكثير من الضغوط عليه للعودة إلي المفاوضات التي لا يرون وسيلة غيرها لإدارة واحتواء الصراع ومنعه من الوصول إلي الانفجار, وغياب دور عربي اقتصادي ينقذ مواقفه السياسية, ويدعم صموده أمام التعنت الإسرائيلي, وقمم عربية تعلن عن مساعدات لا تتعدي كونها دعاية لاترقي الي التنفيذ. وحقيقة أخري يدركها الرئيس عباس وهي غياب البديل أمام ضعف الوضعين الفلسطيني والعربي, فالعالم العربي يتفكك وينهار بصورة دراماتيكية, وإسرائيل تسابق الزمن في الاستيطان أينما استطاعت إلي ذلك سبيلا, وأمريكا منشغلة في ملفات أخري, ودور الاتحاد الأوروبي الذي لا يتعدي دور الوعظ والإرشاد, والاقتصاد الفلسطيني يتأزم وينهار.