موجات من العنف والعنف المضاد في مصر الآن, وللأسف بات هذا العنف موجها للفريق المختلف مع الآخر في التوجه والسياسة, وليس الدين أو الملة. أصبحت مصر الآن مرتعا للعنف, بسبب فريق يحمل وجهة نظر, يريد من الفريق الآخر أو من مصر كلها أن تسير معه في وجهة نظره هذه, وإلا فإن العنف هو السبيل, بل القتل والتعذيب هو العقاب, فمن يحمل صورة للفريق السييسي أو علم مصر فهو مع الانقلاب وضد الشرعية وبالتالي فهو خائن ولابد من إنزال العقاب به, في المقابل ونتيجة لذلك فإن من يضع صورة لمرسي أو يكتب كلاما مناهضا للجيش يظهر له متربصون يريدون الانتقام منه. العنف علي الهوية السياسية صارت ظاهرة في الأسابيع الأخيرة علي عزل مرسي, ولم نجد تعاملا جادا من قبل الجهات المسئولة تجاه هذه الأحداث مما ينذر باستفحالها, وإن لم يتم التعامل معها بسرعة فلا أحد يدري هل نستطيع السيطرة عليها أم لا؟ المحامي والناشط الحقوقي عبدالله خليل أرجع أسباب العنف الدائر والمستمر إلي خطاب الكراهية والانتقام والدعوة أو ما كان يطلق عليه القصاص حتي لو كان غير قائم علي أساس من العدالة القانونية فهو كان بمثابة ترخيص بإباحة دماء المعارضين للإخوان كما حدث أمام الاتحادية وفي كثير من اعمال العنف التي كان يقوم بها علي سبيل المثال حركة حازمون وحركة أحرار التابعة لها, بالإضافة الي الخطاب الاعلامي المقابل الذي يحبذ ويحرض علي هذه الافعال, والدليل علي ذلك واقعة قتل الشيعة والتمثيل بجثثهم في أبو النمرس الشهر الماضي, حيث كان هناك خطاب ينم عن الشماتة والفرحة من هذه الأفعال, فالعنف يولد عنفا مضادا وهذا ما نشهده الآن, ومرشح للزيادة اذا استمر الإخوان في بث خطاب التحريض والكراهية من خلال منابرهم الاعتصامية أو أدواتهم الاعلامية أو من خلال انصارهم في المحافظات, وهو ما وضح من خلال حادث قتل الطفل المنتمي إلي التيارالاسلامي أمام استاد المنصورة, حيث تم قتله بطريقة بشعة تولد عنها حالة عنف شديدة لدي الأهالي. ورأي خليل أن أعمال العنف هذه لن تخمد إلا بعد فترات طويلة, وبعد أن يقوم كل الاطراف بإلقاء السلاح والتوقف عن نشر الرعب والفزع والترويع في قلوب المصريين, وإلا فان هذا العنف مرشح للتزايد في خلال الفترة المقبلة, والحل من وجهة نظري هو تطبيق القانون بحزم علي كل الاطراف التي تتبع العنف بغض النظر عن انتمائها أو توجهها السياسي والديني, وكل من يرتكب العنف فهو مدان, ولذا يجب إعلاء سيادة القانون بكل حزم. عنف ضد المجتمع أماالدكتورعلي ليلة استاذ علم الاجتماع بجامعه عين شمس فيذهب إلي أن أحداث العنف الاخيرة لا يمكن تصنيفها تحت مسمي العنف علي الهوية مثلما يحدث في لبنان أو العراق; ولكنه يصف الوضع الراهن بأنه نتاج تيار أصبح ذا ممارسات عنيفة, وهم الإخوان, فالشعب لا يرفضهم كأشخاص, ولكن يرفض ممارستهم و قناعتهم المنحرفة والتي يتمسكون به ويمارسونها ضد المجتمع تدفع البعض لرفضهم. ويدلل د. ليلة علي ذلك بقطع الطرق بشكل يومي والذي يمثل ممارسة للعنف ضد المجتمع كله, إضافة إلي أن الاسلاميين أصبح لديهم إحساس بأن المجتمع نبذهم وهم يريدون الدخول والاندماج فيه مرة اخري ولكن بشروطهم مما زاد من حدة العنف الموجه لهذا المجتمع. ويشير ليلة إلي أن المجتمع حين يمارس العنف ضد هؤلاء فذلك علي اعتبار أن أفكارهم وممارساتهم ترسخ الكراهية لهذا المجتمع, علي حين أنهم إذا تخلوا عنها فلن يمارس ضدهم أي عنف, حيث نري أن هناك ترحيبا كبيرا بشباب الاخوان الذين نبذوا العنف وبالتالي نستطيع ان نقول ان ما يحدث ليس عنفا علي الهوية ولكنه عنف علي الافكار والاشخاص الذين يحملون هذه الافكار. ومصر ليست مجتمع لها هويات منفصلة- الكلام للدكتور علي ليله-بل العكس هو الصحيح فقد قامت ثورة25 يناير ثم الموجة الثانية في30 يونيو بالقضاء نهائيا علي بداية انتشار هويات إسلاميه وغير اسلامية, ومن ثم فإن التوقعات للسيناريو القادم تشير إلي أن استمرار العنف من طرف سوف يؤدي الي حدوث تراجع طبيعي له بعد الكثير من الاصطدام حتي تتغلب قناعة ممارسي العنف علي قناعتهم العقائديه فيتخلوا عن العنف. الإعلان الدستوري المكبل العنف علي الهوية يراه د. أحمد البحيري استشاري الطب النفسي بدأ من وقت إعلان مرسي الاعلان الدستوري المكبل في نوفمبر الماضي, وأدرك الناس وقتها أنه حنث باليمين, حيث خرج مرسي بعدها يخطب في أهله وعشيرته أي جزء من الشعب, ولم يؤكد عكس ذلك ومن هنا حدث نوع من الانقسام, فالشعب المصري دائما ما يعطي فرصة لحكامه, كما حدث مع المجلس العسكري, ومرسي أعطوه أكثر من فرصة, ولكن هذا الاعلان الدستوري أظهر النوايا والانقسامات, وهذه أحد الأخطاء في عدم رضا الجماهير, علي أساس الهوية والرأي, فأصبح هناك فرقاء, فرقة تقول أن له شرعية, وفرقة سنقف معه بغض النظر ونتركه, والفرقة الثالثة ومنهم من نزلوا في30-6 وما بعده في26-7 وهم المتمسكون بشكل آخر بالدولة, وهو التمسك بشكل الديمقراطية المثالية التي لا تستبعد أحدا. ويشير د. البحيري إلي أن مصر قبل مرسي كان فيها فرقاء, ولكن كان فيها تفاعل اجتماعي, فكان لدينا المسيحي والمسلم, الآن هناك تقسيمة اخري للفرقاء وهم فرقاء الاتجاهات السياسية, فريق, مع الإخوان والاخر من لا يقبل الاخوان من الاساس وحكمهم, ومن هذين الفريقين يظهر متطرفون علي الطرفين متمسكون بمرسي وآخرون رافضون له,ومن هنا يحدث تصادم بينهم, والمتطرف من الطرفين يسعي لإشعال الحريق, ويبدأ في تكوين فكر معين نمطي لاعدائه وكيفية التعصب تجاهه, فمن يحمل صورة السيسي وعلم مصر هو مع الانقلاب, ومن يحمل صورة مرسي هو مع الإخوان وضد الجيش. ويضيف البحيري أن ما يزيد من ذلك هو التلوث الثقافي, فالكل مواطنون في البلد, ولا يوجد لدينا تعود علي المناقشة التي تستخدم التفكير العلمي للوصول الي رأي واحد, فكثير من المناقشات تتحول الي مجادلات وإثبات رأي. ويزيد من حدوث عنف علي الهوية الآن في مصر كما يري البحيري- هو تكوين أقطاب في المجتمع, فالمجموعات أفكارها تكون فيها نوع من الحدة أصعب من الفردية, وهو ما يساعد نفسيا ويشجع علي العنف, فمن عيوبه أنه يتخذ قراره بناء علي العدد, ومن هنا تاتي الخطورة, ومن هنا يسيطر الحماس والمشاعر علي اتخاذ القرارفيدفع ويحرض علي العنف لمن يختلف معه, حيث يبدأ في توزيع المسئولية فهذا يقوم بالتحريض وآخر بالسب, وثالث بالضرب, ورابع بإلقاء المسئولية علي الطرف الآخر بحيث تضيع الجريمة, والدافع إلي ذلك هو الاحساس بالقلق والإحباط بسبب فقد الوضع الذي كان عليه, وعدم تحقيق ما يريده, وبالتالي يكون أكثر عنفا تجاه الآخرين. وفقد دينهم علي حسب احساسهم والهجوم علي الاعتصام والحرب علي الاسلام والاحساس بالفناء كل ذلك يدفع للعنف. وللأسف كما يشير د. البحيري إلي أن من يقوم بالعنف الآن يستلهم التجربة من ثورات وحروب الاخرين كنموذج لبنان والجزائر وهو التصادم والقتل والعنف لأتفه الأسباب, ولا يعنيه الوطن أو الدم. إذا نظرنا إلي تاريخ المجتمع المصري فنجد أنه اكد علي مر العصور ان هناك تعايشا بين الهويات الفرعية المختلفة هكذا اوضح الدكتور الهامي عبدالعزيز استاذ علم النفس, مشيرا إلي أننا جميعا نخضع للهوية المصرية بغض النظر عن الهوية الفرعية سواء كان المصري مسلما او مسيحيا, سنيا أو شيعيا, فحينما تذوب الهوية الفرعية في دائرة اكبر وأوسع وهي الهوية الوطنية نجد أن هناك درجة من التكامل بين جميع فئات المجتمع, ولكن البعض يلعب علي وتر الاختلافات علي الهوية- اذا جازت التسمية ومن ثم يريد كل طرف أن يثبت انه الأفضل والأحسن, فالإنسان دوما يريد ان يبحث عن مكانة عالية تترسخ عندما ترتبط بقاعدة أكبر مثل عائلة او قبيلة, وبالتالي لا يشعر انه وحيد بينما في المجتمعات الاكثر تقدما يكون الانتماء الاول للوطن بالرغم من اختلاف القوميات. وعن الوضع الراهن في مصر فيشير د. إلهامي إلي أن الإنسان المصري شعر بأن هناك من حاول ان يقصيه ويبعده ويهتم بفئة دون أخري, ففي عصر مبارك كنا كلنا في الهم سواء, ولكن حينما شعر أفراد المجتمع بأن هناك من يغير الهوية الوطنية وجدنا أن الغالبيه غير المنتمية لهذه الفئة تدافع عن هذه الهوية المصرية التي تحمل التسامح والتكامل والحرية, وبالتالي حدث نوع من أنواع الجفاء في البداية, وأعقب ذلك تعال من طرف علي طرف آخر فزادت حدة الضغائن من جانب المجتمع علي هذه الفئة, وعندما عادت السلطة الي الغالبية مرة أخري, وجدنا أن الأقلية وهي جماعة الاخوان ومن يتبعهم لديهم خوف من العودة الي ما قبل25 يناير الذي كان يمثل لهم الظلم و الاعتقال, وبالتالي فإن عنفهم الآن ليس فقط دفاعا عن الهوية ولكنه دفاع عن الحرية. ولذلك رأينا عنفا قاسيا جدا مثل إلقاء الناس من علي أسطح المنازل, وعليه كانت النتيجة أن أصبح الطرف الثاني وهو باقي المجتمع يخشي منهم ويرد علي هذا العنف. ومن هنا- الكلام للدكتور الهامي- فإن الصراع الذي نشاهده اليوم يحتاج الي الحوار والذي لايزال للاسف متوقفا وفاشلا, لأن أحد الاطراف يريد أن يعيد عقارب الساعة الي الوراء, وهذا لن يقبل به أحد فيتم تعليه سقف المطالب من أجل الجلوس علي مائدة المفاوضات, أما المواطن العادي فسوف يعود الي هدوئه إذا شعر بأن القانون يأخذ مجراه, وأن من يعاديه أو يؤذيه يتم التعامل معه بالحزم الواجب, فالشعب يري أن كل من يعوق مسيرة الحياه سيكون في موقع العدوان مثلما حدث من حرق مقار الحزب الوطني في25 يناير لأن من حرقها رأي فيها رمزا من الرموز التي اعتدت عليه والمؤكد ان الامور سوف تعود إلي نصابها إذا طبق القانون علي الجميع.