هل يمكن أن يكون في البلاء خير أو في المصيبة فائدة ؟ نحن نري في الأزمات والمحن وجها واحدا يؤلمنا ويبكينا.. ولو هدأنا أو صبرنا لاكتشفنا وجها آخر يعوضنا ويرضينا.. ولو تذكرنا فرحة الميلاد لنسينا آلام المخاض.. ولوفكرنا في الجزاء لهان علينا الإبتلاء. فالله لا يقصد أبدا أن يحرمنا ولا يريد أن يعذبنا.. ولكنه ربما يهذبنا فنعود إليه متضرعين مبتهلين آملين في أن يجيب دعاء المضطرين.. أو ربما يريد أن يختبرنا لأنه قال لنا ولنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم ونعلم الصابرين كما أنه ربط بين الإيمان والبلاء: أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون وهذه الوعود الإلهية تنطبق علي أي شئ يؤذينا سواء كان هما أو غما عظيما أو حتي شوكة تشاك المسلم فكله يكون له عنه أجر وجزاء إذا رافق الصبر البلاء. فالمؤمن يخرج من البلاء فائزا رابحا واثقا من أن المنع يعقبه عطاء, وأن العسر معه يسر ورخاء, هكذا كان إيمان الأنبياء والصالحين الذين كانوا يقلقون إذا تأخر عنهم الإبتلاء, وما ذلك إلا لعلمهم بقول سيد المرسلين صلي الله عليه وسلم:( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, يبتلي الرجل علي قدر دينه فإن كان في دينه صلبا إشتد بلاؤه..) ولذا كان ثبات يوسف عظيما عندما قال: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ورغم أنه كان مظلوما إلا أنه لم يجزع ولم يحزن وكانت المكافأة أن ذاع صيته, وعلا شأنه ومدح الناس خلقه, ثم أنطق الله الحق علي لسان من ظلمته, ومكن له في الأرض, وأصبح أمينا علي خزائن مصر, وذلك لأن سجنه كان كيدا بسبب إلتزامه ولم يكن عقابا بسبب فساده, ولشيخ الإسلام ابن تيمية جملة شهيرة يرد بها علي سجنه:( ما ينقم مني أعدائي.. أنا جنتي وبستاني في صدري وسجني خلوة.. ونفيي سياحة) وبالطبع كان يقصد خلوته مع الله ومع العبادة وقراءة القرآن ومن المحن التي لا يمكن وفقا لحسابات العقل البشري تصورها منحا, حادثة الإفك تلك الشائعة المغرضة التي عكرت صفو بيت النبوة لفترة, واستهدفت ليس فقط النبي وزوجته السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها, وإنما استهدفت التشكيك في الرسالة والدعوة وفي سلامة بيت من يحملها, السيدة عائشة جزعت ومرضت.. والنبي صلي الله عليه وسلم غضب وتألم, ومع ذلك يأتي القرآن ليس فقط مبرئا لها من فوق سبع سماوات وإنما ليقول لنا إن هذا الحادث ليس شرا كما نظن وإنما هو خير لنا. فقد لفت الأنظار للوعيد بقذف النساء المحصنات عمدا أو استهتارا وجهلا, وحذرنا من المنافقين الذين يتربصون بأي موقف ثم يطلقون الشائعات, وعلمنا التثبت من الأمور والتريث, ومع ذلك كله علمنا التسامح مع من أخطأ وأساء. ولكن المهم دائما هو الثبات, لأن كثيرا ممن نراهم أقوياء لا يثبتون في الشدائد, وكثيرا ممن نظنهم هشين ضعفاء يثبتون ويظهرون جسارة في الأزمات, ومما ثبت الإمام أحمد بن حنبل في محنة القول بخلق القرآن أن قال له أحدهم:( يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيدا.. وإن عشت عشت حميدا فقوي قلبك) ومن المؤكد أن السيدة هاجر عندما تركها سيدنا إبراهيم هي وولدها الرضيع بواد غير ذي زرع كادت تجزع لولا أنها مطمئنة تمام الإطمئنان إلي أن الله لا يضيعها. فمن يدري أن محنتك لن يولد منها منحة أو أن ماكرهته قد جعل الله فيه خيرا كثيرا, أو أن ما أحببته ولم تنله كان فيه شر كبير.. إنها الثقة في الله والرضا عما يقدره لنا والصبر علي أوجاعنا إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.