التشاديات هن في الأصل مكافحات, وفي شهر رمضان الكريم يضاف عبء آخر يثقل كاهلهن, ولكن الشكوي لا تعرف طريقا إليهن فماذا عليهن فعله في مجتمع شديد القسوة والتمييز, فسيدة المنزل تفعل كل شيء, أما الرجل فمع أقرانه يسترخون حتي إعداد المائدة والتي يتصدرونها فالنساء لهن مائدة أخري فلا يسمح بالإختلاط, ويبلغ الأمر ذروته في المناطق النائية حيث يستلقي الرجال تحت الأشجار بينما تقوم النساء بجلب الماء وجمع الحطب وطهي الطعام وزرع بعض الخضراوات وبناء أكواخ المعيشة وإنجاب الأطفال, فضلا عن مسئوليتهن نحو ضرتهن من الزوجات الأصغر سنا حيث ينتشر الزواج بأكثر من واحدة رغم الفقر المدقع, وللانصاف ليس رمضان فقط مصدر شقائهن فكل الشهور تقريبا عذاب بالنسبة لهن سواء في تشاد أو أغلب بلدان القارة السوداء. الفول أغلي من اللحمة لا تختلف محتويات المائدة التشادية بين العاصمة انجمينا ذات التنوع السكاني وبين الأطراف البعيدة عنها, إلا فيما يتعلق باعتماد الأخيرة بصورة أكبر علي المعونات المقدمة من هيئات الإغاثة الدولية, وخاصة في الشرق والذي يشكل التوءم الجغرافي والاجتماعي لمنطقة الصراع الأفريقي الأشهر دارفور. ولأن جغرافيا تشاد شديدة الصعوبة وسيطرة المناخ الصحراوي والجفاف, فقد إنعكس هذا علي المطبخ التشادي الذي يعاني ندرة في الخضراوات والبقوليات, الطريف أن سعر كيلو اللحمة والذي يتراوح ما بين6 إلي8 دولارات, هو نفسه ثمن كيلو الفول المدمس والذي يتم استيراده من مصر. الاستعداد لرمضان تتهيأ النساء التشاديات لاستقبال رمضان منذ أن يهل عليهن شهر شعبان والذي يطلق عليه في العامية التشادية اسم قصير, وذلك تلهفا واستعجالا لشهر الصيام, حيث تقوم فيه النساء بالاستعانة بمدخراتهن القليلة أو الاقتراض لشراء المكونات المطلوبة لتحضير مائدة رمضانية مختلفة تتزين بداية بالمشروب التقليدي الأبري- الحلو مر في السودان- المصنوع من ذرة البربري والبهارات, ومنها الزنجبيل والقرفة والحبهان والقرنفل والشطة, ونظرا لأهميته تشارك في صنعه مع نساء الأسرة, جاراتهن. ولا يستغني التشاديون في رمضان عن مشروب, الأنقارا الكركديه, والدخن وهو نوع من أنواع الذرة دائري الشكل صغير الحجم, و يعد المكون الأساسي لصناعة مشروب المديدة الرئيسي علي الإفطار. ويتصف المطبخ التشادي بالبساطة الشديدة التي تجعل من طعام العصيدة عمودا فقريا للمائدة التشادية, وهي أكلة عبارة عن دقيق يتم خلطه بالماء, إلي أن يتحول إلي عجينة متماسكة, ثم تقطع إلي قطع صغيرة, يتم تناولها ممزوجة بالمولاه مطبوخ البامية الجافة, وإلي جانبها يأتي اللحم الذي يتم تصنيعه غالبا بالتجفيف منزليا بعد تقطيعه لشرائح وتعريضه للشمس التي تتجاوز50 درجة في أشهر الصيف. ولا يستغني التشادي في رمضان عن التمر والقمح لصنع المليلة أو حلوي اللقيمات( لقمة القاضي) والفول السوداني لإعداد المديدة واللوبيا الجافة والكبكبي والبطاطس والبصل والثوم, فضلا عن الأطعمة والمشروبات المستوردة من البلدان المجاورة التي تقبل عليها الأسر الميسورة, إلي جانب خبز الباجيت الأفرنجي. والتشاديون يعتزون بأطعمتهم ولا يرضون عنها بديلا بيد أنهم نادرا ما يقبلوا علي ما مطابخ الآخرين, وأذكر أنه أثناء قيامي بالاشتراك مع زميلة لبنانية, بتجهيز مائدة إفطار رمضانية لبعض زملائنا من الموظفين التشاديين, فقد لا حظت تحفظهم علي معظم أطعمتنا, وتناولوا فقط اللحم الواضح الخالي من أية إضافات فضلا عن أطباق المهلبية التي أعددتها كحلوي رمضانية سهلة الصنع وحازت علي الإعجاب والثناء. والتشاديون يعشقون الحلوي والسكر الذي يستهلكون منه كميات كبيرة خاصة مع الشاي الغامق الذي يتناولونه في أكواب صغيرة, ويتحلقون حول النار لصنعه بعد الإفطار وحتي فترة السحور وغالبا ما يكون شربه مصحوبا بالاستماع للراديو الذي يلتقط بعض المحطات فتلك فقط هي التي التي تربطهم بالعالم