كان للزيارة القصيرة التي قام بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للقاهرة مؤخرا رسائل ودلالات كبيرة, فهي الأولي لزعيم عربي بعد ثورة30يونيو وعزل الدكتور مرسي, وهي أيضا الزيارة الأولي له منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق مبارك في فبراير2011. وتعبر الزيارة عن ابتهاج العاهل والنظام الأردني بسقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر, مثلما فعلت كل من السعودية والإمارات والكويت وغيرها, وكلهم كان ينظر بريبة إلي صعود الإسلاميين للحكم في مصر وبعض الدول العربية بعد ثورات الربيع العربي, وتأثير ذلك علي دولهم والمنطقة بأسرها. كما تعبر الزيارة عن دعم ومساندة الأردن لخيارات الشعب المصري وللتغيير والنظام الجديد في مصر, الذي يبدو أنه سيكون له تأثير كبير في ميزان القوي في المنطقة, حيث أن هزيمة الإخوان المسلمين في مصر يلقي بظلال سلبية علي أوضاع حركات الإسلام السياسي في الدول العربية جميعا. وتعكس الزيارة رغبة الأردن في عودة مصر للعب دورها في الإقليم وتعزيز العمل المشترك لحل قضايا المنطقة ومايسمي محور الاعتدال العربي, في ظل تطورات كبيرة لاسيما علي صعيد القضية الفلسطينية, ممثلا في التطورات المهمة بشأن إحياء مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن إيجاد أرضية مشتركة لإطلاق المفاوضات, وأيضا علي الصعيد السوري. وتكشف الزيارة والسرعة التي تمت بها كذلك عن رغبة الأردن في تعزيز العلاقات الثنائية, وتجاوز محطة الخلافات والتوتر مع مصر في عهد الرئيس المعزول, بل في مضاعفة الجهود لتعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية لتحقيق المصالح المشتركة للبلدين, وكانت قضيتا الغاز والعمالة المصرية بالأردن قد سببتا توترا بين البلدين قبل ثورة30 يونيو, حيث شكا الأردن أن ضعف تدفق الغاز المصري وإنقطاعه عنه قد دمر الاقتصاد الأردني, وظل وضع العمالة المصرية في الأردن التي تقدر بحوالي خمسمائة ألف عامل بحاجة إلي تنظيم. وأوحت الزيارة بأن تنسيقا ما يتم بين الجانبين علي الصعيد العسكري والأمني, حيث اصطحب الملك عبد الله معه وفدا رفيعا يضم قائد الجيش الأردني ورئيس الديوان الملكي ومدير المخابرات. وقد أثارت هذه الزيارة القصيرة ردود فعل واسعة في الداخل الأردني, حيث صب تيار الإخوان المسلمين جام غضبه عليها, بينما رأت قطاعات أخري من الأردنيين أن في الزيارة ترميما للعلاقات المصرية الأردنية لإعادتها إلي مجراها الطبيعي, الذي شهد انقطاعا أو فتورا بوصول الإخوان للحكم في مصر. وقد بدا الموقف الرسمي الأردني وموقف إخوان الأردن علي طرفي نقيض فيما يتعلق بالتطورات في مصر, فبينما تقف الحكومة وعلي رأسها الملك عبد الله مساندة لثورة يونيو, صعد الإسلاميون موقفهم المعادي لها, حيث نصح زكي بن إرشيد الرجل الثاني في تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن, السلطات الأردنية ألا تراهن كثيرا علي من سماهم الإنقلابيين في مصر, مؤكدا أن الأردن كان إحدي أدوات المؤامرة علي الشرعية في مصر, وأنه سيخيب رجاء كل من يحاول التربص بالإخوان المسلمين ذ. لم يسلم فيه إخوان الأردن بعد بمصير إخوانهم في مصر, ومازالوا يتوقعون أو يعملون وفقا لتصريحاتهم مع إسلاميين آخرين في العالم للعمل من أجل إعادة الرئيس المعزول للحكم في مصر, وفي هذا الصدد يكشف الدكتور همام سعيد المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن, عن خطة لتحرك التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لدعم إخوان مصر وإعادة مرسي للحكم, وتنظيم فعاليات من أجل ذلك وحشد وسائل الإعلام لتأكيد إدانة عزله, واستبعد سعيد أن يكون للتغيير الذي حدث في مصر تأثير علي تجربة إخوان الأردن, لأن تجربتهم علي حد قوله أقدم وحضورهم في الشارع أوسع. ولاشك أن فشل تجربة الإخوان في الحكم بمصر يلقي بظلال قاتمة علي وضع الإخوان في الأردن وجاذبية أطروحاتهم. وكان الإخوان قد قاطعوا الانتخابات البرلمانية التي جرت في الأردن في يناير الماضي. ويبقي أن التغييرات التي لحقت بالعلاقات المصرية الأردنية بعد ثورة30 يونيو هي مقدمة لتغييرات كبيرة لاحقة في علاقات مصر الخارجية, حيث تسعي الدبلوماسية المصرية لإعادة ترميم العطب والتشوهات التي أصابت بعض هذه العلاقات في الفترة الماضية وإحيائها من جديد.