فرحة الشعب بتعطيل دستور2012 لم تدم طويلا, إذ جاء الإعلان الدستوري الذي أصدره المستشار عدلي منصور الرئيس المؤقت, ليثير علامة استفهام حول إمكانية وضع دستور متوافق عليه خلال فترة زمنية حددها الاعلان بما لا يتجاوز ستين يوما. هذه الفترة يعتبرها القانونيون والدستوريون فترة وجيزة ربما لا تكفي لمعالجة كل ثغرات الدستور المعطل وأيضا لإضافة المواد المهمة التي أغفلها سهوا أو عمدا. ومن هنا فإن د. محمد الميرغني, أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس, رأي أن أهم ما يجب أن يتضمنه الدستور الجديد, أن تكون العبرة ليست بالنصوص ولكن بصفاء النفوس, وتكون رغبة القائمين علي وضع الدستور هي تحقيق الخير للوطن, ولكل المصريين, أما التطبيق فتتولاه الأجيال القادمة, وأن نبتعد عن كبح جماح البلد بنصوص مقيدة بعضها بغير داع, تفيد في معني وتضر في معني آخر, مثل مادة المسائل المتعلقة بالشريعة الإسلامية تكفي مجرد الإشارة ودون الحاجة إلي الإشارات المطولة والمناقشات المستفزة دون داع. بينما يذهب الفقيه الدستوري د. محمد نور فرحات إلي أن هناك مواد عديدة لم يتضمنها الدستور الملغي( دستور2012) أو كانت صياغتها فضفاضة مثل المادة الأولي من الدستور التي نصت علي المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين والمواطنات, دونما تمييز أو محاباة أو وساطة, وبخاصة في مجالات التعليم والتوظيف ومباشرة الحقوق السياسية والتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وغيرها, وإعطاء الأولوية لتحقيق العدالة الاجتماعية, بينما هذه المادة في دستور71 تنص علي تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع, ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية, دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية. .ويشيرد. فرحات إلي أن الدستور الجديد لابد فيه من النص علي أن المعاهدات الدولية التي تصدق عليها مصر ومنها حقوق الإنسان تعتبر جزءا من التشريع الداخلي وتطبق بشكل مباشر, وكذلك النص علي الحدود المصرية جنوبا وشرقا وغربا وشمالا وعدم جواز تعديل هذه الحدود بأي حال من الأحوال, وأيضا النص علي مبدأ مساءلة رئيس الجمهورية عن أخطائه السياسية بمعرفة البرلمان, والنص علي البدء في اتخاذ إجراءات عزل رئيس الجمهورية إذا قام المواطنون بجمع توقيعات موثقة بسحب الثقة منه من عدد يماثل مرة ونصف المرة عدد الذين انتخبوه في انتخابات الرئاسة, وأيضا النص علي أنه لا يجوز تفسير أي نص من نصوص هذا الدستور علي نحو يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية. علي جانب آخر يري عصام الإسلامبولي الفقيه الدستوري أن الإعلان الدستوري الذي صدر عن الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور فيه قصور من عدة أمور, حيث إن المادة28 منه نصت علي( لجنة خبراء تضم اثنين من أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها, واثنين من قضاة مجلس الدولة, وأربعة من أساتذة القانون الدستوري بالجامعات المصرية, وتختار المجالس العليا للهيئات والجهات القضائية المذكورة ممثليها, ويختار المجلس الأعلي للجامعات أساتذة القانون الدستوري) والمادة29 منه نصت علي( لجنة تضم خمسين عضوا, يمثلون كل فئات المجتمع وطوائفه وتنوعاته السكانية, وعلي الأخص الأحزاب والمثقفين والعمال والفلاحين وأعضاء النقابات المهنية والاتحادات النوعية والمجالس القومية والأزهر والكنائس المصرية والقوات المسلحة والشرطة والشخصيات العامة, علي أن يكون من بينهم عشرة من الشباب والنساء علي الأقل, وترشيح كل جهة ممثليها, ويرشح مجلس الوزراء الشخصيات العامة). فالتصور مقلوب إذ أن الاعتراض علي الجمعية التأسيسية السابقة كان علي وجود مائة, فينبغي علي هذه اللجنة أن يكون عددها مائتين وليس خمسين عضوا كما نص الإعلان, إذ اللجنة السابقة لم تمثل الكل, وبالتفصيل الذي ذكر في المادة ال29 من الإعلان أن تضم أحزابا ومثقفين وعمالا وفلاحين وغيرهم, ويكون عددهم خمسين عضوا فكيف يستقيم الأمر؟ ويشير الإسلامبولي إلي أنه لابد أن تكون اللجنة موسعة, بينما مهمة لجنة الخبراء هي صياغة الدستور وللإسف ما حدث العكس وهذا خطأ جاء في الإعلان, ولابد من إعلان دستوري مكمل يصحح هذا الخطأ, وأن يتضمن هيئة تأسيسة موسعة بينما تكون مهمة لجنة الخبراء هي صياغة المواد بعد مناقشتها. وأضاف أن النقطة الأخري التي ينبغي تصحيحها هي عدد لجنة الخبراء, فعدد الدستوريين قليل جدا أربعة فقط, وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية غير ممثلتين فيها, والحل هو تلافي ذلك بإعلان دستوري مكمل يصحح هذه الإخطاء, ويجنبنا مشكلات كثيرة في المستقبل. نقطة أخري مهمة يشير إليها الإسلامبولي, وهي أن يكون تركيزنا علي كتابة دستور جديد, وليس ترقيع الدستور القديم, فلا ننسي أن الجمعية التأسيسية الأولي قد قضي ببطلانها, والثانية معروضة أمام القضاء فمن الممكن الحكم بعدم دستورية قانون تشكيل الدستور القديم. أما د. يسري الكومي أستاذ علم الاجتماع السياسي وصاحب دراسة الدساتير المقارنة فقد أكد أن الدستور دائما يتكون من مجموعة من الأبواب, وكل باب يتضمن مجموعة من الفصول, وكل فصل مجموعة من المواد ولابد من البناء في الدستور, ولابد أن تشتمل المادة الأولي علي هوية مصر منذ الحضارة الفرعونية والرومانية والبيزنطية وحتي الإسلامية, وهنا يجب التفريق بين الدولة والشعب, فالهوية ثابتة أما الشعب فمتغير. وثانيا, لابد من النص الواضح علي أن ما يقصد بالشريعة هو الشيء قطعي الثبوت قطعي الدلالة, فالدستور الألماني علي سبيل المثال- وضع19 مادة لا تتغير بأي حال من الاحوال, مثل الحقوق الأساسية للإنسان, فالشريعة الإسلامية بمعني الاجتهادات الشخصية تنذر بأمر خطير, فالفقه دائما متغير, وكذلك الفقهاء, أما اذا كان المقصود بالشريعة الأدلة قطعية الثبوت والدلالة فأمر مهم. ثالثا: الحدود المصرية فبرغم أن الحدود لا توضع في الدساتير, فإن وضعها أصبح ضروريا خاصة بعد تجربة عام من الحكم علي يد جماعة لا تعترف بالحدود للبلاد. رابعا, الأحكام العامة, مثل الحق في السعادة, وليس المقصود بذلك هو الإباحية علي الإطلاق, بل أن يبحث عن حريته وسعادته أني شاء, فلا فرض لوصاية من أحد, إذ المقصود من الحق في السعادة هذه هو تجفيف منابع الدكتاتورية من كل اتجاه. خامسا, التعليم, وبصورة واضحة يجب أن يكون مجانيا وتكفله الدولة بصورة واضحة, وأن يتضمن شيوع ثقافة التسامح وثقافة قبول الآخر.