حينما تم انتخاب رئيس الجمهورية المعزول, وتولي مقاليد حكم البلاد في30 يونيو2012, كان يتمسك دائما بأن الشعب هو مصدر كل السلطات, وأنه يستمد مشروعية بقائه في منصبه من إرادة هذا الشعب مطالبا إياه بأن يثور عليه إذا خرج عن تلك المشروعية. ثم عاث بعد ذلك فسادا في الأرض تحت ستار من الشرعية الثورية التي تمسك بها, فخرج عن حدود التفويض التشريعي الممنوح له في الدستور وأصدر إعلانات دستورية معدومة وتغول علي السلطة القضائية فعزل النائب العام وحصن قراراته من الطعن عليها, مع أنه حينما وصل إلي الحكم بطريق الانتخاب المباشر فإنه يكون قد وصل إلي منصبه هذا بالشرعية الدستورية, فلا يجوز له العودة والخروج عليها مرة ثانية بمنطق الشرعية الثورية, كما قالت بذلك محكمة النقض في حكمها التاريخي بعودة النائب العام المعزول إلي منصبه, وهو ما اعترف به وردده دائما في خطبه الرسمية بأن عزل النائب العام مطلب شعبي, وانه لن يعود لمنصبه مرة أخري تحت أي ظرف, وإذ كان انتخابه بالإرادة الحرة المباشرة هو تطبيق لمبدأ العقد الاجتماعي المستقر علي تسميته دستور الدولة, فقد كان حريا به الالتزام بالشرعية الدستورية التي انتخب علي أساسها, وإذ لم يلتزم بها فإن خروج الشعب عليه بعد ذلك بالملايين التي شاهدناها يوم2013/6/30, اعتراضا علي اخلاله ببنود العقد الاجتماعي المبرم معه وانتهاكه للشرعية الدستورية التي يتمسك بها هو وأتباعه الآن في وقت غابت فيه سلطة الدولة علي يديه في بعض المناطق الحدودية بمصر, وهي السلطة التي لا تقبل غيابا أو انقطاعا, ومن ثم فإن الإرادة الشعبية التي تجلت في خروج الملايين من أبناء الشعب المصري تحت شعار فقدانه تلك الصفة المشروعة بالاستمرار في حكم البلاد, هي التي أتاحت لمؤسسات الدولة الدستورية بوصفها نائبة عن هذا الشعب ومكلفة بحمايته أن تعزل هذا الرئيس, وتتخذ من الإجراءات ما يكفل ضبط إيقاع الحياة في المجتمع وتحديد اتجاهه نحو السير إلي الخير والعدل والحرية خلال فترة انتقالية أوجدتها حالة من الضرورة تقدر بقدرها, مما أنشأ شرعية جديدة تمثلت في تأييد مؤسسات الدولة لهذه الإرادة الشعبية, وهي بالتأكيد شرعية دستورية تجلت مظاهرها في بيان القوات المسلحة الذي عطل العمل بالدستور المفروض علي الشعب من الرئيس وجماعته, والمليء بالمتناقضات والمثالب التي منحت الرئيس سلطات مطلقة يؤيده فيها سلطة تشريعية تمثلت في مجلس شوري حكمت المحكمة الدستورية ببطلانه, كما تجلت في إصدار رئيس الجمهورية المؤقت إعلانا دستوريا لحين تعديل هذا الدستور المعطل أوتغييره, ومن ثم فإن خروج البعض من مؤيدي الرئيس السابق إلي الشارع متخذين من راية الشرعية الدستورية سبيلا لفرض رأيهم بالقوة والعنف, متحدين إرادة الشعب صاحب الشرعية الحقيقية خلال الأيام الماضية, وارتكابهم لجرائم القتل العمدي لعدد من المواطنين المصريين الأبرياء وإحداث إصابات بشعة بآخرين تتسم بالقسوة والعنف المفرط, واتلاف المنشآت وحرقها والاخلال بأمن هذا الوطن وسكينة أبنائه وحقهم في العيش بأمان واستقلال, هو أمر يوجب علي رئيس الجمهورية الحالي أن يفرض حالة الطوارئ علي المناطق التي تقع فيها الاضطرابات وقطع الطرق وتعطيل المرافق العامة والمواصلات ومحاولة اقتحام مقار القوات المسلحة من جانب هذه الفئة الباغية التي تقتل تحت ستار الدين والشرعية المزعومة, وإنفاذ حكم القانون عملا بالمادة28 من الإعلان الدستوري القائم, ويتزامن مع ذلك فرض حظر التجول بها, علي أن يطبق حكم القانون بمنتهي الحزم والصرامة علي من يخالف هذا الحظر, حتي يمكن حصار هذه الجرائم وتلك التجاوزات بمنتهي السرعة كي لاتستفحل هذه الظاهرة, إذ إن الحفاظ علي روح مصرية واحدة أهم وأغلي مئات المرات من اقتناع الدول الخارجية بصحة الموقف القانوني في مصر وشرعية الثورة, وليعلم الجميع أنه كلما طالت فترات التجاوز والتغاضي عن إحكام السيطرة عليها كلما أصبح من الصعب تداركها أو التحكم فيها بعد ذلك, بما يفضي إلي تشويه الصورة المصرية وإبراز الأمر علي أنه نوع من الحرب الأهلية التي يتخوف البعض من ترويجها في الخارج, وذلك هو الفرق بين الدولة القانونية والدولة الرخوة, وبدلا من التذرع بعبارات المصالحة والعدالة الانتقالية التي لن تسفر في النهاية إلا عن الخروج علي حكم القانون والوقوع في الأخطاء ذاتها التي أعقبت ثورة25 يناير من صدور قوانين ظالمة كقوانين العزل السياسي وحماية الثورة وتتنافي مع دولة القانون فلنطبق حكم القانون, إذ كيف يمكن التصالح مع قتلة ومرتكبي جرائم يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات, أوتطبيق فكرة العدالة الانتقالية التي يبرر من يتحدث بها أنها كانت ناجحة في بلد مثل جنوب إفريقيا كانت تعاني من مظاهر التفرقة العنصرية, أما نحن في مصر فقد عانينا من الفساد والخيانة العظمي للوطن في النظامين السابقين! وعلي الرغم من أن القضاء المصري كان أول من وقف في وجه طغيان المعزول وظلمه منذ بداية توليه فترة حكمه علي مدار عام والتحم معه شباب متمردون لوجه الله والوطن, فكانت الشرارة التي أخرجت الشعب المصري في ثورته العظيمة بالملايين, إلا أن هذا الشعب لم يعط تفويضا لأحد كي يفرض عليه أشخاصا بعينهم يتولون دفة حكم البلاد وينفذ من خلالهم الكثير من الانتهازيين الذين لم يكن لهم أي ذكر قبل هذه الثورة العظيمة واعتادوا ركوب كل الأمواج للظهور علي الساحة مرة أخري, مما يجب علي السيد رئيس الجمهورية الالتزام بالمدة المحددة في الإعلان الدستوري المؤقت, وإعادة النظر في الدستور المعطل بإلغائه وكتابة دستور جديد يتفق ومكانة مصر وثورتها العظيمة. لمزيد من مقالات د. مدحت محمد سعد الدين