منذ أن اندلعت ثورة25 يناير, انشغل الباحثون بالتحديات الداخلية وقضاياها الإستراتيجية التي كان من أهمها تحديد نظام الحكم, ومن خلال فترتين انتقاليتين الأولي أدارها المجلس العسكري والثانية أستولت عليها تيارات الإسلام السياسي. عندما فشل الإخوان المسلمون في إدارتها هبت ثورة30 يونيو لتبدأ مصر الفترة الانتقالية الثالثة وهي قضائية بكل المقاييس وممارستها تنذر بقيام جمهورية ثانية قادرة علي تحقيق أهداف ثورة يناير. وللإنصاف لابد أن ندعو كل باحثي مصر من الإستراتيجيين ليدلوا بدلوهم لتحديد ملامح طبيعة التحديات القادمة, والتي في ضوئها يمكن أن تستطيع أول حكومة في الجمهورية الثانية أن تضع إستراتيجيتها الشاملة. في هذا المجال نجتهد في تحديد أهم التحديات الإستراتيجية الخارجية, والتي تعد انعكاسا لحالة المتغيرات الدولية والإقليمية والتي تتعلق بالاخلال الجسيم في ميزان التسلح في منطقة الشرق الأوسط. في هذا السياق هناك العديد من المحددات التي تؤثر بدرجات متفاوتة علي سياسة التسلح لأي دولة من أهمها: موازنة الدفاع بما فيها المساعدات الأمنية( إن كانت ميسرة), الثاني صيغة التحالفات والمعاهدات( إن كانت مستقرة), الثالث المعاهدات الأمنية إن كانت مفعلة, الرابع الإستراتيجية الأمنية للدولة وطبيعتها. وقبل تفكيك تحدي اختلال ميزان التسلح إلي قضاياه الإستراتيجية نوصف الحالة المصرية, فالمعونة الأمريكية في شقها الأمني جزء من موازنة الدفاع المصرية, ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية هي بضمانات أمريكية للطرفين, ولمصر دور إستراتيجي في معاهدة الدفاع المشترك علي المستوي العربي. وأخيرا بأن التهديدات الخارجية مازالت مفتوحة ولا يمكن تصفيرها في ظل تجميد التسوية السلمية, والاستعداء الإيراني لدول مجلس التعاون الخليجي. قيام الولاياتالمتحدة بالتلويح بإيقاف المعونات الأمريكية, ظنا منها أن الجيش المصري انقلب علي الشرعية, خطأ جسيم يضاف لأخطائها الإستراتيجية منذ خطأ دالاس في خمسينيات القرن الماضي, قد يكون القرار الأمريكي له ما يبرره في أروقة مؤسسات السياسة الأمريكية والصراع المألوف داخل الكونجرس.. علي أثر التهديد بإيقاف المعونات الأمريكية علي الفور دخل بوتين علي الخط ليس لتلبية احتياجات مصر من السلاح( بديلا عن المعونة الأمريكية) ولكن وكأن التاريخ يعيد نفسه عندما قدم الاتحاد السوفيتي السابق استعداده لتمويل بناء مشروع السد العالي بعد رفض البنك الدولي, وفي الحالتين كانت موسكو تبحث لنفسها عن موطئ قدم في البحر المتوسط. وهذا حقها ومن حقنا أن ندرس كل فرصة متاحة لمصلحة مصر.. أولا. كما أن قطع المعونة الأمريكية ليست نهاية العالم وأذكر الإدارة الأمريكية أن السيدة كلينتون قالت عند قيام ثورة يناير إن الولاياتالمتحدة لن تفقد مصر ثانية, وأري أن مصر لا ترغب في أن تفقد حليفا إستراتيجيا.. ولابد البدء من مراجعة سياسة التسليح المصرية في إطار المتغيرات الدولية والإقليمية. أعود لتفكيك التحدي وقضاياه الرئيسية في إطار البحث عن بدائل تصلح كحلول إستراتيجية في مواجهته, وأهم هذه القضايا طبيعة التهديدات, وصناعة السلاح, وتنوع مصادره وغيرها من القضايا.. فعلي مستوي التهديدات فإن دول الجوار المباشر مازالت مفتوحة. وإسرائيل تصف مصر في أدبياتها الدفاعية بالعدو الجنوبي. كما أن موقف إيران منذ رفضها لإعلان دمشق وتدخلاتها لزعزعة الاستقرار في دول الخليج الشقيقة تؤكد أنها عدو افتراضي قد يتحول إلي واقع في لحظة تاريخية. علي مستوي تنوع مصادر السلاح فالبدائل عديدة.. وسوق متسع للجميع, لكن هناك قيودا دولية علي هذه السوق.. ومن أهمها معاهدات ضبط التسلح والتحالفات الإستراتيجية التي تلعب دورا في السماح بالتسلح من عدمه, وشراء السلاح يحتاج إلي تمويل مادي ضخم, ينهك أي موازنة خاصة لدولة نامية مثل مصر, التي تتطلع إلي مشروعات تنموية ضخمة.. ناهيك عن شروط وقيود الاستخدام, والتي تفرضها الدول المنتجة للسلاح.. ولا مفر من أن نصنع سلاحنا بأنفسنا ومصر قادرة بالإرادة العربية. لمزيد من مقالات د. عبد الغفار عفيفى الدويك