إبان الخامس والعشرين من يناير, لم تجد كاميرا الفضائية المصرية, سوي صفحة نيلينا الخالد تظهره لنا, وكأننا لا نعرفه, وفي زاوية بعيدة من الكادر بدا هناك أنفار علي الكورنيش ببدايات التحرير يلوحون وكأنهم اشباح. بالتوازي كانت قناة الجزيرة القطرية في قلب النار ورغم أن بثها ينطلق من دولة لا علاقة لها بالديمقراطية من قريب أو بعيد, فإنها نقلت صرخات المحرومين تلعن الاستبداد والمستبدين, وفي ذات الوقت تمكنت من أن تكتب شهادة وفاة تليفزيون ما سبيرو, بل تشييعه إلي مثواه الأخير بالغفير غير مأسوف عليه. والحق أنه لولاها, وكذا شبكات أخري وأن اقل متابعة, لما عرف العالم حقيقة ما حدث علي أرض الكنانة, بل إن البسطاء من المصريين في الأقاليم والقري تأكدوا من خلالها أن هناك ثورة عارمة يقودها الشباب في ميادين القاهرة والسويس والاسكندرية ضد الطغيان والقهر. لكن يبدو أن هذا لم يكن لوجه الله وللحرية, والدليل علي ذلك اشادتها بصعود الإسلام السياسي, فأخيرا ضمنت الدولة الصغيرة الغنية, محو تلك البدع التي سبق وزلزلت عروش, والمسماة بالليبرالية والتنوير والحداثة, فتبا لها جميعا, ولتذهب ومعها مروجوها إلي جهنم وبئس المصير. غير أن الرياح جاءت بما لا تشتهي به السفن فخرجت تمرد تقود طوفان غضب لم يشهد التاريخ مثله, إنه الأحد الماضي, الفاصل والحاسم, في عمر هذا البلد العظيم, ولينكشف الوجه الحقيقي للجزيرة: الرأي دون الآخر والأتجاه الواحد لا معاكس له, ويالها من سخرية ففي الوقت الذي كان السخط يعم غالبية الشعب من خطاب الرئيس مرسي الأخير, راح مديرها عبد الفتاح يتغني به أمام زميلته نوران, لعاطفيته. والسؤال هل هذا مبرر, كي يهاجمها البعض والتعرض بالايذاء للعاملين بها؟ بالطبع لا وما حدث خطأ بل جريمة, فالحرية لا تتجزأ, ولتقول ما تشاء لأنه ببساطة يأتي بعكس ما يتمناه القائمين عليها, والدليل علي ذلك أنه طوال السنة التي حكم فيها الاخوان تغاضت عن ممارستهم القميعة, بل باركت تسلطهم, وكانت النتيجة, ثلاثين مليون مصري في الشوارع. لمزيد من مقالات سيد عبد المجبد