تراقب الحكومة الألمانية انقسام المجتمع المصري لمعسكرين كبيرين, احدهما يؤيد والثاني يعارض الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين المصرية بقلق بالغ فهي تخشي أولا وقبل كل شيء من تصاعد العنف الذي شاب المليونيات السلمية المناهضة للرئيس المصري ومن تحوله إلي صدام مستمر بين الفريقين يهدد استقرار مصر وهو سيناريو كارثي بالنسبة لبرلين ومصالحها وفي مقدمتها أمن إسرائيل. تنطوي تصريحات وزير الخارجية الألماني وغيره من السياسيين الألمان علي نبرة عتاب للرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان الحاكمة في مصر الذين لم يلتزموا بنصيحة المستشارة انجيلا ميركل لهم مع تولي السلطة, حيث نبهت إلي ضرورة ان تشعر جموع المصريين بتحسن سريع في ظروف حياتهم المعيشية لتكتسب ثقة في النظام الذي افرزته الثورة المصرية. اما الآن وقد انضم ملايين المواطنين المتضررين من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية لمعارضي مرسي من تيارات ليبرالية وعلمانية ويسارية ومؤيدين للنظام السابق ووقوع مصادمات عنيفة بينهم وبين أنصار الجماعة, فإن عملية التحول السياسي في مصر اصبحت في خطر كما يقول وزير الخارجية فيسترفيله. وقد أعرب الوزير عن صدمته من مقتل متظاهرين في شوارع مصرمجددا واصفا الإحتجاجات الشعبية وإندلاع اعمال عنف من جديد بأنها عبء ثقيل وإمتحان حقيقي لعملية التحول السياسي في مصر. فالبلد لا تحتاج مصادمات عنيفة في الشوارع لكن حوار واستعدادا حقيقيا للإصلاح لذلك دعا فيسترفيله الرئيس محمد مرسي بالبدء في الاصلاحات المطلوبة لتثبيت الديمقراطية وتحسين الوضع الاقتصادي كي يكون امام الناس آفاق حقيقية في المستقبل. والخلاصة التي يتفق عليها المراقبون هنا هي ان الحكومة الألمانية لا تري ضرورة في تغيير نظام الإخوان في مصر الذي يتم توصيفه بأنه يمثل الإسلام المعتدل في مقابل خطر السلفيين والجهاديين, طالما ان هذا النظام يحقق الاستقرار المطلوب في دولة مركزية بحجم مصر ولا يتعارض مع مصالح الغرب في منطقة خطرة بل يتعاون معه في محاربة الإرهابيين في سيناء ويشكل حلقة اتصال ذات تأثير بين إسرائيل وحركة حماس. ويمكن للدلالة علي الموقف الألماني الإشارة إلي انه رغم كل التوتر الذي شاب العلاقات المصرية الألمانية مؤخرا بسبب حكم القضاء المصري بحبس موظفي مؤسسة كونراد اديناور الألمانية في القاهرة في إطار احكام قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الأهلية وموجة الاستياء العارم التي تسبب فيها الحكم في المانيا, فإن جيدو فيسترفيله دافع عن الرئيس محمد مرسي امام لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الالماني محذرا السياسيين الألمان من الخلط بين موقف الرئيس مرسي وحكومته وبين حكم المحكمة. واوضح الوزير الألماني ان الحكم الصادر بحبس موظفي المؤسسة الألمانية في مصر موجه اولا للداخل المصري فهو حكم مسيس في إشارة للمواجهة بين مؤسسة الرئاسة والقضاء المصري, مشيرا ايضا إلي ان هذا الملف تم الإتفاق علي حله بين المستشارة وبين الرئيس مرسي خلال زيارته لبرلين. هذا بالنسبة للموقف الألماني الرسمي اما علي صعيد القراءات الألمانية للمشهد المصري سواء من جانب الكتاب او المحللين فهي متنوعة للغاية: مثلا يحمل شتيفان رول خبير الشأن المصري في معهد الدراسات الأمنية والدولية في برلين الجانبين معا, المعارضة والإخوان مسؤلية تردي الأوضاع في مصر. ويري ان الطرفين يفتقران لمفهوم الديموقراطية السليمة. فالرئيس المصري ومن وراءه جماعة الإخوان تسببوا في حالة الاستقطاب وتعميق الهوة في المجتمع المصري بعد ان فهموا فوزهم الكبير في الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية بأنه تصريح من الشعب بالحكم المطلق. اما قوي المعارضة المناوئة فهي تصر علي المشاركة بقدر متساو في حكم البلاد ضاربة عرض الحائط بنتائج الإنتخابات! يضاف إلي ذلك انشغال الطرفين بجدل سياسي عقيم مع تجاهل تام لمطالب الثورة الأصلية مثل العدالة الإجتماعية وتحسين الظروف المعيشية, وفشل الطبقة السياسية الحاكمة في انتهاج سياسة براجماتية لعلاج المشكلات اليومية للموطنين. ويري رول أن الخروج من المأزق الراهن في مصر حاليا لا يتأتي إلا عن طريق الحوار الوطني ولكن المشكلة في مصر هي عدم وجود شخصية وطنية قادرة علي التغلب علي حالة التشكيك والتخوين بين المعسكرين وبدء مصالحة بينهما, وهو دور اثبت الرئيس المصري عدم قدرته علي أدائه. رول يقول إن مصر في حاجة لنيسلون مانديلا مصري وهو للاسف ليس موجودا, لذا تتعلق آمال الكثيرين مرة أخري بالجيش كمنقذ في حال تصلبت مواقف الرئاسة والإخوان. اما الكاتب الصحفي ديفيد زيجنر فينظر بتفاؤل للصراع بين الإخوان والقوي المعارضة لها في مصر ويعتبرها بداية مرحلة حداثة وتطوير وليس نهاية الثورة كما يري البعض. فبانتهاء عصر مبارك السلطوي كشفت الانتخابات التي اجريت في مصر علنا موازين القوي في الشارع المصري واعادت الديناميكية للحياة السياسية. إذن اصبحت المسألة مسألة وقت فقط لتتعلم كل قوة من تجربتها. فجماعة الإخوان ستتعلم مع الوقت وبضغط من الشارع كما يحدث الآن كيفية التعامل مع اجواء الحرية والتعددية التي جاءت بها الثورة المصرية باسلوب متحضر دون تهميش الآخر او قمعه او تكفيره, كما ان القوي المعارضة وفي مقدمتها الشباب سيتعلمون تدريجيا كيفية تنظيم انفسهم وخوض معترك السياسة بشكل احترافي. المؤكد كما يقول زيجنر هو ان المصريين عليهم ان يجدوا وصفتهم للتعامل مع التعددية السياسية والفكرية والدينية. وهي إشكالية ليست موجودة في الغرب كما تقول مجلة دير شبيجل الألمانية, حيث ان الديموقراطية والتعددية وجهان لعملة واحدة في الغرب.