هذه رواية علي جانب كبير من الاهمية ولا تعود اهميتها الي ما تتضمنه من احداث درامية بقدر ماتعود الي ان صاحبها نجح في استعادة الوعي المعاصر الشاهد ليعيد صياغة الحاضر بريشة الراوي الذي لايفتقد الذاكرة الحية والمعاصرة في آن واحد.. الراوي الذي يسعي لتأكيد التاريخ المعاصر عبر النص الروائي.. وعلي هذا النحو, يمكننا اعادة النظر الي احدث نصوص صنع الله ابراهيم الجليد لنري كيف استطاع الراوئي تسجيل التاريخ كما عرفه او كما لم يعرفه المؤرخ التقليدي; فقد استطاع الراوي هنا الراوي- هوالسارد الوحيد- الذي يعيش الأحداث ولا ينفصل عنها في نقل الحركة الزمنية وتسجيلها بشكل غير تقليدي.. لقد تجاوز الواقع السرد التقليدي الي الواقع السرد الروائي الواعي.. منذ بداية السرد في رواية( الجليد) تبدو دلالة المعني منذ العنوان الذي يعكس لنا رمز الواقع الحاضر الذي تعرفه موسكو والمنطقة العربية في هذا المناخ الملبد المجمد الذي يعكسه لنا هذا الواقع خلال أشهر الخريف والشتاء مما يجعل الحركة محدودة ويدفع الذين يعيشون فيها نسواء من اهلها اومن الشباب المقيمين لدورة دراسية الي التحرك في هذا المناخ القاسي سواء بدا جغرافيا- موسكو او زمنيا- عام1973- وهي السنة الي بدأ بها الراوي- احداثه الي عام2011 الذي سجل فيه الراوي روايته.. لقد ذهب شكري لهذه الرحلة في فترة صعبة من تاريخنا, حيث شهدت المنطقة العديد من الاحداث الدامية التي نعرفها جميعا فاذا بنا نمضي معه بين غرف سكن طلابي جامعي, وشوارع وساحات ومطاعم موسكو, وبعض الشقق الصغيرة فيها, وبعض الشخصيات المتباينة بشكل لافت منذ ذهب الفتي في هذه البعثة الي موسكو ليلتقي هناك بالروسي والبرازيلي واليهودي واللبناني والارمني والسنغالي والمصري والسوري.. وغيرهم فشكلت داخل النص وخارجه هذا الواقع الجليدي الذي عانينا منه جميعا.. وهو الواقع السردي عبر النص الروائي الذي لاحظه القارئ والناقد.. ان المتابع لمحاولات السارد يلحظ انه يبدأ يومه الاول بعبارة وارتديت الحذاء المبطن بالفرو ذا النعل المناسب للمشي فوق الجليد. وينهي رحلته بآخر يوم من العام نفسه بيوم تكرر كثيرا كان الثلج يتساقط بسرعة وكثافة. وغطي كل شيء-حتي الاشجار- باللون الأبيض...وتراكم فوق معطفي وقبعتي وحاجبي. كانت الاحداث تمضي عبر الزمن الروائي بين احداث شتي وافراد وطلاب وشخصيات من بلدان مختلفة وجنسيات متباينة, وطلاب سوفيت, وطلابا من دول المعسكر الشرقي, وآخرين من بلدان ترتبط حكوماتها بالاتحاد السوفيتي, ومن بينهم هذا الراوي الموفد من مصر من أجل الحصول علي اطروحة الدكتوراه, يخصص الطابق العلوي منه للطالبات. طلاب في سن الشباب, سن الطاقة والحيوية والطموح, يحاصرهم نظام شمولي يتدخل في أدق تفاصيل الحياة والسلوك البشريين, ويسطر عليهما برقابة صارمة وجهاز أمني مريع, فيفقد الإنسان فرديته, ويعيش في غربة عن نفسه توصله إلي الإحباط والفشل..