تطورت وسائل التنصت علي الأعداء وقطع الطريق علي رسلهم وقراءة رسائلهم السرية والعلنية والاستماع إلي وسائل إعلامهم واصطياد مراسلاتهم واتصالاتهم السلكية واللاسلكية وفك شفراتها إلي إنشاء نظام إيشيلون الذي يتكون من مئات المحطات الأرضية والبحرية وطائرات التنصت( مثل إيواكس) والمحطات الفضائية التي ترصد الاتصالات والرسائل بأنواعها( تليفون وفاكس وإنترنت) وتدخلها لحواسب ضخمة تستخدم برامج عالية الكفاءة للبحث عن الكلمات والمقاطع الخاصة التي قد ترد فيها وتهم المشتركين في النظام, وهم خمس دول أساسية( أمريكا وإنجلترا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا). ويتم تبويب نتائج البحث وإتاحته لشتي مستويات الاستخدام المخابراتي والعسكري والتجاري, من خلال شبكة عنكبوتية تم تطويرها قبل الشبكة العامة للإنترنت. ومع تطور الاتصالات ونظم المعلومات الإلكترونية لتشمل كل شيء, أصبح هذا النظام لا يكاد يفلت أي اتصال. يعود تاريخ نظام إيشيلون للحرب العالمية الثانية واختراع الراديو والاتصالات اللاسلكية وعلم الشفرات السرية, التي مكنت من التجسس علي الرسائل اللاسلكية, ووضعت معاهدة بين بريطانيا وأمريكا عام1945 أساس النظام. وتشكلت عام1946 هيئة الكومنويلث لشفرات الاستخبارات, وضمت وكالات استخبارات ببريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا كهيئات فرعية في النظام. وأنشأت وكالة الأمن القومي الأمريكية المئات من نقاط التجسس حول الاتحاد السوفيتي والصين وغيرهما. وكان العاملون يستمعون في صبر لأي إشارة قد تنذر ببدء حرب نووية. ثم بدأ استخدام الأطباق الهوائية في الاتصالات اللاسلكية, وشكلت تلك المحطات منظومة يمكنها متابعة كل الرسائل اللاسلكية. وبعد نهاية الحرب الباردة, لم تعد تلك المحطات القديمة أسرارا عسكرية, وتم عرضها في المتحف القومي الأمريكي للشفرات. مع تطور الحاسبات, صممت برامج تشبه محركات البحث علي الإنترنت يمكنها معالجة تريليونات البيانات, يتم تغذيتها بنصوص كل الرسائل والاتصالات.وتتصل بهذه الحاسبات قواعد بيانات عملاقة( يتم تحديثها باستمرار) تشمل جداول المعلومات المرتبطة بكل موضوع مستهدف, كأرقام تليفونات وفاكسات وعناوين إليكترونية وأسماء وكلمات وجمل للبحث عنها والتقاط الرسائل التي تشتمل عليها, للتركيز عليها بمزيد من التحليل والمراجعة البشرية. وكانت محطة مينويث هيل في وسط إنجلترا من أهم نقاط المعالجة التي تدار بالأقمار الصناعية, وهناك وثيقة بتاريخ1981 تشير إليها باسم إيشيلون. كانت الاتصالات الدولية التجارية والخاصة تلتقط وتحلل وتعالج في بريطانيا وأمريكا منذ عام1945 في برنامج شامروك حتي فضح المحققون وجوده في أعقاب فضيحة ووتر جيت. وكشفت مارجريت نيوشام مديرة أنظمة الحاسب في هيئة الأمن الأمريكية وفي محطة من ويثهيل عام1988 اتساع نظام إيشيلون. كما قضي النيوزيلندي نيكي هاجر ست سنوات في دراسة محطات إيشيلون في وايهوبايب نيوزيلند عام1989 ونشر كتابه القوة السرية عام.1996 كما ساعدت المعلومات والوثائق التي تسربت عام2000 إلي جيمس بامفورد في نشر تفاصيل عن تطور النظام علي مستوي العالم. وأشار تقرير نشرته لجنة تقييم البدائل العلمية والتكنولوجية التابعة للبرلمان الأوروبي عام1998 إلي شبكة التجسس هذه وحذر من خطرها. ومثلت وكالة الأمن القومي أمريكا كطرف رئيس في التحالف, ومقرها في فورت ميد بين واشنطن وميريلاند, وتفتخر بامتلاكها أكثر المعدات والأفراد كفاءة وأفضل علماء الرياضيات في العالم, وأفضل فريق لعمل وفك الشفرات بأكثر من مائة لغة. وضم التحالف إدارة الاتصالات الحكومية البريطانية ومؤسسة أمن الاتصالات الكندية ومديرية إشارات الدفاع الاسترالية ومكتب أمن الاتصالات الحكومية بنيوزيلندا كطرف ثان( تسمي هيئة تيكستاTEXTA). وضم طرف المعاهدة الثالث ألمانيا واليابان والنرويج وكوريا الجنوبية وتركيا. وتقول مصادر أن الصين انضمت لدول الطرف الثالث. وتوجه وكالة الأمن القومي الأمريكية مشروعات التحالف وعمليات جمع البيانات وتبادلها مع الهيئات الفرعية الأخري, وتقسيم مهام جمع البيانات وتصنيف وحماية المعلومات المشتركة. وتتبع إيشيلون محطات أرضية وسفن استخبارات تجوب البحار, وأقمار صناعية عديدة, وقلما تفلت اتصالات إلكترونية منها. إن أول شبكة دولية سبقت الإنترنت, كانت الشبكة التي تربط بين محطات الاستخبارات ومراكز معالجة المعلومات بموجات لاسلكية وكابلات عبر المحيطات. ويسمح لموظفي استخبارات الدول المشتركة باستخدام مستويات مختلفة للبيانات( حسب الدولة وتخصص الموظف ورتبته) بكود خاص يطلب منهم أثناء التصفح. وعلي غرارها صممت شبكة الإنترنت العامة. وللنظام شبكة أخبار استخباراتية خاصة تعمل بنظام تليفزيوني مشفر باسم جيجسترGigster. ولها نظام بريد إلكتروني منفصل تماما عن الشبكة العامة. ويفتخر موقع هيئة مراقبة الاتصالات البريطانية صراحة بأنها تدير واحدة من أكبر شبكات الإنترنت(WAN) في العالم, يصعب تخيل ضخامة وقدرة حاسباتها. ويستخدم النظام أيضا في مراقبة المدنيين والسياسيين والمسئولين. ورغم الانكار المستمر لوجود التجسس التجاري, إلا أن الاستخبارات التجارية والاقتصادية أصبحت هدفا أساسا للمراقبة, حيث يتم الحصول علي معلومات بشأن الصفقات التجارية الدولية الوشيكة لتعزيز القدرة التنافسية لأعضاء النظام حتي ضد بعضهم البعض. لكن حكمة الحياة تقول إن لكل اختراع ماكر, حلولا بسيطة. لمزيد من مقالات د. صلاح عبد الكريم