ما هي العلاقة بين المخابرات الأمريكية وبين منظمات إرهابية من بينها القاعدة؟, السؤال يبدو نظريا أو افتراضيا, لكن يبدو أيضا أن هناك خيطا رفيعا غير مرئي يمتد في الظلام بين الجانبين وهو ما كشفت عنه كتب منشورة لرجال المخابرات المركزية الأمريكية يعترفون فيها باختراق المخابرات الأمريكية لبعض هذه التنظيمات ودفعها من داخلها إلي تنفيذ عمليات تشعل صراعا حضاريا بين الغرب والعالم الإسلامي. أحدث هذه الكتب عنوانه مبادلة الأسرار: الجواسيس والمخابرات في عصر الإرهاب لمؤلفه مارك هوبند المراسل المختص بشئون الأمن السابق لصحيفة الفاينانشيل تايمز البريطانية, الذي حصل علي معلومات من ضباط في المخابرات خلال سفرياته من روما إلي كابول ومن الخرطوم إلي جوانتانامو, حول نجاح الجواسيس في إقامة قنوات سرية مع منظمات مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي بالإضافة إلي القيام باختراق تنظيم القاعدة. ويقول عن هذا التطور إنه قد أصبح موجودا ما يمكن تسميته بالسوق السرية الذي يمكن أن تشتري فيها المخابرات الأمريكية المعلومات من كل من لديه استعداد لبيعها مقابل المال, ومازال هناك الكثيرون الذين لديهم الاستعداد لبيع الأسرار. ويقول هوبند إن هناك عاملا أدي إلي تغيير وسائل التجسس وهو الحضور والتواجد الكثيف لتنظيم القاعدة بكل ممارساتها المتطرفة, وهو ما أدي إلي التطور الذي حدث في فكر وعمل المخابرات والذي وصفه هوبند في كتابه بالثورة في عالم التجسس, خصوصا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد أظهرت قوة وخطر المفاجأة التي تتعرض لها دولة مثل الولاياتالمتحدة وهو ما أدي أيضا إلي تغييرات كبيرة في أسلوب عمل المخابرات لكي يكون لديها معلومات مسبقة تتفادي بها حدوث المفاجأة مرة أخري. ومن ضمن التغيير الذي أحدثته المخابرات الأمريكية في عملياتها هو إعادة الاتصال ببعض الأشخاص الذين سبق أن جندتهم في عمليات سابقة للمخابرات وتوقفوا بعد ذلك عن التعامل معهم, ومثال علي ذلك في الفترة التي كانت الولاياتالمتحدة تدعم فيها قوات المقاتلين ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان فإنها كانت تحتضن هؤلاء المقاتلين ومنهم كثيرون ممن إنضموا إلي تنظيم القاعدة بعد إنتهاء الحرب في أفغانستان, ومنهم من لم ينضم اليها وهؤلاء هم من سعت المخابرات للوصول إليهم وتجنيدهم مرة أخري وزرعهم داخل التنظيمات الإرهابية لإمدادهم بالمعلومات المطلوبة, وهؤلاء المقاتلون كان لهم قدرة من خلال هويتهم السرية واتصالهم ببعض الجماعات الإرهابية علي الحصول علي معلومات جديدة وهم منتمون ظاهريا للجماعات الإرهابية بهدف اختراقها ولكنهم في حقيقتهم عملاء سريون للمخابرات الأمريكية. ومن ضمن المصادر الرئيسية التي سعت المخابرات الأمريكية للحصول منها علي أسرار هم المعتقلون الذين تم احتجازهم في جوانتانامو لفترة طويلة لكونهم قادمين من أفغانستان وعلي صلة بتنظيم القاعدة. وهناك كتاب آخر بعنوان طريق السكين لمؤلفه مارك مازيتي الصحفي بصحيفة نيو يورك تايمز الأمريكية, يستعرض التحولات الأخيرة في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والتي تحولت من التجسس عن طريق الأشخاص إلي استخدام الطائرات بدون طيار ومن عملياتها رصد تحركات لشخصيات قيادية تابعة للقاعدة واغتيال بعضها ومنهم ولي رحمن الرجل الثاني في تنظيم طالبان باكستان الذي تم اغتياله منذ أيام بواسطة طائرة بدون طيار بالإضافة إلي زعيم تنظيم القاعدة في اليمن, وتوظيف جيوش من الجواسيس تعاقدت معهم بطريقة شراء الأسرار ومن بينها أسرار عن خلايا سرية قد لا تكون معروفة للمخابرات الأمريكية في ذلك الوقت وهو ما ساعدهم بالتنسيق مع المخابرات البريطانية علي اعتقال أفراد يحملون الجنسية البريطانية ويقومون بأعمال إرهابية بالتعاون مع عناصر إرهابية في باكستان. ونتيجة للتطور الذي أدخل علي عمل الوكالة فإنه أصبح من وظائفها تزويد الرئيس الأمريكي شخصيا بتقارير إستراتيجية عميقة تتوقع الأخطار قبل وقوعها وتساعد علي رسم السياسة الأمريكية بناء علي ذلك وهو ما ساعد الإدارة الأمريكية في الفترة الأخيرة علي إكتشاف خطط لتنفيذ مؤامرات إرهابية قبل وقوعها. وقد علق علي ذلك رجل المخابرات الأمريكي السابق جيري سيمور الذي عمل في حكومة كلينتون ثم قام بالإشراف علي معلومات المخابرات الخاصة بالأسلحة النووية في حكومة أوباما حتي يناير الماضي, أنه علي الرغم من أن المخابرات الأمريكية قد فشلت في التنبوء بالثورات التي حدثت في العالم العربي قبل وقوعها فإن ذلك ليس جديدا عليها فقد سبق أن فشلت في توقع انهيار الاتحاد السوفيتي والثورة في إيران, وربما تكون كل هذه الإخفاقات من أسباب التطور المستمر في طريقة عمل المخابرات الأمريكية. هذه الكتب تكشف بصورة كبيرة عن إختراق المخابرات المركزية الأمريكية لمنظمات إرهابية متطرفة خاصة في الشرق الأوسط وتجعلها تحت سيطرتها وعلي سبيل المثال فإن ما تقوم به هذه الجماعات في سيناء من نشر الفوضي وزعزعة استقرار مصر يخدم في النهاية مصلحة إسرائيل والمرتبطة بالمصالح الأمريكية, ولذلك فإن ما تقوم به هذه الجماعات حتي ولو لم يكن قادتها علي علم بأن قوي خارجية هي التي تستخدمهم وهم بلا وعي أو إدراك لذلك فإنه في النهاية يخدم مصالح خارجية.