توجد بعض المشروعات الناجحة ف ي الغرب, كالأطعمة السريعة, والتي يسارع المستثمرون المصريون إلي أخذ توكيلاتها, لكن القبول بهذه التوكيلات يقتضي القبول بكل ما تقدمه من مبيعات, وفيها ما يشتمل علي بعض المحرمات كالخنزير والخمر, ونحوها. فما مدي مشروعية الاستثمار في هذه التوكيلات مع وجود هذه الشوائب؟ الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن, عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر, عضو مجمعي البحوث الإسلامية وفقهاء الشريعة بأمريكا, يقول: لا يجوز الاستثمار في هذه التوكيلات مع وجود محرمات, لأن الله عز وجل حرم تناول شيء من المطعومات أو المشروبات, فلأنه يعلم أن تناول هذا المحرم ضار بالإنسان, والشريعة كلها بنيت علي تحقيق مصالح الإنسان الدنيوية والأخروية, ومن مصلحة الإنسان إبعاد الضرر عنه, سواء كان الإنسان مسلما أو غير مسلم. كما أن النصوص الشرعية بينت أنه إذا حرم بيع شيء حرم ثمنه, فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه, أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة:( إن الله حرم بيع الخمر والميتة, والخنزير, والأصنام, فقيل يا رسول, أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلي بها السفن, وتدهن بها الجلود, ويستصبح بها الناس؟ قال: لا, هو حرام, ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود, إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه... وهل يمكن استئجار عامل غير مسلم ليتولي بيع هذه المنتجات المحرمة, مع فصل أرباحها والتخلص منها؟. يجيب الدكتور محمد رأفت عثمان قائلا: مع كون الشريعة لا تمنع استئجار المسلم للكافر, بدليل أن النبي صلي الله عليه وسلم استأجر يهوديا في الهجرة, لكننا نري عدم جواز أن يستأجر المسلم غير المسلم ليتولي بيع هذه المنتجات المحرمة حتي لو فصلت أرباحها وتخلص منها, وذلك لأمرين, الأول: أن العامل قائم مقام صاحب العمل, ويترتب علي هذا أنه إذا كان المسلم ممنوعا من بيع المنتجات المحرمة فلا يجوز له استئجار عامل مسلما كان أو غير مسلم لبيعها, لأن الأجير لا يمثل نفسه في بيعه للسلعة, وإنما يمارس عمله بتفويض من صاحب العمل, فهو قائم مقامه, فمع أن البيع يتم بواسطة العامل فكأن صاحب المنتجات هو الذي باعها بنفسه.واتساقا مع هذا وهو أن العامل قائم مقام صاحب العمل وأنه لا يمثل نفسه, وجدنا العلماء يصرحون بأن الأجير الخاص ليس مسئولا عن ما هلك بعمله, وذلك لأن المنافع تصير مملوكة لمن استأجره, لكونه يعمل في حضوره, فإذا أمره بالتصرف في ملكه صح, ويصير نائبا منابه, ويصير فعله منسوبا إليه, كأنه فعله بنفسه, فلهذا لا يضمن, ولهذا لو ترتب علي البيع حق للغير, كما لو كانت المنتجات فاسدة, فإن المشتري لا يرجع في المطالبة بحقه علي العامل, وإنما يرجع علي من يعمل العامل لحسابه. أما الأمر الثاني: فهو أنه يشترط في صحة إجارة الآدمي لعمل من الأعمال بل يشترط في كل إجارة إباحة العمل, فلا تصح الإجارة بيع الخمر, وعلل العلماء لهذا بأن المنفعة المحرمة مطلوب إزالتها والإجارة تنافيها. والقول بأنه سيتم فصل الأرباح من بيع هذه المنتجات المحرم بيعها, ثم يتخلص منها, فإن هذا في رأيي لا يعطي الحق في بيعها, وذلك لأن التخلص من هذه الأرباح لن يكون بإتلافها, فالمسلم ممنوع من إتلاف المال, سواء كان ماله أو مال غيره, فالمتصور إذن أن يكون التخلص منها بطريق التبرع بها في وجه من وجوه الخير, كتوزيعها علي الفقراء والمساكين أو دفعها لدار لليتامي, وما ماثل ذلك, وهذا أمر تبين حكمه القاعدة الشرعية: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا, فليس لهذا العمل ثواب الصدقات البعيدة عن الشبهات, وإنما هو إبعاد للمال المكتسب بطريق غير مشروع عن ملكية الذي اكتسبه تخلصا من وزر اكتسابه وحيازته. وبعد, فالمطلوب من المستثمر المسلم أن ينشئ الشركات التي يمكنها أن تمارس نشاطها التجاري بعيدا عن المحرمات, وليس التحايل علي بيع هذه المحرمات.