بالقطع ماليزيا ليست مصر, لكن تجربتها في التنمية تستحق الدراسة, فقد حولها مهاتير محمد من دولة من الأكواخ وبيوت الصفيح, الي عملاق صناعي وتكنولوجي, خلال زمن قياسي. في عام1981 تولي مهاتير رئاسة الحكومة, كان مجرد طبيب مارس السياسة, لكنه كان معجبا بتجربة محمد علي باشا في مصر, وتجربة الميجي في اليابان, لذا اهتم بارسال البعثات التعليمية والعملية والفنية الي اليابان وأوروبا, ووضع دستورا راعي التوازن بين كل شرائح المجتمع الماليزي. لم يكن الماليزيون يجيدون غير زراعة الارز والمطاط, لكنهم تحولوا علي يد مهاتير الي شعب صناعي يمتلك مقومات التكنولوجيا, وتحولت ماليزيا من دولة منسية في جنوب شرق آسيا, الي نمر اقتصادي خلال عقدين من الزمن, بدون معونات خارجية او قروض من صندوق النقد. الشعب الماليزي اعتمد علي نفسه من خلال تشجيع الادخار العائلي, ومحاربة الانفاق الاستهلاكي والاستفزازي, وعدم التفريط في النقد الاجنبي, واجه أزمات عصفت باقتصاديات آسيوية, لكنه رفض نصائح البنك الدولي بالاقتراض الخارجي حفاظا علي عملته المحلية, واعتمد علي مدخراته وخرج من الازمة منتصرا. اعتمد مهاتير في مشروعه للنهضة في ماليزيا علي العلم والتكنولوجيا, اتخذ قرارات هدفها مصلحة بلاده, طلب ارقاما دقيقة عن المشكلات الحقيقية, واعتمد علي الخبرة اليابانية واستفاد من تجربة سنغافورة, لم يجذبه النموذج الامريكي او الاوروبي, وركز علي تشجيع الاستثمارات, وتسريع معدلات النمو, وخلق اقتصاد متعدد القطاعات. مهاتير ترك السلطة اختياريا في اكتوبر2003, لكنه وضع مع خبراء بلاده خططا تنموية سوف يتم تنفيذها حتي عام2020, والهدف تحويل ماليزيا الي دولة تنافس اليابان وألمانيا في الصناعات عالية التقنية والألكترونيات والخدمات. المعجزة الماليزية لم تتحقق بالشعارات والأغاني, وانما بمواكبة العصر والعلم والتكنولوجيا والثقة في الشعب والتوافق بين كل فئات المجتمع, وهذا هو سر عبقرية مهاتير محمد!. لمزيد من مقالات عبد العزيز محمود