من خلف الأسوار العالية شقوا طريقا يفتح لهم أبواب الأمل.. قهروا وحشة السجن بالفن والعمل.. إنهم نزلاء سجن القناطر الذين حولوا أيام السجن الطويلة إلي طاقة أمل.. وأصبح بعضهم صناعا مهرة. المفاجأة أن بعضهم آثر البقاء خلف الأسوار ورفض تنفيذ العفو حتي لا يعود إلي عالم الجريمة بعد أن ذاق طعم الحلال وتعلم صنعة جديدة. كانت جولة الأهرام داخل سجن القناطر مزيجا بين الأفراح والأحزان فهناك سيدات مقبلات علي الحياة يؤدين عملهن بهمة ونشاط ويأملون أن يحمل لهن الغد أفضل ما فيه فهن يحققن أرباحا من إنتاجهن داخل السجن قد يصل إلي1000 جنيه كما يوجد الرجال الذين يتصفون بالصلابة ورغبتهم في الخروج لأسرهم ليعولوهم ووراء كل هؤلاء قصص انسانية تفطر القلوب. في البداية التقينا بالعميد أسامة عبدالتواب مدير منطقة القناطر والعميد محمد عليوه مدير إدارة الإعلام والعلاقات بقطاع السجون الذي أكد أن الهوايات داخل السجن كثيرة ما بين مشغولات يدوية مثل الحلي والمفروشات بجميع أنواعها ومصنع الملابس والسجاد اليدوي حيث يعمل بمصنع الملابس نحو53 سيدة يتم تدريبهن عن طريق زميلة سابقة سبق تدريبها علي يد غيرها, أما صناعات السجاد فيقوم عليها20 سجينة بمعدل4 علي كل نول أما المشغولات الفنية من مفروشات وأبيسون والكوروشيه والكانفا فتقوم عليه السجينة فاطمة ح وهي سيدة أعمال معروفة تم حبسها منذ16 عاما في قضية أموال عامة وقد قامت علي تعليم الفتيات هذه المشغولات الفنية وتسهم في شراء الخامات حتي أنهم يلقبونها بأم السجينات. ويقول العميد عليوه إن داخل سجن النساء تطبق السجينات فكرة التكافل الاجتماعي فإذا ما أقبلت ابنة احداهن علي الزواج شاركها الجميع بتجهيز مستلزمات العروس من فوط وملايات ومفروشات وغيرها حتي تشعر السجينة وكأن ابنتها بين أحضانها تجهزها وترعاها ولا يفصل بينهما سور ويتم تسويق منتجات السجينات عن طريق المعارض التي تقيمها إدارة السجون وكذلك معارض بالخارج حتي لا يشعرن بالعزلة عن المجتمع. وطالب العميد عليوه بمساعدة مؤسسات المجتمع المدني لهؤلاء السجينات بتوفير المواد الأولية اللازمة أو المدربين لتشجيعهن. ومن داخل السجن التقينا بالسجينة عبير والتي تقضي عقوبة منذ7 سنوات في قضية تحريض علي القتل حيث تروي مأساتها قائلة: بأنها كانت تعيش في أم. وتعترف عبير بخطئها بعد أن حرمت من طفليها للأبد حتي أنها لا تعرف عنهما أي شئ وقررت عبير أن تحول وحدتها إلي حياة فتعلمت من السجينة فاطمة فن التطريز والمشغولات اليدوية والفنية حتي أنها أتقنت هذه الصنعة التي أصبحت تدر عليها دخلا شهريا قدره1000 جنيه يسد حاجتها ويفيض, ولم تكتف عبير بذلك بل قررت أن تشغل أيام السجن الطويلة بالدراسة حيث حصلت علي درجة الماجيستير في المحاسبة وفي طريقها لاستكمال الدكتوراة. أما السجينة هناء التي تقضي فترة عقوبة المؤبد15 سنة بتهمة القتل الخطأ لابن شقيق خطيبها عمره3 سنوات حيث سقط من الشرفة عندما كانت تداعبه. وتقول هناء علي الرغم من صعوبة الحادث إلا أن خطيبي مازال متمسكا بي ورغم مقاطعة أهله له قرر أن يقيم مع أسرتي حتي بعد خروجي وقد تعلمت هناء الخياطة داخل السجن حتي تسد حاجتها ولا تكون عبئا علي أسرتها وأصبح دخلها نحو450 جنيها شهريا ولم يكتفي بذلك بل استكملت دراستها بكلية التجارة. وفي الجانب الآخر تجلس السجينة مروة دكتورة في كلية الفنون الجميلة والتي دخلت السجن في قضية نصب وقد حولت فنها وأعمالها إلي ورشة عمل تقوم فيها بعمل لوحات تعرضها في المحافل والمعارض الخارجية المختلفة. وكان اللقاء الأكثر غرابة مع السجينة فتحية ص التي تمضي عقوبة الحبس في قضية اختلاس وقد برعت داخل السجن في صناعة فن التطريز وعندما جاءها العفو الشرطي رفضت الخروج فقد ذاقت طعم الحلال وتخشي أن تعود لما كانت عليه حيث تقدمت بطلب لمصلحة السجون أن تستكمل فترة العقوبة داخل السجن ولا تخرج منه. وداخل السجن كانت هناك تجربة ناجحة للرائد تامر سند رئيس مباحث سجن النساء الذي احتوي6 سجينات مدمنات وقام بتفريقهن حتي لا يعدن مرة أخري وقام بعمل برنامج علاجي يحتوي علي وعي ديني ونفسي واستطاع أن يحولهن إلي طاقة منتجة. في سجن الرجال وعلي جانب آخر كان سجن الرجال أكثر ظلمة حيث يمضي هؤلاء أوقاتهم بين الأخشاب والدهانات فعدد المصنعين نحو80 صانعا تعلم معظمهم داخل السجن علي يد عامل متمكن من المهنة وبالتبعية يعلم غيرهم في دائرة متصلة الحلقات. أما عن الإنتاج فيقول العقيد محمد الغندور مأمور سجن الرجال إن هناك تعاقدات علي توريد هذه المنتجات مع وزارة العدل والتربية والتعليم وقصور الثقافة وفنادق الشباب والرياضة بالإضافة للمعارض التابعة بقطاع السجون بالعباسية. وقد التقينا بعدد كبير من السجناء حيث أجمعوا علي أن دخولهم تتراوح ما بين150 و125 جنيها شهريا وهي أجرة عامل يوميا في الخارج وفترة العمل تبدأ من التاسعة صباحا وتنتهي في الثالثة وقد تزيد هذه الفترة حسب حاجة العمل. واستغاث السجناء ب الأهرام وطلبوا أن ننقل مطالبهم للمسئولين فبعضهم عندما هرب من السجن في أثناء الثورة وسمع عن وعود المجلس العسكري والرئيس مرسي بالعفو عنهم في حال تسليم أنفسهم سارعوا بالعودة ولكن تبخرت أحلامهم وأصبحت كالسراب. وفي حال انهيار قال السجين محمد السعيد مرعي المتهم في قضية ايصالات أمانة إنني تصالحت في قضية عقوبتها3 سنوات ولم أجد أي نتيجة لذلك وأنا هنا حبيس لحين الفصل في الطعن ولا أدري متي سأحصل علي الإفراج. أما ربيع إبراهيم بنداري الذي يقوم بصناعة الأخشاب داخل السجن وهو متهم في قضية ايصالات أمانة فيؤكد أن عمره الآن62 عاما ولا يدري إلي متي سيظل هنا فعندما يصل السجين إلي60 سنة يتم العفو عنه فلماذا لا يطبق عليه هذا العفو خاصة أن زوجته توفيت وهو في السجن وانقطع معاشه ولا يعرف مصير أولاده.