كان يشعر بالملل والسأم عندما يرتدي بدلة ورابطة عنق. فقد كان يؤثر ارتداء بنطلون جينز وقميصا. فقد كان كاتبا مسرحيا مرموقا, يعشق الحرية ويناصب الحكم الشمولي والاستبدادي العداء. وتمكن عبر مسيرة طويلة وشائكة من قيادة ثورة سلمية, هي الثورة المخملية التي أطاحت عام9891 بالنظام الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا. وأصبح الكاتب المسرحي والمثقف فاتسلاف هافيل رئيسا. وعندما انتقل من خشبة المسرح إلي قصر الرئاسة, تحلق المثقفون والفنانون من حوله. وبدا كأن فكرة الفيلسوف اليوناني أفلاطون عن الحاكم الفيلسوف قاب قوسين أو أدني من التحقق. لكن الواقع الذي خذل أفلاطون من تحقيق فكرته, وكاد أن يورده مورد التهلكة عندما استاء منه أمير صقلية, وعرضه للبيع في سوق العبيد, قد واجه هافيل بشراسة أسئلته, ونزق مشاكساته. فلم يكد يستقر في قصر الرئاسة, حتي غمرت الهمسات البلاد.. انه كاتب مسرحي وليس سياسا, فهل يمكنه إدارة شئون البلاد والعباد؟ لكن هذا السؤال الحاد لم ينل من إعجاب الجماهير به, خاصة وانه كان فطنا ومدركا لتعقيدات عملية التحول من الشيوعية إلي الرأسمالية, ولذلك عهد لرئيس الوزراء فاتسلاف كلاوس بهذه العملية. وكان خبيرا اقتصاديا ومتيما بتجربة المرأة الحديدية البريطانية مرجريت ثاتشر, وهو ما أفصح عنه في كتاب نشره بعنوان: لماذا أنا محافظ؟ والرائع حقا أن التباين في الرأي الذي تناثر في دروب الثورة المخملية لم يفسد للود قضية بين هافيل وكلاوس. وتجلي هذا المعني عندما تم سلميا عام2991 انشطار البلاد إلي جمهوريتين هما: جمهورية التشيك, وجمهورية سلوفاكيا. وجري الانشطار في سياق ديمقراطي, وبمنأي عن الغضب السياسي. ومضت الحياة في جمهورية التشيك برئاسة هافيل دون أن يتكدر صفو الثورة المخملية. {{{ غير أن رياح عام7991 أتت بما لا تشتهي سفينة أحلام الملك الفيلسوف في ذلك العام استاءت الجماهير من هافيل لانه تزوج من ممثلة اسمها داجمار. ولم يكن قد مضي سوي نحو عام علي موت زوجته الأولي أولجا. وهي بطلة كتاب رسائل إلي أولجا, وهي الرسائل التي بعث بها هافيل إليها ابان سجنه في الفترة من9791 وحتي3891 بسبب مناهضته للنظام الشيوعي. وكان النظام قد حظر عليه الكتابة في أثناء سجنه, باستثناء رسائله إلي زوجته. ذلك أن هافيل قد كتب عام8791 مقالا شهيرا هو قوة من لا قوة لهم. وأوضح فيه أن المعارضة قادرة علي الاطاحة بالنظم الشمولية. وأصبح المقال منشورا سريا يتم تداوله في أوروبا الشرقية. وقدشق هافيل عصا الطاعة علي النظام الشمولي ابان ربيع براغ8691, ففي حين كان الكسندر دوبشيك زعيم الحزب الشيوعي يدعو إلي إضفاء وجه انساني علي الشيوعية, أكد هافيل استحالة ذلك. ودعا إلي انهاء الحزب الواحد. وسحقت الدبابات السوفيتية زهور الربيع, وهو ما أجج إصرار هافيل علي ضرورة الاطاحة بالنظام الشمولي. وتحقق حلم الثورة بعد أيام من انهيار سور برلين في9 نوفمبر.9891 واحتشد المثقفون والفنانون في مسرح المصباح السحري بالعاصمة براغ, وفجروا الثورة المخملية التي قادها هافيل. {{{ هافيل بطل الثورة, تقاعد عام.3002 لكنه ظل مثل نيلسون مانديلا أيقونة جنوب افريقيا محل تقدير الدنيا.. ولم تخفت الأضواء من حوله حتي لفظ أنفاسه الأخيرة منذ أيام. وكان في الخامسة والسبعين من عمره, لم يعد هافيل مجرد بطل الثورة, وانما صار اسطورتها. وهي أسطورة النبلاء والشهداء عشاق الوطن والحرية. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي