سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 24-9-2024 مع بداية التعاملات    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية»    تغطية إخبارية لليوم السابع بشأن قصف حزب الله مطارين وقاعدة عسكرية فى إسرائيل    7 شهداء وأكثر من 15 مصابًا في قصف إسرائيلي لمنزلين بخان يونس    السيطرة على حريق بمركز علاج الأورام بسوهاج    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 24-9-2024    مصرع شخص في حريق منزله بمنطقة الموسكي    30 قيراط ألماظ.. أحمد سعد يكشف قيمة مسروقات «فرح ابن بسمة وهبة» (فيديو)    مدين ل عمرو مصطفى: «مكالمتك ليا تثبت إنك كبير»    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    مريم الجندي: «كنت عايزة أثبت نفسي بعيدًا عن شقيقي واشتغل معاه لما تيجي فرصة»    «الباجوري» بعد تصوير «البحث عن علا 2» في فرنسا: لم أخشَ المقارنة مع «Emily in Paris»    شيكابالا يوجه رسالة لجماهير الزمالك قبل لقاء السوبر الإفريقي    وكيل ميكالي يكشف حقيقة مفاوضات الزمالك مع المدرب البرازيلي    جامعة العريش تُعلن عن وظائف جديدة.. تعرف عليها    قنصل السعودية بالإسكندرية: تعاون وثيق مع مصر في 3 مجالات- صور    رسالة من المشتبه به في اغتيال ترامب: حاولت قتله لكنني خذلت العالم    الرئيس الإيراني يكشف أسباب تأخر الرد الفوري على اغتيال هنية    برج الجدي.. حظك اليوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024: تلتقي بشخص مثير للاهتمام    مؤسسة محمد حسنين هيكل تحتفل بميلاد «الأستاذ».. وتكرّم 18 صحفيا    موتسيبي: زيادة مكافآت الأندية من المسابقات الإفريقية تغلق باب الفساد    "لم أقلل منه".. أحمد بلال يوضح حقيقة الإساءة للزمالك قبل مواجهة الأهلي في السوبر الأفريقي    شركة مياه الشرب بقنا ترد على الشائعات: «جميع العينات سليمة»    موعد صرف الدعم السكني لشهر سبتمبر    الجزائر تدعو إلى إطلاق مسار جدي لإعادة التوازن المفقود في منظومة العلاقات الدولية    السيطرة على حريق باستراحة تمريض بسوهاج دون إصابات    بلاغ جديد ضد كروان مشاكل لقيامه ببث الرعب في نفوس المواطنين    جيش الاحتلال الإسرائيلي: صفارات الإنذار تدوى جنوب وشرق حيفا    جسر جوي وبري لنقل المساعدات والوقود من العراق إلى لبنان    «سجل الآن» فتح باب التقديم على وظائف بنك مصر 2024 (تفاصيل)    الأمين العام الجديد لمجمع البحوث الإسلامية يوجه رسالة للإمام الطيب    أسامة عرابي: مباريات القمة مليئة بالضغوط ونسبة فوز الأهلي 70%    مروان حمدي يكشف كيف ساعده الراحل إيهاب جلال في دراسته    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    دولة آسيوية عظمى تؤكد أول إصابة بمرض «جدري القرود»    الصحة اللبنانية: ارتفاع شهداء الغارات الإسرائيلية إلى 492 والمصابين إلى 1645    أحمد سعد: اتسرق مني 30 قيراط ألماظ في إيطاليا (فيديو)    إصابة 5 أشخاص في تصادم سيارتين بطريق أبو غالب في الجيزة    هل منع فتوح من السفر مع الزمالك إلى السعودية؟ (الأولمبية تجيب)    فرنسا تدعو لاجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي حول لبنان    تأثير القراءة على تنمية الفرد والمجتمع    مسؤول بمجلس الاحتياط الأمريكي يتوقع تخفيض الفائدة الأمريكية عدة مرات في العام المقبل    مصر للطيران تعلن تعليق رحلاتها إلى لبنان    وزير الأوقاف يستقبل شيخ الطريقة الرضوانية بحضور مصطفى بكري (تفاصيل)    الفوائد الصحية لممارسة الرياضة بانتظام    الآن رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والشهادات الفنية (استعلم مجانا)    محارب الصهاينة والإنجليز .. شيخ المجاهدين محمد مهدي عاكف في ذكرى رحيله    حتحوت يكشف رسائل محمود الخطيب للاعبي الأهلي قبل السوبر الإفريقي    ارتفاع حصيلة مصابي حادث أسانسير فيصل ل5 سودانيين    أحمد موسى يناشد النائب العام بالتحقيق مع مروجي شائعات مياه أسوان    طريقة عمل الأرز باللبن، لتحلية مسائية غير مكلفة    عمرو أديب: حتى وقت قريب لم يكن هناك صرف صحي في القرى المصرية    الاقتصاد ينتصر| تركيا تتودد لأفريقيا عبر مصر.. والاستثمار والتجارة كلمة السر    جامعة عين شمس تستهل العام الدراسي الجديد بمهرجان لاستقبال الطلاب الجدد والقدامى    في إطار مبادرة (خُلُقٌ عَظِيمٌ).. إقبال كثيف على واعظات الأوقاف بمسجد السيدة زينب (رضي الله عنها) بالقاهرة    خالد الجندي: بعض الناس يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبى    أستاذ فقه يوضح الحكم الشرعي لقراءة القرآن على أنغام الموسيقى    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خريطة الإنقاذ الوطني وتجاوز فجوة الشك والريبة
جمعية تأسيسية انتقالية تضم الشعب والشوري تنتخب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 12 - 2011

الغاشمة للعنف المفرط علي ساحة الثورة المصرية العظيمة تحتم علي المحبين لأم الدنيا القابضين علي جمر ترابها المقدس أن ترتفع هاماتهم وأفكارهم وسلوكياتهم. بالقدر الذي يمكنهم من اطلاق الشرارة الحقيقية لانقاذ مصر وتحرير ثورتها من أسر القوة الظالمة التي تطبق عليها لكتم أنفاسها حتي تحرمها من الحياة والوجود, ومع التدفق الهادر لشلال نزيف دماء الشهداء وتصاعد جرأة الترويع وجنونه إلي حدود هتك الأعراض وسحل الفتيات وتعريتهن بصورة بالغة الاستفزاز تصب في خانة الاهانة العمدية للمشاعر الدينية والحضارية والانسانية لأم الدنيا وتقلب عليها مواجع عذابات التاريخ وآلامه مما يدفع لإثارة السخط والفوضي والاضطراب ليس فقط بين جموع العقلاء والراشدين بل تمتد نيرانه المدمرة لتحريك وتحريض الغافلين والبلهاء, ويكشف كل ذلك الاصرار الشديد لقوي الثورة المضادة النافذة والمؤثرة علي تنفيذ مخطط واسع النطاق والمدي لاشعال الفتنة السياسية بين المصريين حتي لو استلزم ذلك حرق المجمع العلمي المصري وغيره من شواهد التاريخ الحضاري الأصيل, اضافة لنصب سيرك التخويف إلي درجة الرعب من نتائج تصويت الإرادة الشعبية في انتخابات مجلس الشعب علي الحريات الشخصية ولقمة العيش الضرورية, وهو ما يستعيد كل الخبرات الشيطانية الناجحة لنظرية فرق تسد ويستوجب ذلك من المصريين وقفة حازمة للتجمع والحشد تحت راية الثورة الموحدة من خلال مطالب وطنية مشروعة لا نقاش فيها ولا فصال حولها.
ومع مرور نحو العام علي انطلاق شرارة الثورة المصرية العارمة وما تعرضت له من مواجهات وصدامات في كل الساحات والقضايا فإن قوي الثورة لابد وأن تكون قد حازت حدا أدني من التمييز وحدا أدني من المعرفة والعلم بمخططات الفلول وأذناب التشكيل العصابي الاجرامي للعهد الفاسد البائد واختبرت نياتها الظاهرة والباطنة في معارك فعلية علي أرض الواقع أثبتت شراسة مافيا الطاغوت الأكبر واستماتتها في الدفاع عما نهبته وسرقته وعما كانت تحوزه من سلطة مطلقة واستبداد مروع تسلطت بها العباد وامتهنت كرامتهم, واستباحت أعراضهم وشرفهم, وفي ضوء هذه الخبرات المريرة فإن قوي الثورة وأطيافها المتعددة لابد أن تكون قد وعت الدرس جيدا واستوعبت كل أبعاد المؤامرة وفهمت بوضوح دور الأطراف المباشرة وغير المباشرة المشاركة فيها مما يدفعها بالضرورة للحشد المشترك باعتباره الوسيلة الوحيدة للمواجهة والضمانة الأصيلة لوصول الثورة إلي بر الأمان ويتطلب ذلك بشكل عاجل الترفع الشديد عن المصالح ضيقة النظر والنظرة وترك الخلافات حول التفصيلات والهوامش وترحيلها للمستقبل مع التركيز الشديد علي الأولويات العاجلة التي تضمن انقاذ مصر والثورة وتجاوز حوائط السد المنيعة وهدم خطوط بارليف التي يتحصن في داخلها الأزلام والصبيان يضاف لذلك حتمية التوافق الصارم علي خطوات بناء الدولة الديمقراطية والحكم المدني وتوقيتاتها الدقيقة العاجلة التي تزيل الهواجس والمخاوف المشروعة وتضع أم الدنيا علي أول عتبات طريق البناء والتقدم.
استدعاء النموذج التركي المتخلف وصناعة الفجوة بين الجيش والشعب
وفي ضوء الخبرات المريرة والقاسية علي امتداد ما يقارب العام من عمر الثورة المصرية فإن هناك مجموعة من القضايا المصيرية المتفجرة علي سطح الاحداث التي تستوجب أن يتم التوافق علي مواجهتها وتحديد الحلول الواجبة لها بأعلي درجات الشفافية وبعيدا عن كل صور الغموض والالتباس خاصة أن الحلال بالنسبة للكثير منها قد أصبح بينا والحرام بالنسبة لدقائقها وتفصيلاتها قد كشر عن أنيابه ومخالبه وظهرت نياته الحقيقية واضحة وضوح الشمس في منتصف النهار, مما لا يعطي فرصة للتردد وطلب التمهل ويأتي في مقدمة هذه القضايا المصيرية الملتبسة حتي الآن ما يلي:
(1) ما كشفت عنه الوثيقة الكارثية للسلمي وحكومة عصام شرف البائدة من سعي البعض بحكم تاريخهم الطويل والعريق في تمجيد وتألية السلطة المطلقة باعتبارها الحامي الطبيعي لمفاسدهم وتجاوزاتهم لاستدعاء النموذج التركي القبيح القديم وما كان يتضمنه من وضع خاص للجيش وقيادات المؤسسة العسكرية واعتبارها وفقا لقواعد دستورية وقواعد قانونية وقواعد عرفية متخلفة وديكتاتورية في حكم السلطة الأعلي التي تعلو كل السلطات وتملك القدرة علي غل يدها وتقييدها وتجعل من القيادات العليا للجيش المركز الحقيقي للشرعية والمشروعية في الدولة, وكان ذلك يعني في الحالة التركية الفريدة والنادرة أن سلطات الدولة الثلاث المتعارف عليها في كل دساتير العالم المتقدم والنامي علي السواء, وكذلك المتخلف وهي السلطة التشريعية السلطة القضائية السلطة التنفيذية قد أقامت فلول تركيا كمال اتاتورك سلطة رابعة تفوقها وتعلوها قادرة علي تحويل السلطات الثلاث إلي سلطات عاجزة وكسيحة ومجرد ديكور باهت علي مسرح الحياة السياسية والحياة العامة التي يحتكر الجيش السطوة والسيطرة عليها بكل مفرداتها ويملك حق الاطاحة بالسلطة التنفيذية في أي وقت بالاعلان عن انقلاب عسكري يطيح برجال الاحزاب الكرتونية من خشبة مسرح الأحداث بالرغم من أنهم يأتمرون بأمره وينفذون مشيئته.
(2) أن سعي وثيقة السلمي الكارثية ما كان يقتصر علي فرض مكانة خاصة للمؤسسة العسكرية وما كان يقتصر علي اغتصاب السلطة والنفوذ بما يتجاوز الإرادة الشعبية وحقها الديمقراطي في التعبير عن اختياراتها عن طريق صناديق الاقتراع ولكنه كان يستهدف مخططا شيطانيا متكاملا تم فرضه علي الدولة التركية لفترة تبلغ ثلاثة أرباع القرن من الزمن يهدف للقضاء علي الهوية الاسلامية للدولة, حيث ارتبطت تعاليم ومباديء كمال أتاتورك القائد الأعلي للنموذج الاجرامي بملاحقة من يصلي في مسجد ومن يجرأ علي المجاهرة بارتباطه بدينه وقام بشن حملة منظمة تابعها الذين من بعده لفرض العلمانية علي الوطن التركي وفصله عن تاريخه وتراثه وعقيدته, وبحكم أن كمال أتاتورك تعلم في المدارس اليهودية وعاش ثقافتها وحياتها في ظل والدته اليهودية فإن رفضه للاسلام والهوية الإسلامية كان قويا وصارما, وكان يبلغ مرتبه الهوس الجنوني بحكم تركيبه شخصيته كما أن انحيازه الشديد للثقافة الغربية وتبعية من خلفه في الحكم للمخططات الصهيونية الأمريكية الغربية وعدائه الحاد للعالم العربي والاسلامي والعلاقات الوثيقة والحميمة لتركيا مع الكيان الصهيوني وسطوة اليهود علي الاعلام والاقتصاد والتجارة في تركيا كانت جميعا افرازات لنظام أتاتورك الحاكم لتركيا ومازالت الكثير من اثارها وتأثيرها قويا علي ارض الاحداث تحت ظلال اللهاث التركي الزاعق للحصول علي عضوية الاتحاد الاوروبي المختلف عنها حضاريا ودينيا الذي تملك دولة موروثا تاريخيا اسود تحت حكم الامبراطورية العثمانية. ومحاولة وثيقة السلمي الفجة استدعاء النموذج التركي القبيح والمتخلف المنتمي لظلام القرون الوسطي بوحشيتها ودمويتها تعني درجة عالية من الجهل بوطنية الجيش المصري وولائه التام لهويتها ولشعبها, وحرصه الدائم علي امتداد التاريخ القديم والحديث علي مواجهة المخططات الخارجية بكل الهمة والحسم, كما تعني أيضا عدم ادراك معاني خروج الجيش للثورة علي فساد الملك فاروق وأعوانه وحاشيته ورفضهم للاحتلال البريطاني والرفض القاطع للكيان الصهيوني الغاصب والمخططات الهدامة الصهيونية الأمريكية الغربية.
(3) وقد جاءت وثيقة السلمي الكارثية لتفجير أوضاع الاستقرار الهشة علي أرض مصر وتسلحت في سبيل ذلك بكل الذرائع التي تثير الشك والريبة والفرقة بين الشعب والجيش, وسعت لهدم سد منيع بنته الثورة يؤكد أن الشعب والجيش يد واحدة, وذلك عن طريق افتعال معركة وهمية زائفة بين المجلس الأعلي للقوات المسلحة وبين الإرادة الشعبية وما تفرزه من خلال صناديق الاقتراع, والأكثر خطورة ما أثارته من تساؤلات واعتراضات حول وضع مبادئ فوق دستوريةتحول مواد الدستور إلي حبر علي ورق وتحول استفتاء الشعب لاقرار الدستور إلي فريضة منقوصة التأثير والفاعلية بحكم ما تضمنته الوثيقة التخريبية من مواد تعطي للمؤسسة العسكرية أوضاعا تتسم بالحصانة في مواجهة سلطات الدولة الثلاث وفي مقدمتها عدم خضوع ميزانية القوات المسلحة للعرض علي السلطة التشريعية والنأي بها عن الرقابة والمتابعة وهو الأمر الذي ما كان قائما في دستور1971 وتعديلاته ولافيما قبله من الدساتير وذلك علي الرغم من توافق الجميع في الماضي والحاضر والمستقبل علي خصوصية هذه الميزانية وما يجب احاطة مناقشتها به من ضمانات ومناقشات مغلقة حفاظا علي الأمن القومي المصري بالشكل الدستوري السليم المتعارف عليه عالميا في الديمقراطيات الحديثة المعاصرة.
(4) ولم يقتصر الاعتداء الغاشم علي الإرادة الشعبية وتحقير ما أفرزته من نتائج عن طريق صناديق الاقتراع التي اتسمت بدرجة عالية من النزاهة والشفافية والبعد عن تزوير إرادة الناخبين باعتراف الأطراف المحايدة داخليا وخارجيا بل امتد بصورة فجة لنصب كودية زار سياسية وإعلامية تصدرتها الفضائيات المملوكة للفلول الممولة من الخارج لإثارة فزع الانسان العادي والبسيط وترويعه من النتائج الوخيمة المترتبة علي اختياراته التي أصبحت اختيارات وفقا لمنطقهم الاعوج بمثابة اختيارات غير واعية وغير ناضجة تفتقر للفهم السياسي الصحيح والسليم وتؤثر بالسلب علي مستقبل الوطن والمواطن وهي حملة أثبتت انعدام فعاليتها المطلق مع تأكيد الانتخابات في مرحلتها الثانية علي نفس الاختيارات التي تمت في المرحلة الأولي يضاف لها تراجع الكتلة المصرية رافعة لواء الليبرالية والعلمانية الزائفة والمصطنعة بشكل ملحوظ في ظل لوثة التصريحات القاتلة بالاستقواء بالخارج وطلب التدخل المباشر في الشأن الداخلي والاستهزاء الممجوج بقواعد الشريعة الاسلامية بصورة فجة لا تستند لعلم أو معرفة بحقائق الاسلام, كما صنع نجيب ساويرس مؤسس حزب المصريين الاحرار تحديدا في تصريحاته للفضائية الكندية وكما يصنع بعض المتطرفين الطائفيين حتي لا نظلم كل مرشحو الكتلة بالرغم من تحملهم لوزر ومسئولية عدم رفض الاعتداء علي القيم السماوية الدينية كواجهة انتخابية التصقت بالكتلة وبالذات بحزب المصريين الأحرار.
ولا يمكن أن تقتصر الدعوات الجادة لحماية مصر والثورة علي مجرد تحديد القضايا المصيرية الواجب مواجهتها ورفع الالتباس عن جميع جوانبها حتي لاتسقط الامة فريسة للاوهام الكاذبة والخداع المصطنع بل تمتد لحتميات تحديد خريطة الطريق العاجلة للخروج من النفق المظلم خاصة أن تصريحات أحد اعضاء المجلس العسكري للصحفيين الأجانب قد أكدت علي تعميق المخاوف من القضايا الشائكة في وثيقة السلمي الكارثية وظهر من التصريحات وكأنها رغبة ومشيئة المجلس وخطة طريقه علي الرغم من نفي المجلس العسكري لهذه التصريحات وتبرئة نفسه من المسئولية عنها أو تبنيها, ولكن بعد أن كان الضرر قد تحقق بالفعل وأصيب الضمير الوطني في مقتل الترويع والشك وهو ما يحتم أن تتقدم القوي الوطنية بخريطة الانقاذ الوطني وأن يقوم المجلس الأعلي للقوات المسلحة بوصفه المكلف من الشعب بإدارة المرحلة الانتقالية باعلانها في صورة قرارات تنفيذية بالشكل القانوني اللازم, علي أن تتضمن التوقيتات العاجلة للتنفيذ, يضاف إلي ذلك إجراء التعديلات الواجبة علي الإعلان الدستوري بما يتوافق مع خريطة الانقاذ الوطني.
النموذج التونسي الناجح وقيام الدولة المدنية العاجل
ومع كل ما يقال علي أرض الواقع من نجاح النموذج التونسي لقيادة الثورة إلي شاطئ النجاة, وفشل النموذج المصري حتي الآن في تحقيق نجاح مماثل, ومسئوليته عن العنف المفرط والقمع المروع لطموحات الوطن وأمنه فإن المنطق البسيط يستوجب استدعاء النموذج التونسي بما يتوافق مع الظروف المصرية الراهنة, وبما يضمن الحفاظ علي تدعيم الخطوة الديمقراطية الحيوية المرتبطة بقرب انتهاء انتخابات مجلس الشعب بمراحلها الثلاث بحيث تصب في خانة الاسراع في تحويل السلطة الي سلطة مدنية منتخبة عن طريق الإرادة الشعبية, وهو ما يجب أن يتضمن بالدرجة الأولي والأساس احترام الإرادة الشعبية وتأكيد قبول خياراتها واختياراتها, والحرص علي توسيع نطاق دور الإرادة الشعبية عن طريق صناديق الاقتراع وذلك بالتركيز علي استكمال انتخابات مجلس الشوري التي تنتهي مع شهر ابريل القادم.
وحتي لا تتعجل مصر معركة انتخابات رئيس للجمهورية وحتي لا تتضارب هذه الانتخابات أو تتناقض مع اعداد الدستور الجديد واجراء الاستفتاء الشعبي عليه فإن اجراء تعديلات جوهرية علي التعديلات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة باعتباره سلطة سياسية تتضمن تحويل مجلسي الشعب والشوري الي جمعية تأسيسية ترسي قواعد الدولة المدنية للمرحلة الانتقالية يصبح هو الحل الأمثل والأسلم بحيث تعطي الجمعية التأسيسية بما تضمه من اعضاء منتخبين مباشرة من الشعب المسئولية المباشرة الكاملة لترتيب اوراق نقل الحلم للمدنيين والانهاء العاجل لشبهات عسكرة الدولة, بحكم انهم يعبروا عن الإرادة الشعبية الحرة وأن تصبح مسئوليتهم الاولي امتلاك سلطة انتخاب رئيس جمهورية مؤقت لمدة عامين علي أقصي تقدير من بين اعضائها أو من خارجها توسيعا لنطاق البحث عن الأصلح والأكفأ يضاف لذلك حق الجمعية التأسيسية في اختيار رئيس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة المسئولة أمامها وذلك بعد أن تقوم بانتخاب رئيس لها من بين اعضائها يتولي ادارة الجمعية التأسيسية واعمالها علي أن تتولي بتشكيلها الموسع اختيار اللجنة المختصة بوضع الدستور بالصورة التي تسهم في تعميق التوافق الوطني والرضا والقبول بين كل فئات الشعب وطوائفه علي اختلافها وتعددها وتنوعها ويتطلب ذلك ان يكون يوم اداء رئيس الجمهورية المنتخب لقسم الولاء للشعب هو يوم تسليم سلطة الحكم كاملة للشعب. وباعتباره الرئيس للدولة المصرية المدنية.
ويحقق تبني فكرة المرحلة الانتقالية المؤقتة علي امتداد عامين علي الأكثر الكثير من الرضا والقبول بين القوي السياسية المختلفة وفي مقدمتها قوي الثورة وائتلافاتها المتعددة كما يتيح درجة عالية من الثقة والاطمئنان للارادة الشعبية ويرفع درجة تحفزها لمتابعة ورصد من اختارتهم وتحديد قدرتهم علي الانجاز والنجاح يضاف لذلك أنه يتيح الفرصة الفعلية للعمل السياسي الهادئ والمنتظم لفترة زمنية معقولة بين الجماهير, تتيح فرصة الرصد والفرز المتأني للافكار والمواقف خاصة أن هذه الفترة لابد وأن تشهد حوارا مجتمعيا حيا وناضجا حول الدستور ومبادئه, يرتبط بشكل الدولة ونظامها وحدود سلطات المؤسسات المختلفة وسلطة رئيس الدولة اضافة للضمانات الواجبة للفصل بين السلطات وحقوق المواطن والحريات العامة والخاصة, وما يجب أن يحيطها من سياج دستوري وقانوني يحميها من التعسف والاستبداد ويحرسها من كل صور التعدي والانقضاض وما يرتبط بكل ذلك من أحاديث مهمة عن دور الشرطة والأمن, وعن تطهير الجهاز الحكومي والمؤسسات العامة ومعايير اختيار القيادات, ويأتي قبل كل ذلك وليس بعده هموم المواطن وشواغله في توفير فرصة العمل والتعليم الجيد والعلاج الصحي وتحسين المرافق والخدمات العامة واعادة الاحترام لآدمية المواطن وحقه في الحياة الكريمة اللائقة.
يعيش العالم في زمن لا يعرف بديلا عن احترام الإرادة الشعبية والنزول علي قراراتها واحترام مشيئتها وإرادتها تحت مسمي الديمقراطية والحرية والكرامة الانسانية, وتحت مسمي المشاركة السياسية وتفعيلها إلي أوسع مدي ونطاق باعتبارها الضمانة الأكيدة لملاحقة الفساد والفاسدين, وباعتبارها حائط السد المنيع في مواجهة اضغاث احلام الطغيان والاستبداد والديكتاتورية, وهو ما يحتم إلا يقع الشعب في فخ وهم صناعة الزعيم والزعماء أو يستريح لتفويض سلطاته وإرادته إلي القائد البطل والزعيم المفدي وهو ما يستلزم بأن يترسخ في أذهان الجميع أن الحكم مسئولية والسلطة أمانة وأن حكم القانون وسلطانه هو الفيصل في تعامل الحاكمين مع المحكومين وأن الجميع أمام القانون والقضاء سواء.
ويقدم الحكم الذي أصدرته محكمة باريس في الأسبوع الماضي في حق الرئيس السابق جاك شيراك والحكم عليه بالسجن سنتين بتهمة عدم الحفاظ علي المال العام لمجرد أنه وافق علي تعيين عدد من أعضاء حزبه في بلدية باريس عندما كان يشغل منصب العمدة نموذجا علي السلوك الحضاري الذي يجب أن يسلكه الجميع للبعد عن الشبهات, وما يثير القلاقل والفوضي بحديث البعض عن حصانة يملكها البعض لمجرد أنهم في الماضي كانوا ينتمون للمؤسسة العسكرية, وأن القضاء المدني الطبيعي لا يحاسبهم حتي بعد خروجهم من الخدمة, وكأن القاعدة القانونية الواجبة الاحترام يمكن أن تتلاشي في مواجهة أحاديث عن مزايا خاصة, وعن أوضاع متميزة لفئة محدودة من المصريين دون غيرهم.
لقد انتهي العصر والزمن الذي كان يتيح للبعض أن يفرض سلطته وسطوته من خلال استخدام القوة المفرطة والقمع المسلح لتصفية المناوئين فلم يعد من الممكن علي الاطلاق مثلا أن تتم اعادة تجربة محمد علي في أوائل القرن التاسع عشر بقتل جميع باكوات المماليك وتصفيتهم بعد دعوتهم للعشاء في قصره بالقلعة حتي ينفرد وحده بالسلطة والنفوذ كما لم يعد مقبولا أو ممكنا أن يعيد أحد تجربة نابليون بونابرت في الانقضاض علي الثورة الفرنسية وتنصيب نفسه امبراطورا بعد أن كان مجرد قائد للجيوش الفرنسية التي تدك حصون الدول الأخري الأوروبية والشرقية لرفع شعارات الثورة عن الحرية والمساواة والاخاء, خاصة بعد أن أصبح كل العالم قرية صغيرة بفضل الانترنت وادوات الاتصال الحديثة وقدرتها علي كشف الفضائح والتلاعب والمؤامرات وفضح القوة الظالمة المفرطة لحظة وقوعها علي مرأي ومسمع من كل العالم؟!
المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.