إلي أن يحين موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة سيتكرر كثيرا مشهد المواجهة الذي تابعناه الاسبوع الماضي بين اقطاب جبهة الانقاذ حول موقفهم من خوضها. اعلنت الجبهة اولا تراجعها عن المقاطعة. ثم اعلنت في اليوم التالي تراجعها عن التراجع اي استمرار المقاطعة بعد معركة تراشقات اعلامية سريعة بين بعض اطرافها. وبصرف النظر عن التبرير الذي ساقه المتحدث باسمها من ان الاعلام فهم مضمون بيانها الاول عن المشاركة خطأ, وأنها لم تغير موقفها من الاصل. فان التراجع في عالم السياسة ليس امرا مشينا او كارثيا لان الظروف تتغير وتتغير معها المواقف. كما ان الخلاف بين الحلفاء ليس كارثة سياسية خاصة في تجمع فضفاض بحجم الجبهة التي تضم اطيافا من اقصي اليمين الليبرالي الي اقصي اليسار الاشتراكي الناصري. ليس لدي خصوم الجبهة اذن ما يستدعي الفرح او الشماتة فيما جري. كما انه ليس لدي انصارها ما يستحق القلق او الانزعاج. القراءة الواقعية لزوبعة الاسبوع الماضي تقول ان الموقف من الانتخابات يثير بالفعل خلافات داخل الجبهة وليس من المفيد او المنطقي الاصرار علي انكار ذلك. أيا كانت نتيجة الحسابات التي يجرها كل طرف لتحديد موقفه النهائي, فان الشيء المؤكد هو ان انتصار التيار المرجح للمقاطعة لو حدث سيكون هزيمة حقيقية للتجربة الديمقراطية في مصر. ليس هذا رأيا شخصيا فحسب ولكنها قناعة راسخة لدي قطاع عريض من الصحفيين والسياسيين في الغرب. قبل أيام نشر الصحفي الامريكي الشهير توماس فريدمان مقالا عن التحول الديمقراطي المتعثر في المنطقة. نقل خلاله عبارات عن مارك لينش الخبير المعروف في شئون الشرق الاوسط والذي اعتبر ان الازمة لدينا مزدوجة تتمثل في عدم كفاءة الاخوان وضعف المعارضة. ويعتقد لينش ان شعبية الاخوان تراجعت الي25%( لم يحدد جهة الاستطلاع) ولم يعد امامهم فرصة للفوز في الانتخابات. ولذا والكلام مازال له يتعين علي المعارضة المشاركة وعدم المقاطعة. ويرفض الخبير الامريكي ما يردده بعض المثقفين المصريين من ان المطلوب اولا بناء مجتمع مدني معتدل, معتبرا انها فكرة ثبت فشلها الذريع. وان لاعب الكرة لا يتعلم المهارات من خلال المشاهدة بل بالمشاركة. ومن هنا يعتبر انه لن تكون المعارضة فعالة ما لم تشارك وتخسر وتربح مرة اخري وهذه هي السياسة. انتهي كلام لينش. ربما تكون الاضافة الوحيدة الضرورية هنا هي التأكيد علي ضرورة ان تتحلي الجبهة بالواقعية عند طرح شروطها للمشاركة. في بيانها الاول الذي تراجعت عنه قالت المشاركة في الانتخابات استحقاق وطني تستعد له وتواصل النضال من اجل خلق الظروف الضرورية لكي تكون تعبيرا عن الارادة الشعبية وليس تزييفا لها. هذا يمثل تطورا ايجابيا في موقفها ويشير بوضوح الي ان الشروط الاهم في هذه المرحلة هي تلك المتعلقة بضمان نزاهة الانتخابات بما في ذلك وجود قانون عادل تقره المحكمة الدستورية مع اشراف قضائي كامل. لا أعرف اذا كانت قد تراجعت ايضا عن عبارة بليغة ومهمة في هذا البيان المغدور تقول فيها الانتخابات المقبلة تعتبر احد سبل انقاذ البلاد من الخطر الداهم الذي يتهددها. اذا كانت الجبهة تري الانتخابات كذلك وما لم تكن قد تراجعت عن هذه الرؤية ايضا ففيما اذن التردد والتشبث بشروط اضافية حتي ولو كانت عادلة ولكنها لا تتعلق مباشرة بضمانات النزاهة. ثم اذا أصرت الجبهة علي المقاطعة ما هو البديل الذي تراهن عليه. ليس من مصلحتها ان يقال انها تنتظر انقلابا عسكريا لن يجئ. وليس من مصلحتها كذلك ان تبدو كمن يشجع العنف والفوضي او يستثمرهما. والمظاهرات وحدها لم تحقق شيئا. رغم التقدير لكل مخاوف الجبهة وتحفظاتها فان المشاركة تبقي هي القرار الاصوب. ما قاله لينش صحيح تماما, ولا يمكن ان يكون هذا الاكاديمي الامريكي المرموق اخوانيا او داعيا الي اضفاء شرعية علي ديمقراطية زائفة كما يقول الرافضون للمشاركة. استمعوا الي هذا الصوت المحايد القادم من بعيد ما دام زامر الحي لا يطرب. لمزيد من مقالات عاصم عبد الخالق