عندما طرحت وسائط الإعلام الأمريكية التساؤل الخبيث لماذا يكرهوننا؟ علي الشعب الأمريكي عقب واقعة سبتمبر2001, ردت الصحافة العربية بمئات المقالات التي لم يكن لها صدي يذكر في أمريكا أن العرب والمسلمين لا يكرهون الشعب الأمريكي, وإنما يكرهون مواقف وسياسات إداراته الحاكمة في فلسطين والعراق وغيرهما. هذه الرسالة حاول بعض الأمريكيين المنصفين إيصالها إلي الرأي العام هناك, ولكن هيهات.. فقد حشدت الوسائط الأمريكية كل ما لديها من إمكانات لضمان أن تبقي الصورة مشوهة والمفاهيم مشوشة في عقول الأمريكيين المبرمجة علي كراهية العرب والمسلمين, باعتبار أنهم مجرمون وارهابيون بالفطرة. هذه البرمجة عاصرت بداياتها أثناء دراستي هناك خلال النصف الأول من الثمانينيات, عندما كانت كلمة مسلم لا تتردد في الوسائط إلا مصحوبة بإحدي الأوصاف التالية: اFanatic,Extremist ب,Terrorist,etc.. هذا التأثير الطاغي لوسائط الإعلام هو ما يدفعني إلي التحذير المستمر من مغبة السكوت علي ممارساتها المدمرة للسلم الأهلي في مصر.. فهي تنهش في العقول كما تنهش الخلايا السرطانية في الأجساد. بل إنها في الحالة المصرية أشد خطورة منها في الحالة الأمريكية لأن المتضرر منها في الولاياتالمتحدة أقلية ضئيلة, بينما في مصر تستهدف البرمجة قمع حريات واغتصاب إرادة الأكثرية المناصرة للأحزاب الإسلامية. وأخشي ما أخشاه إذا تركت هذه الممارسات الإعلامية, القائمة علي التضليل ونشر الفتن والتحريض علي الازدراء والكراهية, بدون حسيب أو رقيب, أن يتحول قطاع كبير من المصريين خلال سنوات قليلة إلي نسخة أخري من مجتمعات الغرب المغيبة عن الوعي. وكنت منذ فترة قد تواصلت بالبريد الالكتروني مع عدد من المصريين المهاجرين في الولاياتالمتحدة, حيث تبين لي أن هؤلاء المصريين الأمريكيين لديهم قصور شديد في فهم الديمقراطية والمواطنة, وأنهم بذلك لا يختلفون عن النخبة العلمانية التي تناولتها الأسبوع الماضي, كاشفا موقفها الحقيقي من الديمقراطية. فهم يستقون معلوماتهم فقط من الصحف والفضائيات العلمانية, والتي نجحت في غسل وبرمجة عقولهم, وإغلاقها علي أفكار وانطباعات بعينها لا تترك مساحة لما يخالفها. وكانت نتيجة هذه البرمجة واضحة في تطرفهم برفض أي نقاش موضوعي للأزمة, وأي دفاع عن الرئيس مرسي بصفته اختيار الشعب, وأي هجوم علي غوغائية المعارضة, وأي كلام عن محاسن( الإخوان), وأي حديث عن تأمين الديمقراطية الوليدة, مادامت ستؤدي إلي بقاء مرسي في الحكم.. في كل هذه الحالات كانت تهمة الأخونة حاضرة.. تماما كما هو حال كل من يتناول الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي بنزاهة وموضوعية في الولاياتالمتحدة, فإنه يجد نفسه فورا متهما بمعاداة السامية, وهي التهمة التي يروعون بها كل من يجرؤ علي الكلام. بل إن هؤلاء المصريين مقتنعون بأن( حماس) قتلت الجنود المصريين في رفح, وأنه لا حل للأزمة في مصر إلا بإبادة( الإخوان) واستئصال شأفتهم, وتكرار سيناريو الجزائر, ولتذهب الديمقراطية إلي الجحيم. هناك أيضا.. برمجة أمنية يتعرض لها ضابط الشرطة خلال دراسته, باعتبار أن( الإخوان) أعداء, وهو ما يفسر أحد أهم أسباب تقاعس نسبة كبيرة من الضباط عن العمل. فهم قد يوجدون في مواقع الاضطرابات ولكنهم لا يفرضون أمنا ولا يحفظون سلاما.. وبرمجة مذهبية للسلفيين علي كراهية إيران وتكفير الشيعة. في كل الحالات, مهما حاول المرء إقناع المبرمجين بعكس ما أغلقوا عقولهم عليه, يجد أن التعصب وصل بهم إلي درجة يتحول معها النقاش إلي مضيعة للوقت. إذا أضفنا إلي ما سبق المظاهرات المعارضة التي تخرج بين الحين والآخر بهتافات تتوعد( الإخوان) بالويل والثبور, والعودة إلي السجون, والدعاوي القضائية لحل الجماعة والأحزاب الإسلامية, والدعاوي ضد الرئيس, التي قيل انها بالآلاف, والقضاة الذين يجهضون كل خطوة تخطوها الثورة إلي الأمام, ومايكتب في الصحف المصرية والعربية من عينة أن طريق السلطة فتح امام الاسلاميين في بلاد الثورات ليدخلوا اليها مرة واحدة... وليخرجوا منها بفشل ذريع والي الابد.. بمعني أنه لن يسمح لهم بالعودة إلي السلطة مجددا. والماضي الأليم يشهد علي إبداع العلمانيين, وعلي رأسهم جماعة الإخوان الناصريين, في قمع الحريات وانتهاك كرامة وآدمية الإنسان, ووسائط الاعلام والمنظمات الحقوقية جاهزة للتغطية علي هذه الانتهاكات والتعتيم عليها, كما فعلت بالتعتيم علي شهداء الإخوان أمام قصر الرئاسة والتعتيم علي عدوان البلطجية علي( الإخوان) وسحلهم في موقعة الجبل, والتعتيم علي العدوان علي فتيات( الإخوان) في المنيل.. إلخ. وإذا اضفنا أيضا أساليب العلمانيين الرخيصة في الضرب تحت الحزام, بالاستقواء بالقضاء وإقحامه في السياسة, والاستقواء بالعسكر وتحريضهم علي الانقلاب علي الرئيس المنتخب, والاستقواء ببلطجية النظام المخلوع من أجل ضرب السياحة والتعجيل بانهيار الاقتصاد, والاستقواء بأنظمة الحكم في الغرب علي الرئيس, وبجماعات الضغط اليهودية التي استقوي بها أحد قيادات الجبهة في حديث شهير لمجلة( دير شبيجل), وتحقير الصندوق الانتخابي لتكفير الناس بالديمقراطية, وتوجيه الاهانات للبلد العربي الوحيد الذي يمد لنا يد العون, حتي يتوقف عن هذه الجريمة. عندما يصل السعار العلماني للخلاص من( الاخوان) إلي درجة اللجوء إلي كل هذه الوسائل المتطرفة وغير المشروعة, فمن الطبيعي أن يتخندق( الإخوان) ليس فقط دفاعا عن أنفسهم, وإنما أيضا لتجنيب مصر كارثة احتراب أهلي تعمم الخراب علي الجميع, باستثناء القلة المجرمة من مليونيرات الصحف والفضائيات من رؤساء تحرير ومقدمي( توك شو), الذين يدفعون مصر دفعا علي طريق سيناريو الجزائر. وسيخيب الله أملهم بإذنه تعالي. كل ما سبق يمثل جزءا من واقع مشتبك, يمكن أن يلقي ضوءا علي الكيفية التي يفكر بها( الإخوان) في مواجهة الكوارث التي قادتنا إليها معارضة كارهة للديمقراطية وخاضعة تماما لأهوائها العنصرية, ووسائط كارهة للثورة وخاضعة تماما لشهوة المال السياسي. وللحديث بقية.. لمزيد من مقالات صلاح عز