حكي الهدهد قال: أسكن شجرة علي شاطئ مجري أحد أنهار أفريقيا, عظيم الاتساع كثير المنحنيات. وفي منطقة تتكاثر فيها الحشائش علي شاطئ ذلك النهر, كان يعيش عدد كبير من الماعز البرية. لا أتذكر متي جاءت الماعز حولي وبالقرب مني, علي الرغم من خطورة المكان علي أمثالها, لكن ذلك القطيع استطاع أن يعيش علي الرغم من الفيضانات والوحوش والصيادين. ولما كنت لا أخاف من الإنسان لأنه لا يصيدني ويعتبرني صديقا له, فقد كنت أقف ذات يوم علي شجرة بين بيوت القرية القريبة من الغابة, عندما شاهدت وصول شخص غريب. بدأ الرجل يسأل أين يجد الماعز البرية, فأرشده أهل القرية إلي مكانها قرب شجرتي, فجاء إلينا. كان هذا الرجل الغريب لا يحمل معه أية أسلحة, فأخذ أهل القرية يتساءلون عما يمكن أن يفعل مع الماعز. وصنع الرجل من أغصان الأشجار ما يشبه كوخا صغيرا, وضع فيه أكياسا كبيرة كان يحملها. وعندما عاد ذلك الرجل الغريب إلي القرية بعد عدة أشهر, وقال لأهلها إنه أمسك بقطيع الماعز كله, زادت دهشة الناس من كلامه. ولما طلب منهم أن يرافقه بعضهم لرؤية قطيعه من الماعز, وافق بعضهم علي الذهاب معه ليتأكدوا من صدق ما يقول. وسرعان ما تأكدوا من صدقه.. لقد وجدوا كل الماعز داخل مكان يحيط به سور متين, له بوابة في أحد جوانبه! ولما سألوا الرجل الغريب: كيف استطعت أن تفعل هذا ؟ أجابهم: كان الأمر في غاية السهولة. ولما كنت شاهدا علي ما حدث خطوة بعد خطوة, فدعوني أحكي لكم أغرب حكاية: في البداية قدم الرجل الغريب للماعز بعض حبوب الذرة من الأكياس التي كانت معه.. لكن الماعز, في أول الأمر, لم تأكل منها شيئا. وبعد عدة أسابيع, بدأت الماعز الصغيرة تخرج من بين الأحراش, وتتسلل لتتناول بسرعة بعض الذرة, ثم تعود وهي تجري لتختفي بين الحشائش. وشيئا فشيئا, أخذت كل الماعز تأكل من الذرة التي يتركها الرجل أمامها. ثم بدأ الرجل يقيم سورا حول المكان الذي اعتاد أن يضع فيه الحبوب. كان السور منخفضا في البداية, لكن الرجل أخذ بالتدريج يجعل السور أعلي وأعلي. ولأنه استعان بالصبر والهدوء, لم تتنبه الماعز إلي الارتفاع المتوالي للسور, فاستمر في تعليته أكثر وأعلي بغير أن يثير خوف الماعز. وعندما وجد الرجل أن الماعز كلها قد أصبحت تنتظر كل يوم ما يقدمه إليها من حبوب, بدلا من البحث بنفسها عن طعامها كما كانت تفعل من قبل, أقام بوابة في الفتحة التي كانت موجودة في السور الذي بناه. وذات صباح, والماعز كلها داخل السور تأكل الذرة وهي غافلة تماما عما يدبر لها, أغلق عليها ذلك الباب!! سمعت الناس يسألونه: كيف عرفت منذ البداية أنها ستسقط في النهاية بين يديك ؟ شاهدت علي شفتيه ابتسامة غامضة وهو يجيب: إذا جعلت صيدك يعتمد عليك في طعامه, ثق أنه لن يفلت منك بعد ذلك أبدا! لمزيد من مقالات بقلم : يعقوب الشاروني