يمثل مؤتمر انقاذ الاقتصاد الذي نظمه التيار الشعبي الاسبوع الماضي تحولا مهما في اداء المعارضة بانتفاضها اخيرا علي الاستسلام لإغراء الرفض الدائم. والاكتفاء به دون طرح حلول بديلة وبرامج عملية جديرة بالمناقشة وقابلة للتطبيق. الحدث الذي استمر يومين توج هذا التحول في آليات عمل المعارضة ورؤيتها لدورها ووعيها بضرورة ان تقدم للناخب برنامجا بديلا عندما تحين لحظة الاختيار. وهو تطور يضيف لرصيد التجربة الديمقراطية وليس التيار الشعبي فقط. لا يقلل من اهمية المؤتمر انه جاء مجسدا وممثلا لأفكار اليسار فقط. ولعل هذا هو سبب انعقاده تحت راية التيار الشعبي وليس جبهة الانقاذ التي تضم احزبا وشخصيات يمينية وليبرالية لديها رؤية مختلفة بالتأكيد ويفترض ألا تتأخر في طرحها. سبق للبرادعي وايمن نور ان طرحا افكارا مهمة لمعالجة الازمة الاقتصادية. كما قدم حزب النور اقتراحات جيدة. غير ان تلك الاجتهادات الفردية لا ترقي لمستوي الرؤية الشاملة التي قدمها الخبراء في هذا اللقاء. حاول المؤتمر, وتلك نقلة تاريخية مهمة, ان يطور رؤية جديدة لليسار المصري يمزج فيها بين الاصول الاشتراكية اي المنبع الذي يستقي منه افكاره وتوجهاته وبين تحديات عصر العولمة بكل ما تفرضه من تحلل لإجراءات الحماية وانكماش الحدود التجارية وزوال احلام الاكتفاء الذاتي واستحالة العزلة. كان لابد من الاعتراف بان كل هذه الشعارات والسياسات اصبحت من مخلفات الماضي. هذا الاعتراف يمكن رصده في الورقة المقدمة من الدكتور ابراهيم العيسوي الذي اكد ان استقلالية التنمية لا تعني القطيعة مع العالم ولا رفض المعونات والاستثمارات والقروض بشروط مواتية. الملاحظة الاساسية هنا ان المؤتمر خلا من ورقة مستقلة يوضح فيها اليسار بناء علي هذه المستجدات تصوره لدور الدولة في النشاط الاقتصادي. وما هي القطاعات التي يري انها يجب ان تظل حكرا عليها. ومع ذلك لم تخل الاوراق من اشارات متناثرة في هذا الصدد. ففي حين تحدثت الدكتورة نادية رمسيس عن نموذج الدولة القائدة مسترشدة بالتجربة البرازيلية, اقترح احمد السيد النجار قيام الدولة بدور التاجر المرجح, اي تشتري من المزارعين او تستورد بنفسها ثم تبيع بأسعار عادلة. بينما اختار الدكتور جودة عبد الخالق ان يبقي علي يسار الجميع برفضه القاطع لنظام السوق الحرة طارحا فكرة الدولة التنموية كبديل. القراءة السريعة في الاوراق والتوصيات تسفر عن ملاحظات اخري لا يتسع المقام لها لكن اهمها رؤية اليسار لدور القطاع الخاص وهي مسألة لا اعتقد انها كانت واضحة بما يكفي. اذ بينما اكدت التوصيات اهمية دور القطاع الخاص الكبير والمتوسط والصغير ومنحه الحرية الكاملة للعمل, ندد المؤتمر في موضع اخر بالانحياز الحكومي للطبقة الرأسمالية الكبيرة واعتبرها خادمة للرأسمالية العالمية. كما رفض العودة للخصخصة. ثمة ملاحظة اخري وهي انه لم تكن هناك ورقة مستقلة عن العشوائيات. ولا اعرف كيف غابت هذه القنبلة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية عن اذهان المنظمين. كان من الأفضل ايضا لو اعطي المؤتمر اهتماما اكبر لقضية الدعم وقدم رؤية تفصيلية لكيفية وصوله الي مستحقيه. اقترح الدكتور جودة نظام الكوبونات لتوزيع انابيب البوتاجاز. وأوصي بنفس النظام تقريبا الذي بدأته الحكومة بالنسبة للخبز. لكنه لم يوضح النظام الذي يراه لباقي السلع خاصة البنزين وهل يوصي بفكرة الكوبونات ايضا. افضل ما قدمه المؤتمر كانت الاقتراحات العملية الممتازة لتقليص عجز الموازنة وإصلاح نظام الاجور دون زيادة التضخم وفقا للورقة المقدمة من النجار. غير انني انحاز شخصيا لرأي عبر عنه, في تصريحات صحفية, الدكتور علي الجزار استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة الذي رفض اقتراح النجار بالا تتجاوز البدلات الاجر الاساسي. لأنه يجب جذب الكفاءات حتي لا تهرب لاماكن اخري. ملاحظة اخيرة هي انني كنت اتمني لو توج المؤتمر اعماله وجهده الكبير بمبادرة لتبني مشروع قومي للتصنيع يعتمد علي المساهمة الشعبية علي غرار مشروع القرش الشهير في الثلاثينيات. في كل الاحوال البداية موفقة للغاية وتستحق التحية. وفي انتظار برامج الليبراليين والإسلاميين. لمزيد من مقالات عاصم عبد الخالق