أطلت مشكلة حلايب برأسها مرة أخري مهددة بتعكير أجواء العلاقات بين مصر والسودان وتجميد التعاون الاقتصادي والسياسي الذي يحتاج اليه البلدان بشدة في ضوء الأزمات التي خلفها انفصال جنوب السودان وتداعيات ثورة25 يناير وذلك رغم التصريحات والاتفاقيات المتكررة بجعلها منطقة تكامل. فقد أكد المسئولون السودانيون مرارا أن حلايب منطقة تكامل وتنمية وان الخرطوم حريصة علي أن تبقي العلاقات مع القاهرة طيبة وسيتم بحث أمرها في الوقت المناسب. لكن وصف موسي محمد أحمد مساعد الرئيس السوداني حلايب بأنها محتلة من القوات المصرية يتناقض مع ذلك تماما حيث قال ان الرئيس محمد مرسي وعد خلال زيارته الأخيرة للخرطوم بالعمل علي ازالة الاحتقان في العلاقات بين البلدين واعادة الأوضاع الي ما كانت عليه قبل عام1995 مفسرا ذلك بأنه موافقة علي عودة المنطقة الي السودان مما دفع الرئاسة المصرية للاسراع بنفي ذلك تماما والتأكيد علي أنه لم يحدث أن قال أحد انه سيتم بحث اعادتها. ورغم التصريحات المتضاربة من الطرفين فيمكن تأكيد أنه لايجرؤ أي مصري أو سوداني بمن فيهم الرئيسان علي الموافقة علي أن يتخلي بلده عن حلايب للبلد الآخر مهما بلغ دفء العلاقات أو توافق الاتجاهات والسياسات بين نظامي الحكم ذوي الاتجاه الاسلامي وأن أقصي ما يمكن فعله هو الموافقة علي احالة القضية للتحكيم الدولي أو اجراء استفتاء لسكانها لتحديد أي الدولتين يرغبون أوجعلها منطقة تكامل وترك مشكلتها للزمن ليتكفل بحلها. والتفسير الوحيد المنطقي لما يمكن أن يكون الرئيس مرسي قد قاله لمضيفيه السودانيين هو أن موسي طلب منه أن يعود الوضع في حلايب الي ما كان عليه عام1995 فرد بالقول انه سينظر في الأمر. والمقصود بما قبل1995 هو سحب القوات المصرية منها ليثبت بذلك السودانيون أنها متنازع عليها. قصة حلايب لمن لا يعرفها هي أنها مثلث مساحته تقدر بنحو20.5 ألف كيلومتر مربع تقطنه قبائل لها امتداد في أراضي السودان من بينها البشارية. في19 يناير1899 وقعت مصر وانجلترا التي كانت تحتل البلدين اتفاقا نص علي أن خط عرض22 شمالا هو الفاصل بين مصر والسودان,ولكن في4 نوفمبر1902 صدر قرار اداري باجراء تعديل علي القطاع الشرقي من الحدود مراعاة لظروف القبائل قضي بوضع حلايب وشلاتين تحت ادارة الخرطوم لأنها الأقرب اليها من القاهره.وحتي لا يحدث لبس نص القرار الذي أصدره وزير الداخلية المصري في مادته الثانية علي أن المنطقة التي شملها التعديل تقع في الأراضي المصرية وأكد في مادته الثامنة أن تعيين مشايخ القبائل وعمد القري يصدر بقرار من الداخلية المصرية مثلها مثل بقية المديريات فيما يتعلق بالأعراب.وهكذا يتضح أن الجانب المصري كان حريصا علي توضيح أن القرار الاداري لا يلغي اتفاقية1899 التي تؤكد أن حلايب مصرية. لكن يبدو أن المسئولين السودانيين يعتبرون القرار الاداري ملغيا لاتفاقية1899 وان قرار القمة الافريقية عام1964 باحترام الحدود الموروثة عن الاستعمار ينطبق علي حلايب كجزء من بلدهم متذرعين بخرائط وضعتها بعض الأطالس أو وسائل اعلام مصرية بطريق الخطأ ضمن السودان. وسبق أن أثاروا المشكلة عام1958 بجعل حلايب دائرة انتخابية سودانية فدفعوا عبدالناصر لارسال قوات لانهاء الوضع قبل أن يسحبها لمنع اندلاع حرب مع القوات السودانية التي أرسلها عبدالله خليل. ثم تجددت المشكلة عندما منحت الخرطوم شركة كندية تصريحا للتنقيب عن البترول في البحر الأحمر قبالة حلايب عام1992 فاعترضت مصر وأجبرت الشركة علي سحب معداتها. وردا علي محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا, حيث انطلق المنفذون من السودان وبتحريض من شخصيات سودانية, عادت القوات المصرية الي المنطقة لحماية سكانها والدفاع عن حقوق مصر ووحدة أراضيها. وأعتقد أنه لو أجري استفتاء لسكانها لاختاروا البقاء جزءا من مصر حيث أعلن شيوخهم أنهم مصريون ولن يقبلوا أي محاولة للانضمام للسودان.لذلك من الأفضل عدم الدخول في نزاعات لا ضرورة لها لأن البلدين لديهما من المشكلات ما يكفيهما. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى