علي الرغم من أهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به قطاع الصناعة, باعتباره القطاع القادر علي الخروج بالاقتصاد المصري من الأزمة الاقتصادية الراهنة. وذلك بما يمتلكه من قدرة, علي زيادة الانتاج والتشغيل. بالإضافة إلي امكاناته الواسعة في زيادة الصادرات, وتحقيق موارد نقدية ومكاسب اقتصادية. إلا أن الحكومة لم تتخذ حتي الآن أية سياسات للتوسع في دور هذا القطاع في الاقتصاد المصري. واعطاءه أولوية في الاستثمار عبر صيغ مختلفة تتعامل مع الاستثمار المحلي والأجنبي. ولم يلاحظ اتخاذ أية اجراءات حقيقية لحل مشكلاته وتوظيف امكاناته. ونظرة سريعة لأوضاع الاقتصاد المصري, خلال تلك الفترة. يجد أنه اعتمد علي القطاعات الريعية في تدبير موارده, مثل السياحة والبترول. وهي قطاعات غير مستقرة, سريعة التأثر بأي اضطرابات, أو أحداث داخلية وخارجية. بالإضافة إلي قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين بالخارج. مع تزايد الاهتمام بقطاعات التجارة والمال. مما يستدعي إعادة تشكيل هيكل الاقتصاد المصري, لصالح القطاعات الانتاجية. وخاصة قطاع الصناعة, وأن يتم اعادة تنظيم هذه القطاعات بحيث تكون أكثر اعتمادا علي المنتج والخامات, ومستلزمات الانتاج المحلية. خاصة أن الكثير منها متوافر بالفعل. وذلك من خلال برنامج وطني للتصنيع المحلي. تشارك فيه جميع القطاعات( قطاع الأعمال العام/ القطاع الخاص, بتنوعاته المختلفة صناعات صغيرة ومتوسطة وكبيرة). وبامكاناتها الصناعية المتاحة حاليا والمحتملة بالاضافة إلي ما يمكن أن يقوم بتوفيره قطاع الانتاج الحربي. وهو قطاع يمكن أن يقوم بدور هام, علي الأقل في المرحلة الأولي من مرحلة, إعادة البناء. علي أن يتم ذلك في إطار استراتيجية يشارك فيها رجال الصناعة والبحث العلمي, وجميع القطاعات المعنية. التصنيع المحلي... ليس مستحيلا هناك عدد من المؤشرات, تدعونا إلي التفاؤل, بأن ذلك ممكن ولا يتطلب موارد كبيرة للتمويل. أوله ما يؤكده الدكتور محمود عيسي أحد رجال الصناعة ووزير الصناعة السابق. من أن الصناعة المصرية تتوافر لديها بنية أساسية صناعية جيدة. تم بنائها علي فترات طويلة. ولكن السياسات لم توجه للربط بين البحث العلمي والصناعة. رغم توافر امكانات ادارة البحث العلمي. وثبوت أهمية التلاحم بين الاثنين. وأشار لتجربة فنلندا وما حققته من نجاح في تصنيع أجهزة التليفون المحمول, وما حققته أيضا من ايرادات, بلغت مليارات, المليارات من الدولارات, نتيجة لذلك. المؤشر الثاني الذي يدل علي أن مصر تمتلك الامكانات العلمية والصناعية والموارد اللازمة لبدء حركة التصنيع المحلي. هو تجربة لجنة تعميق التصنيع المحلي, التي تكشف عن قدر, مما يتوافر لمصر من امكانات تتعلق بالتكنولوجيا المتوافرة, وما يتوافر من مستويات تصنيع حالية. وهي التجربة التي خاضتها لجنة تعميق التصنيع المحلي التي أنشأها الدكتور كمال الجنزوري عندما كان وزيرا للتخطيط و نائبا لرئيس الوزراء, في نهاية الثمانينات. وقد ثبت من عمل اللجنة كما يذكر لنا الدكتور أحمد الدميري أحد أعضاءها, توافر الامكانات العلمية التي قامت في ذلك الوقت بوضع, عدد من التصميمات, خاصة بتصنيع الآلة الحاسبة و تصميم وتصنيع مواتير وبوابات الري والصرف. وانشاء شبكة ربط لقواعد بيانات الصناعة. وتصنيع خطوط تعبئة المواد السائلة. وبعض مستلزمات السكك الحديدية وتصنيع مكابس القش ومعدات تحويل القمامة إلي أسمدة عضوية. وذلك بالتعاون بين فرق عمل من أساتذة كليات الهندسة وبعض شركات قطاع الأعمال وشركات الانتاج الحربي. يضاف إلي ذلك عدد من المساهمات التي قام بها فرق عمل من, أساتذة كليات الهندسة من تصميم وتنفيذ عدد من المشروعات. منها ما يعرضه الدكتور أحمد حسين الأستاذ بهندسة عين شمس عدد من المشروعات التي اعتمدت علي تصميمات أساتذة كليات الهندسة, وتشير إلي تنوع تلك الخبرات. فهناك معدات تم تصنيعها لحساب وزارة الري. منها بوابات الري, التي تم وضع التصميمات الخاصة بها وانتاجها بتكلفة, تقل كثيرا عن المستورد منها. وتم تشغيلها بكفاءة عالية. ومنها, انتاج مضخة مياه لمحطة مياه أبيس, لحساب مصلحة الميكانيكا بوزارة الري. التنفيذ.. مسئولية الرئيس والمواطن فكيف يمكن أن تتحول قضية التصنيع المحلي إلي قضية قومية. تتولي تنفيذها الدولة. وتشارك فيها جميع قطاعاتها. خاصة أن مؤسسات الدولة هي أكبر مستهلك سواء بالنسبة للمعدات أو مستلزمات الانتاج, أو السلع الغذائية. والأمر في هذه الحالة يحتاج إلي مستويات عديدة من المشاركة. وتبدأ مسئوليتها برئيس الجمهورية, والمؤسسات التشريعية. ويشارك فيها المواطن المصري, بشراءه المنتج الوطني. سياسات وبرامج التنفيذ مستوي آخر يطرحه الدكتور محمود عيسي وهو الربط بين برامج التصنيع المحلي, وبين سياسات الدولة. بحيث يتم تشجيع التصنيع المحلي في الصناعات التي تعطي لها أولوية, بسياسات الدولة في المجالات الأخري, وأهمها الاستيراد. فيحظر استيراد السلع المثيلة لها. ويقدم نموذجا لذلك, وهو ما اتبعته الهند من منع استيراد برامج الكومبيوتر سوفت وير, عندما قررت أن تتخصص في تصنيعها. حتي أصبحت الدولة الأولي في تصديرها علي مستوي العالم. ويضع ملامح للسياسة التي يجب أن تتبعها الدولة, لتنفيذ برامج التصنيع المحلي. أولها أن يبدأ البحث العلمي من داخل الصناعة, فتقوم الصناعة بانشاء أقسام للبحوث بالشركات يشرف عليها رجال البحث العلمي. ووضع حوافز تشجع علي انتاج تكنولوجيا جديدة. تقوم فيها الجامعات ومراكز البحوث بدورها في الابتكار والاختراع. المحور الثاني.. أن يأخذ البرنامج بمبدأ التخصص, ويكون التخصص في الصناعات التي تحقق مصر ميزة نسبية أو تنافسية فيها. وأشار إلي أن الهند وفنلندا, قدمتا نموذجا ناجحا, يمكن اتباعه في هذا المجال. والثالث.. أن يتم ادماج مصانع القطاع التي يرغب أصحابها في الاستفادة بالتطوير التكنولوجي, الذي يمكن أن تحققه لها الخبرات المصرية في هذا المجال. ولا مانع أن تقدم لهم الدولة حوافز تشجيعية, مثل تخفيضات ضريبية, أو في أسعار المياه والطاقة. المحور الرابع, أن يتم التنفيذ من خلال برنامج زمني, من خلال خطط محددة يتم متابعتها بدقة. حتي لا تصبح هذه الأهداف و البرامج, مجرد ادعاءات. ويلفت الدكتور محمود عيسي إلي أهمية أن تتضامن أجهزة الدولة في تنفيذ برامج التصنيع المحلي, لأن البرامج القومية لا يمكن أن ينفذها و يتحمل مسئوليتها, وزيربمفرده لأن تنفيذها ومتابعتها لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن الوزارات والأجهزة الأخري. وهناك برنامج للتصنيع يستجيب لكثير من احتياجات السوق المحلية, باستخدام مستويات مختلفة من التكنولوجيا منها ما هو متاح حاليا في مصر. يطرح هذا البرنامج الدكتور مختار هلودة أحد الذين شاركوا في العديد من تجارب التصنيع المحلي. في الستينات وعبر الفترة التي شارك فيها في لجنة تعميق التصنيع المحلي. وهو يقسم احتياجات السوق إلي أربعة مستويات. المستوي الأول يضم احتياجات القري والمناطق الريفية والعشوائيات. وتتركز أكثرها في طلمبات المياه والري ومعدات الصرف الصحي. بالاضافة إلي احتياجات السكان من السلع الغذائية والأقمشة والملابس الجاهزة. وكلها سلع تتوافر الخامات والخبرات الفنية وخطوط الانتاج, اللازمة لها محليا. ويمكن البدء في تصنيعها علي الفور. المستوي الثاني يتضمن الفئات المتوسطة من التصنيع. مثل السيارات ووسائل النقل البسيطة. وهي تتطلب مستوي من التكنولوجيا تتوافر محليا وسبق تصنيع العينة الأولي منها. أما المستويين الثالث والرابع, فيضم الصناعات التي يعتمد علي تكنولوجيا متقدمة, لا تتاح في مصر حاليا, لكن هناك خبرات علمية يمكن أن تساهم فيها. ولا بد من الاشارة هنا إلي علماء مصر بالخارج الذين أبدي الكثير منهم رغبته في التعاون مع الكوادر العلمية في الداخل. و نقل خبراتهم في المجالات المختلفة.