إن الله سبحانه وتعالي لايخلف الميعاد, وقد وعد الله عز وجل الأمة الاسلامية بالاستخلاف في الأرض, فيجعل المؤمنين خلفاء الأرض, وأئمة الناس, والولاة عليهم, فتصلح بهم البلاد, ويأمن بهم العباد, ووعد سبحانه الأمة أن يمكن لهم دينهم, وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا. قال الله تعالي:( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئا, ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون). سورة النور(55). وجاءت نبوءة الرسول صلي الله عليه وسلم ووعد أمته بالأمان وبفتح الفتوح وكنوز الأرض وكثرة الرخاء والمال. فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين وفد عليه أتعرف الحيرة؟ قال: لم أعرفها, ولكن قد سمعت بها. قال: (فو الذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتي تخرج الظعينة من الحيرة حتي تطوف بالبيت في غير جوار أحد, ولتفتحن كنوز كسري بن هرمز, قلت: كسري بن هرمز؟ قال: نعم كسري بن هرمز وليبذلن المال حتي لايقبله أحد) قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار أحد, ولقد كنت فيمن افتتح كنوز كسري بن هرمز, والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة, لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد قالها رواه أحمد. من أجل حماية الأوطان, والحفاظ علي ماوعد الله ورسوله به من الأمان, كان للجهاد في سبيل الله مكانته. وكان للرباط في سبيل الله منزلته التي وجه الرسول صلي الله عليه وسلم أمته إليها. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:( لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا ومافيها) رواه البخاري. ولما كان الصارف للناس عن الجهاد هو الخوف من الموت والخوف علي الرزق إذا ما استشهد فقد وضح الله تعالي لعباده أن لكل نفس ميقات أجل لاتستأخر عنه ساعة ولاتستقدم عنه أخري, وأن آجال الناس تدركهم وتلاحقهم, وأن الانسان لايفر من أجله خوفا من الموت وجبنا فإنه سيدركه لامحالة,( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) فلايطيل الجبن عمرا, ولايدفع الموت عن لانسان, فحرر الاسلام نفس الإنسان من الخوف من الموت والبعد عن الجهاد, كما حرره أيضا من هم الرزق فقال الله تعالي:( وما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها) سورة هود(6). ولأن الله تعالي يعلم من عباده ضعف طبيعتهم البشرية وقلقها علي شئون الرزق, بين الله سبحانه أن الرزق في السماء مقسوم وأقسم سبحانه علي ذلك حيث قال:( وفي السماد رزقكم وما توعدون, فورب السماء والأرض إنه الحق مثل ما أنكم تنطقون) سورة الذاريات(23,22), ويؤكد الرسول علي فضيلة الجهاد ومكانة المجاهدين في سبيل الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:( من رضي بالله ربا, وبالإسلام دينا, وبمحمد رسولا وجبت له الجنة) فعجب لها أبو سعيد فقال أعدها علي يارسول الله, فأعادها عليه, ثم قال:( وأخري يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة, مابين كل درجتين كما بين السماء والأرض) قال: وماهي يارسول الله؟ قال:( الجهاد في سبيل الله) رواه مسلم. وللشهيد في سبيل الله مكانته العالية حيث يكون في الفردوس الأعلي من الجنة, عن أنس رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلي الله عليه وسلم يمشي إذا استقبله شاب من الأنصار فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: كيف أصبحت ياحارثه.. وهو حارثة بن سراقة قال: أصبحت مؤمنا بالله حقا, قال انظر ماذا تقول, فإن لكل قول حقيقة, قال يارسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي, وأظمأت نهاري وكأني بعرش ربي عز وجل بارزا, وكأني أنظر إلي أهل الجنة يتزاورون فيها, وكأني أنظر إلي أهل النار يتعاوون فيها, فقال به النبي صلي الله عليه وسلم:( أنت امرؤ نور الله قلبك) فقال: يارسول الله ادع الله لي بالشهادة, فدعا له رسول الله صلي الله عليه وسلم, فنودي يوما في الخيل, فكان أول فارس ركب, وأول فارس استشهد, فبلغ ذلك أمه فجاءت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يارسول الله إن يكن في الجنة لم أبك ولم أحزن, وإن يكن في النار بكيت ماعشت في دار الدنيا, قال: (ياأم حارثة: إنها ليست بجنة واحدة ولكنها جنات وإن حارثة في الفردوس الأعلي) فرجعت أمه وهي تضحك وتقول: بخ بخ لك ياحارثه. ومن أجل ذلك كان المسلمون الأوائل يتسابقون علي الجهاد والاستشهاد لما عرفوا من مكانته, عن أنس رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه حتي سبقوا المشركين إلي بدر وجاء المشركون فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: قوموا إلي جنة, عرضها السموات والأرض فقال عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يارسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم قال: بخ بخ, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: مايحملك علي قول: بخ بخ ؟ قال لا والله يارسول الله, إلا رجاء أن أكون من أهلها, قال: فإنك من أهلها. فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتي آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. فرمي بما كان معه من التمرات ثم قاتلهم حتي قتل. رواه مسلم ذكر ابن جرير أن عميرا قاتل وهو يقول: ركعنا إلي الله بغير زاد إلا التقي وعمل المعاد والصبر في الله علي الجهاد وكل زاد عرضة النفاد غير التقي والبر والرشاد نلاحظ أن الله تعالي شرع الجهاد في سبيل الله دفاعا عن الدين والعقيدة, وعن الوطن والأرض والعرض, ومن أجل استتباب الأمن بين العباد والبلاد, ومن أجل حماية الأمة ومكانتها حيث إنها خير أمة أخرجت للناس. وقد ذكر القرآن الكريم مصر عدة مرات في آياته, وبين أن من دخلها يكون آمنا( ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين). ومعلوم أن القرآن الكريم خالد إلي يوم الدين والي مابعد يوم الدين, ففي الجنة كما ورد في الحديث يقال لقارئ القرآن إقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها فهذه الآية الكريمة التي تنص علي أمان مصر خالدة وبالتالي فأمان مصر خالد إن شاء الله تعالي. وكثيرا وصي رسول الله صلي الله عليه وسلم خيرا بمصر حيث قال صلوات الله وسلامه عليه: ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما وقال أيضا: وإذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد أهل الأرض, قيل: ولم كانوا كذلك يارسول الله قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة.