منذ ان دخلت سوريا في أزمتها الحالية والحديث عن الخطر الذي يمكن ان يهدد الدولة اللبنانية في حال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد يطرح نفسه, الأمر الذي دفع بوزير الخارجية اللبناني عدنان منصور الي استعمال مصطلح النأي بالنفس في كل اجتماعات وزراء الخارجية العرب حتي لا يوقع حكومته المستقيلة الآن والمحسوبة علي نظام الأسد في مأزق سياسي يعجل بنقل الأزمة السورية الي العمق اللبناني. تبيد أن موقف الحكومة اللبنانية التي كان يتراسها نجيب ميقاتي( أصبحت حكومة تسيير أعمال حاليا) مما يحدث في شقيقتها سوريا معروف لكل دول العالم, وهو عدم التعليق علي ما يرتكبه الأسد من جرائم في حق شعبه الأعزل وادانة ما يقوم به الجيش السوري الحر المعارض ضد قوات النظام! وبين مؤيد لبقاء نظام الأسد- خوفا من حرب أهلية سورية قد تؤثر علي لبنان- وبين معارض له, يبقي الشارع اللبناني في خطر وشيك. فمن يعارضون بقاء الأسد يرون انه بارتكابه مجازر بشعة في حق شعبه حاليا اصبح مجرم حرب, ناهيك عندوافع تاريخية كارهة له, خاصة بين الطائفة السنية وجزء من مسيحيي لبنان, لما عانوه من احتلال سوري لبلادهم عبر سنوات من الزمن. أما الآخرون المؤيدون للأسد فهم يرون أن أطرافا دولية هي من تقف وراء المعارضة السورية, وأن هذه الأطراف لن تتمكن من السيطرة علي حلفائها السوريين اذا ما سقط النظام, وهو ما سيؤثر بشكل مباشر علي الفرقاء اللبنانيين. الحالة الأولي التي تمثل المعارضين لبقاء الأسد في لبنان, تتبناها قوي14 آذار والتي تضم عددا من الأحزاب السياسية أبرزها حزب الكتائب وحزب القوات وتيار المستقبل, ويري البعض أن موقفهم هذا يأتي بدافع انتقامي من الأسد ولسياسته بعد ان كان له النصيب الأكبر في الإطاحة برئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري والمجيء بمن ينفذ سياسته في لبنان, وبسبب دعمه لحزب الله وسلاحه مما يشكل تهديدا امنيا صريحا للبنان, وقد يدخلها في أي وقت في دوامة حرب مع إسرائيل, أو استعمال هذا السلاح في الشارع من اجل فرض أي شروط سياسية عليهم, مثلما حدث فيما يعرف بأحداث7 آيار اثر صدور قرار من مجلس الوزراء اللبناني بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بحزب الله,وعندئذ لجأ الحزب الي استعمال القوة لردع الحكومة, التي قامت بعدها بسحب القرار. أما الحالة الثانية فتتبناها قوي8 آذار والتي تضم حزب الله والحزب السوري الاشتراكي وتيار المردة والتيار الوطني الحر وحركة أمل, وهم يرون ان بعض الدول الخليجية تقف وراء المعارضة في سوريا منذ بداية الأزمة بغية الإطاحة ببشار الأسد تنفيذا لأجندة دولية يختلف معها الأسد كونه حليفا لطهران وموسكو, وأن هذه القوي لن تستطيع السيطرة علي المعارضة بعد ذلك, لتتحول المنطقة الي ساحة فعلية لتصفية الحسابات الدولية, وتزداد الأمور سوءا علي الأرض, وبدلا من ان تحل الأزمة سياسيا داخل أروقة جامعة الدول العربية, اصبح هناك حرب حقيقية في كل أرجاء سوريا, مما اضطر الكثيرون للهروب منها واللجوء الي لبنان. وبين هذا وذاك بات الحديث عن اشتراك عناصر لحزب الله اللبناني في القتال بجانب قوات النظام السوري أمرا معتادا, لاسيما بعد إعلان قوي14آذار عن ذلك في وسائل الإعلام اللبنانية, وقولهم ان قري سورية علي الحدود تقطنها أغلبية شيعية أصبح يوجد فيها عناصر لحزب الله. الاهرام رصد ما يجري في البقاع الشمالي علي الحدود اللبنانية- السورية للتعرف علي حقيقة الامور وما اذا كانت هناك عناصر من حزب الله في المعارك الجارية أم لا.وميدانيا علي الأرض توجد روايتان, الأولي تؤكدها عناصر الجيش السوري الحر المعارض, وهي أن العمليات التي تجري حاليا هناك هي تكتيكات عسكرية لحزب الله بعد أن فقد النظام السوري السيطرة علي بعض المناطق, فكلف حزب الله بالعمل العسكري في هذه المنطقة القصير داخل الأراضي السورية ليركز النظام قواته في العاصمة دمشق, وللحفاظ علي خطوط الإمداد اللوجستية, ومن غير المستبعد لجوء حزب الله الي اجتياح منطقة القصير, كنوع من رد الجميل لنظام الاسد الذي طالما كان يدعمه في حربه ضد اسرائيل وحتي بعد التحرير.اما الرواية الثانية فقد عبر عنها اهالي المناطق الحدودية للأهرام حيث قالوا انه لا وجود لعناصر من حزب الله وأن هذه المنطقة الحدودية التي تسمي بالقصير هي عبارة عن مجموعة قري سورية تعتبر امتدادا بشريا وجغرافيا لمنطقة الهرمل اللبنانية يقطنها نحو30 ألف لبناني منذ أكثر من ثمانية عقود( يحملون هويات لبنانية), وبعد احتدام المعارك في العمق السوري قرر اهالي هذه المنطقة أن يدافعوا عن أنفسهم فشكلوا لجانا مسلحة وبدأوا فعلا صد هجمات المعارضين, وقد اكد عدد من الاهالي اللبنانيين الذين كانوا هناك ان مجموعات من جبهة النصرة والجيش السوري الحر حشدت خلال الفترة الماضية المقاتلين استعدادا لمهاجمتهم, لسببين, الأول بهدف تهجيرهم الي الداخل اللبناني مما يزيد من رقعة الاراضي التي يعلنون سيطرتهم عليها وحتي يتمكنوا من تنظيم صفوفهم العسكرية. والثاني هو الزج بحزب الله للدخول في المعركة مما يعقد الازمة داخليا فتفشل أية مفاوضات سياسية قادمة ليبقي لبنان ذلك البلد الصغير جغرافيا الكبير بتأثراته بين مطرقة الحرب مع إسرائيل في الجنوب, وسندان امتداد آثار الأزمة السورية إليه من الشمال.