كتب - د.محمد عثمان الخشت: مما يدعو إلي السخرية الشديدة الزعم بأن الجامعة انشئت لتغييب ومحاربة شرع الله, فهذا القول يكشف جهلا شديدا, وهو عودة بمصر إلي الوراء. فجامعة القاهرة منذ إنشائها تحتضن كليتين من اعرق كليات الشريعة, وهما الحقوق ودار العلوم, كما ان أول كلية بها, وهي كلية الآداب, منبر للفكر الديني العقلاني. وهذه الهجمة غير المسئولة والمفاجئة تجهل تاريخ الجامعة الفكري ومكانتها كقلعة للمعرفة والعلوم والثقافة في الشرق الأوسط, فهي أم الجامعات المصرية والعربية, ولم تنل هذه المكانة بسبب سبقها التاريخي وحده, بل أيضا لنبوغ أساتذتها وخريجيها الذين يملأون معظم المواقع المؤثرة, ويسهمون في تشكيل مسار الأدب والعلم والسياسة علي المستوي العالمي, فهؤلاء هم خريجوها يقتطفون جوائز نوبل في الأدب والسياسة والعلم وهؤلاء هم خريجوها وأساتذتها يرأسون الحكومة المصرية, وفي كل الحكومات منذ قيام الثورة, بل وقبلها, يحتل أساتذة جامعة القاهرة مقاعد الاغلبية في كل الوزارات, كما ان أبناءها يرأسون المؤسسات الدولية الكبري, فضلا علي رواد المدارس البحثية في الشريعة والقانون والطب والهندسة والآداب والعلوم والقوائم طويلة, بالأسماء الشامخة. أنشئت الجامعة في21 ديسمبر1908, في عصر ازدهار الحركة الوطنية ضد الاستعمار, عبر اكتتاب شعبي شارك فيه جميع أبناء الأمة, واكدت الوثيقة التأسيسية قبل مائة عام أنها جامعة لكل المصريين, تفتح أبوابها لكل طالب مهما كان جنسه أو دينه أو توجهه السياسي, مما يؤكد الأهمية البالغة للجامعة العريقة في تأسيس درس الإرادة المشتركة والتعددية والتسامح في مصر والعالم الإسلامي منذ مطلع القرن الماضي. عملت الجامعة منذ إنشائها علي ضبط موقع مصر من العقلانية ومن ثم التفكير الحر والعلمي باعتباره حقا بدهيا فوق دستوري يسبق ماهو سياسي, ويعلو فوق التحزب والاختلاف الإيديولوجي, ومن ثم منحت الجامعة الإنسان المصري والعربي القدرة علي تحسين طريقة تفكيره والارتقاء بوعيه بهموم الفكر والوطن والعالم في اطار إنساني مشترك يتجاوز كل اطار عقائدي أو عرقي أو سياسي. ومن هنا فإن ماجاء علي لسان الضيف المتحدث في هذا السياق أمام الطلاب هو قول مغلوط تماما ولايستند إلي واقع ملموس أو حتي إلي فهم لمجريات التاريخ. وينبغي ان يعلم من لايعلم ان الجامعة هي منبر حر للأفكار المسئولة, بعيدا عن التعصب والتشدد وليست ساحة للتناحر العقائدي, والعراك الحزبي أو الطائفي. ومن هنا نجد من الضروري وضع آليات جديدة لحضور البعض للمحاضرات بدعوة من الطلاب فقط دون حضور الأساتذة أو المسئولين للرد علي بعض هذه المخالفات.