وكأن سماء ما بعد ثورة25 ينايرأمطرت وظائف قيادية شاغرة, أو أن هاويس صفوة الوظائف العليا فتح وعلي غير المتوقع علي مصراعيه ليغرق وزارات بعينها في حكومة شرف المستقيلة ولا أحد يدري سرهذا الكم الهائل من تلك الوظائف التي طرح أغلبها فجأة خلال فترة وجيزة للغاية لم تتجاوز ستة أيام, وتحديدا من15 سبتمبر إلي20 سبتمبر الماضي, و في وقت من أصعب الأوقات التي تعيشها مصر في العقود الأخيرة. كما يأتي في ظل حكومة تسيير أعمال من المفروض أن تقنن جميع خطوات وزاراتها, وتحد من بزخ مناصبها العليا, خاصة مع استنزاف مايقرب من نصف الإحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي, ولانقول هنا أننا نطالب من حكومة الإنقاذ للجنزوري بعدم حصول كل صاحب حق أوترقية علي حقه, ولكن هناك مايلفت النظر في عدد الوظائف المطروحة في ظل الحكومة السابقة, والغريب أن هذا العدد الكبير من هذه الوظائف المرموقة, والذي يتجاوز600 وظيفة لم تشهد مصرمثل كثافته علي مدارعقودها الأخيرة في مثل هذا التوقيت المحدود أو أضعافه, الأمر الذي يفسره البعض علي أنه كان استثمار, واستغلالا للوزارة السابقة بحكم أنها وزارة تسيير أعمال, أو أنها وزارة مؤقته للفوز بتلك المناصب المرموقة, أو فرصة ذهبية لن تتكرر, أو أن كبار الموظفين بتلك الوزارات يأبون أن تضيع الفرصة ولايغتنمونها في الإرتقاء بمناصبهم درجة أعلي, والغريب أن أغلب تلك الوظائف الشاغرة ليست حتي للمناصب المتوسطة المستوي, بل لأهل القمة كرؤساء إدارات مركزية أو مديري مديريات أومديري عموم أو...., وهناك تفاوت ومفارقات غريبة في الأعداد التي طلبتها الوزارات, والتي لم تطرح خفية بل علي الموقع الرسمي لبوابة الحكومة المصرية, فهناك وزارات بعينها كثفت طلب الوظائف وأخري أحجمت تماما وأخري طلبت في حدود المعقول. لغز الأيام الستة( الحزمة الأولي) تؤكد لغة الأرقام أن أغلب تلك الوظائف تم طرحه خلال ستة أيام فقط وتحديدا في الفترة من2015 سبتمبر الماضي, ففي الفترة من2015 سبتمبر طلبت وزارة التجارة والصناعة39 وظيفة قيادية منها11 رئيس إدارة مركزية و38 مدير عام, ويوم16 من هذا الشهر طرح الجهاز التنفيذي للهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية25 وظيفة قيادية حصرها في مسميين وظيفيين فقط هما رئيس إدارة مركزية بعدد10 وظائف و15 مدير عام, ثم هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بتاريخ17 سبتمبر بطلب3 وظائف واحدة لرئيس قطاع ونائبي رئيس هيئة, وبنفس التاريخ وامتدادا لحزمة الوظائف التي طرحتها ابتداء من4 إبريل طلبت وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة33 وظيفة قيادية متنوعة منها رئيس قطاع ونائبا رئيس هيئة ورئيسي جهاز و6 رؤساء قطاع ورئيس مجلس إدارة صندوق ورئيس منطقة تعمير ميت أبوالكوم الجديدة و7 مدير مديرية بالمحافظات المختلفة, وتلتها الهيئة العامة للرقابة علي الصادرات والواردات بتاريخ20 سبتمبر بطلب19 وظيفة منها3 رئيس إدارة مركزية و16 مدير عام, كذلك هيئة الطاقة الذرية بتاريخ24 سبتمبر وظيفتان مدير عام, ولم تخل بقية أيام الشهر المحظوظ من إعلانات نفس الوظائف المرموقة, فامتدادا لإعلاناتها التي بدأت في7 يوليو طرحت وزارة الكهرباء والطاقة بقية الوظائف القيادية بتاريخ5 سبتمبر ليصل العدد إلي15 وظيفة عليا منها رئيس هيئة تنفيذي وأمين عام هيئة الطاقة الذرية ونائب رئيس تنفيذي ورئيس قطاع ورئيس إدارة مركزية ومستشار( ب) وعدد9 مديري عام, كذلك الحال كان بالنسبة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي التي أصبحت حصيلة الوظائف القيادية التي بدأت الإعلان عنها بداية من18 إبريل حتي6 سبتمبر8 وظائف منها3 رئيس إدارة مركزية و5 مديري عام, وفي8 سبتمبر أعلنت وزارة السياحة عن4 وظائف قيادية منها رئيس إدارة مركزية و3 مديري عام, وفي10 سبتمبر طرحت وزارة التربية والتعليم وظيفة واحدة لمدير عام, وبالطبع لم يكن شهر سبتمبر هو الشهر الوحيد الذي استأثر بالإعلان عن الوظائف المرموقة بل سبقته وتلته الأشهر الأخري إلا أنه حظي بنصيب الأسد, ففي الفترة من2 مارس9 مايو أعلنت وزارة الطيران المدني عن9 وظائف منها واحدة لنائب سلطة الطيران المدني و8 مديري عام, ووزارة الثقافة طرحت في الفترة من4 ابريل إلي7 يوليو54 وظيفة قيادية منها رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة ورئيس قطاع وعدد6 رؤساء إدارة مركزية و46 مدير عام, أما وزارة المالية فطرحت33 وظيفة في الفترة من20 مارس إلي2 يوليو منها وظيفة واحدة لرئيس قطاع ومدير منطقة وثلاثة رؤساء إدارة مركزية و12 وكيل بنك و16 مدير عام. ووزارة التعليم العالي والدولة للبحث العلمي طرحت أيضا33 وظيفة قيادية منها رئيسا إدارة مركزية وأمناء جامعة وأمناء مساعدين للجامعة والكليات والمعاهد وعدد23 مدير عام, وانفردت وزارة الدولة لشئون البيئة علي الرغم من كونها وزارة بدون حقيبة وعدد موظفيها لايتجاوز ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف موظف بنصيب الأسد في عدد الوظائف القيادية التي طرحتها بعدد55 وظيفة حصرتها في مسميين وظيفيين فقط, وهما رئيس إدارة مركزية ومدير عام, أما وزارة الدولة للتنمية المحلية فاكتفت بطلب6 وظائف فقط لرئيسي إدارة مركزية ومدير عام, ووزارة النقل طلبت في الفترة من20 فبراير إلي20 أغسطس54 وظيفة منها واحدة لرئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للموانئ ونائب رئيس مجلس إدارة المخاطر و11 رئيس إدارة مركزية وعدد40 مدير عام. الحزمة الثانية وكأن قيادات تلك الوزارات تقرأ الطالع بقرب أجل وزارة تسيير الأعمال وأبت أن تتركها تمر مرور الكرام, فطرحت في أوائل شهر نوفمبر الحالي حزمة أخري من الوظائف القيادية رفيعة المستوي بدأت بالهيئة العامة للإستثمار والمناطق الحرة11/15 طرحت64 وظيفة مدير عام, هيئة الأوقاف المصرية11/19 طرحت9 وظائف منها كاتب وفني هندسي وفني زراعي ومحام وباحثون للشئون المالية والإدارية واخصائي مشروعات زراعية وأخصائي هندسي ومعاون خدمة, وزارة الطيران المدني طرحت12 وظيفة منها رئيس قطاع ونائب رئيس سلطة طيران مدني وثلاثة وظائف رئيس ادارة مركزية و7 مديري عام, وزارة التعاون الدولي11/13 وكانت قنوعة ومنصفة للوظائف البسيطة فطرحت7 وظائف منها أخصائي شئون مالية وكاتب وفني تبريد وتكييف مركزي وكهربائي سلسيون وفني تشغيل مصاعد وكهربائي سيارات وسائق موتوسيكل, وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية11/16 وظائف منهاوظيفتان رئيس ادارة مركزية وثلاثة مديري عام, ولهيئة العامة للأرصاد الجوية11/13 وظيفتان رئيس ادارة مركزية ومدير عام, ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار11/13 وظيفة واحدة رئيس ادارة مركزية, ومستشفيات جامعة القاهرة مشرف أمن, وسكك حديد مصر5 وظائف رئيس ادارة مركزية. قراءة مابين السطور: وبقراءة متأنية لما بين السطور لتلك الإعلانات الرسمية نجد أن هناك مفارقات في غاية الغرابة لاتمت للواقع بأي صلة, ومن غير المعقول أن تكون الصدفة البحتة هي التي جعلت وزارات عريقة ذات إدارات وفروع متسعة ومكتظة بملايين الموظفين والقيادات لاتشغل المراكز الأولي في مثل هذا الترتيب مثل وزارة التنمية المحلية مثلا والتي تشمل ديوان عام الوزارة والمحافظات والمراكز ومجالس المدن والمجالس القروية وكلها مجتمعة تضم ملايين الموظفين, أو وزارة الزراعة التي تضم بالإضافة إلي ديوانها العام المديريات بالمحافظات والإدارات الزراعية والجمعيات والمندوبيات والمشروعات التي تننشر في جميع أرجاء الجمهورية ويتبعها مئات الالاف من الموظفين, وغيرها من الوزارات الأخري.., وتأتي وزارة الدولة لشئون البيئة التي لايتعدي عدد موظفيها ثلاثة أو أربعة آلاف موظف في أول القائمة لطلب هذا العدد الهائل من تلك المناصب القيادية المرموقة, ذلك علي سبيل المقارنة مع شقيقتها الكبري وزارة التضامن الإجتماعي التي لم تطلب سوي وظيفة واحدة علي استحياء. وانفراد وزارة البيئة بنصيب الأسد والمركز الأول دون منازع بطرح عدد55 وظيفة عليا أبي المسئولون بها إلا أن يكون التفرد في كل شئ, خاصة في نوعية الوظائف المطروحة لقيادات القيادات فقط, فانحصرت المسميات المطلوبة لديها في مناصب رؤساء إدارات مركزية بعدد15 وظيفة و43 مدير إدارة عامة وكأن وزارة البيئة تعمل بنظام رأس برأس وهذا يعني أنها طرحت تلك الوظائف مواكبة مع بدء التفكير في تعيين صغار الموظفين بالوزارة والجهاز, والذي لم يكن للوزارة فضل فيه بل الفضل الأول للضغوط التي عانت منها الوزارة والجهاز بعد الثورة والمظاهرات التي قام بها شباب الوزارة الذين يعملون بعقود عمل مؤقته منذ سنوات طويلة, والوضع الجديد المفروض كأحد مكاسب الثورة, فهؤلاء الشباب وعددهم700 توقفت عجلة تعيينهم سنوات طويلة وصلت في بعض الحالات8 سنوات, في ذات الوقت الذي لم يكن فيه عداد الوظائف القيادية متوقفا عن تعيين وتوفيق أوضاع الكبار, وطرح المسابقات الوظيفية المفصلة علي مقاسهم, وما أكثر الترزية, ولو تم حصر عدد الوظائف القيادية بوزارة البيئة طوال فترة توقف تعيين صغار الموظفين الغلابة الذين ظلوا يعملون بعقود طيلة تلك الفترة لأيقنا أنها وزارة للقيادات فقط, فالعدد يفوق بمراحل والأرقام لا تكذب! ولن نذهب بعيدا في تحليل ذلك إذا ما نظرنا إلي الأسلوب الذي وضعه النظام السابق لوزارة البيئة, وهو أسلوب لايحتكم لا إلي عقل أو منطق أو أسلوب إدارة, يأتي وزير كان يعمل في مكان أخر فيطيح بمعظم قيادات الوزير السابق ويأتي بغيرهم من نفس فصيلة تخصصه, وليس مهما أن يصلح أولايصلح, وهناك نقطة أخري في غاية الخطورة ألا وهي أن تلك القيادات تأتي للوزارة وهي في سن متأخرة علي بعد خطوات من محطة المعاش, ولا يتبقي لها سوي عددا محدودا جدا من الشهور أو السنوات إضافة إلي ضحالة خبراتها في مجالات البيئة أو انعدامها تماما, فلا هو أكسب المنصب ميزة ولا تطور العمل, وظلم من يستحق المنصب وظلم الوطن, وضاع مع توليه شعار الرجل المناسب في المكان المناسب, وكلها أمور تعود علي العمل بالسلب, وبالطبع تلك الفترة التي يقضيها هذا المسئول فترة رخاء له يجسدها المقابل المادي الكبير والبدلات والمميزات الكثيرة الأخري التي لم يكن يحلم بها, وحتي عند خروجه علي المعاش لايحمل حقيبته ويرحل بل يحظي بمميزات ربما تكون أوسع منها, علي سبيل المثال تعيينه مستشارا وإسناد أحد المشروعات الممولة من المنح الخارجية وربما القروض وما أدراك ما تلك المشروعات, والأهم أن طرح تلك الوظائف جاء لمصلحة قيادات بعضها لم يمض علي نقله إلي الوزارة من أماكن ليس لها أدني علاقة بالتخصص الدقيق الذي سيشغله سوي أشهر قليلة وربما لايتجاوز عام أو اثنين, وهذا يخل بميزان العدالة ويطغي علي فرص كفاءات مؤهلة علميا وخبرات ممتدة في صميم التخصص, والأمثلة كثيرة.