وكأنهما أتفقا بيد أن كليهما اختار الساعة نفسها تقريباً ليطيحا بأحلام البشر وهم يغطون في سباتهم; قبل إحدي عشرة سنة ضرب الزلزال مدينة إزميت. وكانت ضربته رهيبة في أتون ليل مشبع برطوبة اغسطس الخانقة فبالكاد تنفس المواطنون حينذاك الصعداء بعد توسل دام ساعات إلي أن استجابت الجفون المسهدة للنوم وليتها ما غفلت لكنه القدر الذي لا مفر منه. أما محافظة الاذيغ الزاحفة نحو الشرق فقد عصف بها الزلزال في فجر حالك شديد البرودة وفي التوقيت الذي شعر فيه السكان المتدثرون بأكوام من الاغطية بالدفء الذي تسرب أخيرا إلي أطرافهم: فما الذي حدث؟ ولماذا؟. ولأن الأهرام سبق أن كان شاهد عيان علي كارثة17 اغسطس1999 المروعة والتي كانت مسرحها شمال غرب الاناضول فها هو يعايش مأساة أخري ستائرها لم تسدل بعد في ضفة مقابلة بالشرق البعيد الذي يقترب من جنوب البلاد, صحيح أن اعداد من لقوا حتفهم( بلغ42 شخصا) لا يقارنون مع الالاف الذين دفنوا تحت أنقاض سكاريا, وصحيح أيضا أن حجم الاضرار المادية قياسا مع الماضي قد يبدو ضئيلا إلا أن الحاصل لا يقاس بالكم فضلا علي انه كشف عن بعض القصور في معالجة الازمة وكأن دروس الكوارث لم يتم إستيعابها بعد والقائمون علي أحوال العباد يتحملون قدرا من المسئولية فلا يمكن ترك الأمور للصدف وثمة ما هو أخطر ألا وهو الخوف الذي يبدو أنه عشش وعلي نحو نهائي في افئدة البشر وبالأمس فقط( الأحد) هرع سكان اغر القريبة من شقيقتها الاذيغ إلي الشوارع بعد أن أحسوا بإهتزاز منازلهم جراء زلزال من حسن الحظ كان خفيفا في شدته. كان علي المرء أن يمضي خمسة عشرة ساعة كاملة في الحافلة التي أقلته من العاصمة إلي أن يصل لمقصده وهو مدينة الاذيغ صاحبة أحدث زلازل الاناضول خلالها كان الذهن يستعيد ذكريات مضت ومقولات من كثرة ترديدها صارت أشبه بقطعة محفوظات وجميعها تتمحور في' ان الاناضول يعوم علي حزام زلازل' وهنا كان السؤال يلح: هل تركيا مستعدة بالفعل لمواجهة الكوارث وصانع السياسات العامة في مرحلة مابعد الزالزال هل يملك خطة محددة لاستيعاب الاثار المترتبة علي الكارثة وفي محاولة لتقصي الاجابة جاء صوت المضيف يعلن الاقتراب من' شهير مركز' أي وسط المدينة لكن محدثي أخبرني أن أمامك مائة كيلو أخري كي تصل إلي القري المنكوبة. وفي سيارة ميني باص وفي إتجاه بلدة كوانجلر ظهرت الاذيغ التي يقال أن أسمها تحريف لكلمة العزيز بمبانيها التي لا تختلف معماريا عن السائد في عموم البلاد لكنها تعاني أفة النسيان وأن شئنا الدقة الأهمال فبنيتها الاساسية لن تكون أبدا كالمدن الكبري ولانها ليست سياحية رغم أن تاريخها يعود إلي2000 سنة قبل الميلاد فهي شأنها شان الهوامش طاردة لابنائها الباحثين عن عمل وحياة أفضل أما إلي أنقرة أو اسطنبول أو الي خارج الحدود والدليل علي ذلك أنه خلال83 عاما بالكاد تضاعف سكانها ليصبح نصف مليون. إذا كان هذا حال المدينة فما بالنا بالقري بيد أن الممر المؤدي لها حلزوني شديد التعقيد يأخذك صعودا وهبوطا ثم صعودا وفي المنحنيات تري قرية وفي المنحني التالي أخري وهكذا إلي أن ينتهي إلي سفح تغطيه بقايا ثلوج ويبدو أن يد التحديث لم تصله منذ سنوات طويلة وعلي أية حال فقد تشقق بفعل الزلزال ما تبق من أسفلت متهالك ولنا أن نتخيل كيف يأتي العون لتلك البؤر فرغم أن المسافة التي تفصلهاعن الطريق العام لا تتجاوز خمسة عشرة كيلو إلا انها ومن خلال الواقع المعاش تبدو نائية ومجهولة ولولا سيارت الجيش المجهزة للطرق الوعرة لتضاعفت حجم المأساة إذ كان لها اثر بالغ في تقليل حجم الكارثة والتخفيف عن المنكوبين. خمس قري بالكامل صارت بين عشية ضحاها مقابر, وبجانبها نصبت الخيام تضم الأحياء التي لا تكف ايديهم في البحث عما تبق من اشياء تحت ركام الجدران المتهدمة ينتشلون أطباقا تارة ووسادات تارة اخري و لابأس من بقايا من حطب للتدفئة, ولأنهم لن يظلوا يعيشيون تحت سقف قماش الخيام فالامل يحدوهم في دعم يأتيهم من الدولة وما أن أعلن ان رئيس الوزراء سياتي انتظروا ساعات إلي ان جاءت المروحية التي أقلته مع عدد من مساعديه لكنهم لم يسمعوا شيئا مفيدا اللهم نصيحة أسديت للجمع بألا يعاودوا بناء بيوتهم من الطين! ويالها من سخرية فكأنهم يملكون الباتون( الاسمنت والحديد) ويبخلون به عن أنفسهم ثم أن البيوت الطين وجميعها من طابق واحد او اثنين علي الأكثر بد ا معها الانقاذ سهلا وفي النهاية تساءلوا: ألم تكن بيوت سكاريا وإزميت من الباتون فماذا كانت النتيجة مئات من المفقودين لم يعثر عليهم.!!