من الطبيعي ان تزداد فعاليات السلطة في هذه الحقبة وبعد قيام الثورة, ان يصبح البرلمان الآلية الحقيقية لاستمرارية وشرعية النظام السياسي, ان تغيير الأوضاع السياسية في الوطن تجعل الاهتمام بدراسة وتفعيل العمل البرلماني ليس فقط محورية وانما مطلب ضروري لعملية التحول الديمقراطي, لقد فقدت المؤسسة التشريعية مكانتها ومصداقيتها امام المواطن نتيجة لفقدان الثقة في الانتخابات العامة من جانب ونتيجة لما أصابها من وهن وانحصار دورها علي مجرد اضفاء الشرعية علي أعمال السلطة التنفيذية. وما يدعو للتفاؤل ان البرلمان لن يشهد بعد اليوم جمودا في النخبة البرلمانية كسابق عهده وما كان كذلك من آثار سلبية علي تطور الحياة النيابية, واتوقع ان تزداد فاعلية الدور التشريعي للمجلس بعد ان كان دوره الوحيد هو اضفاء المشروعية علي سياسات الحكومة, فلم يكن الاعضاء علي مدي ثلاثين عاما المصدر الرئيسي للمبادرة التشريعية وانحصر دور البرلمان في تمرير التشريعات التي تقدمها الحكومة, ووفرت اللائحة الداخلية الضمانات لهذه الافضلية المادة140 من اللائحة لذلك فان انشاء سلطة قوية قادرة علي القيام بدورها مرتبط بتعديل اللائحة الداخلية التي تشتمل علي بنود مقوضة للعمل البرلماني ليس فقط علي المستوي التشريعي ولكن ايضا علي المستوي الرقابي. فهناك بنود تقضي بعدم ادراج الاسئلة وطلبات الاحاطة, والاستجوابات في جدول اعمال المجلس الابعد طرح الحكومة لبرنامجها مما يؤدي إلي تأخير ممارسة الاداء الرقابي للنواب خاصة عندما تتأخر الحكومة في تقديم بيانها عند بدء الدورة البرلمانية, كما ان هناك ضرورة لتفعيل استخدام الادوات الرقابية المختلفة خاصة الاستجواب الذي لم يتعد استخدامه في برلمان ما قبل الثورة إلا العودة لجدول الاعمال وأتوقع ان نري في البرلمان المقبل استجوابات قوية تؤدي إلي سحب الثقة من الحكومة اذا قصرت في اداء مهامها, ولتفعيل هذه الاداه الرقابية لابد من اعادة النظر في المادة201 من اللائحة والتي استغلتها الحكومة في ارجاء العديد من الاستجوابات علي ان تنص اللائحة الجديدة علي إلزام المجلس بمناقشة جميع الاستجوابات المقدمة قبل فض الدورة البرلمانية, وبالنسبة للوظيفة المالية للمجلس وهي اقرار الموازنة العامة للدولة فربما الامر يحتاج إلي النص في الدستور الجديد علي عرض الموازنة علي المجلس في فترة زمنية كافية قبل بدء السنة المالية حيث ان المدة الحالية شهران لاتسمح له بالقيام بدوره علي الوجه الأكمل. ان الاصلاح البرلماني ومقتضيات التغيير المنشود لابد وان تشمل ايضا النخبة البرلمانية, فاختصاصات رئيس مجلس الشعب الحالية تتميز بالاتساع والشمول بما يفوق اختصاصات وادوار رؤساء عدد كبير من برلمانات دول العالم, ولابد من وضع معايير دقيقة لانتخاب رئيس البرلمان في الفترة المقبلة بما يضمن التجرد والموضوعية وايجاد نوع من التوازن مع باقي الأجهزة البرلمانية, اما فيما يتعلق بالاعضاء الجدد الذين لم يمارسوا العمل البرلماني من قبل, والمتوقع ان يزخر البرلمان المقبل بهم فلا بد من تعريفهم بالقواعد واللوائح التي تحكم عملهم فيه وبقواعد الممارسة البرلمانية, وبالمصادر المعرفية والبحثية والفنية المتاحة لهم, ان هذه الانشطة التثقيفية اصبحت من المتطلبات الحيوية امام البرلمانات المعارضة لتفعيل ودعم دور النواب في المؤسسة التشريعية. ان البرلمان المقبل سيشهد تنوعا غير مسبوق في التيارات السياسية والانتماءات الحزبية بل وفي الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية للنواب ويجب ان يكون ذلك سببا في إثراء العمل النيابي وليس اعاقته.