لاتزال مساعي رسم خريطة جديدة للمنطقة, خاصة في مشرقها العربي, تراوح مكانها, فالحرب لإسقاط النظام السوري بما له من تداعيات, مستمرة بين أمريكا وقطر والجامعة العربية والحلفاء من جهة, وبين سوريا وروسيا والصين ومحور الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل وحلفائهم من جهة أخري علي الأصعدة السياسية الدولية والإقليمية والإعلامية والعسكرية أيضا, اعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بتسليح المعارضة في الداخل ودعتها لعدم إلقاء السلاح, وحضت علي توفير تمويل كبير لها, ووجهت روسيا بوارج حربية الي المياه الإقليمية لسوريا, وذلك الي جانب أعمال التعبئة والحشد والحرب النفسية التي تقوم بها بعض الفضائيات, برغم كشف مصدر صحفي فرنسي أن الصور التي بثتها إحداها لأطفال قتلي في سوريا علي سبيل المثال هو صاحبها والتقطها في مستشفي بالاسكندرية خلال جمعة الغضب في82 يناير الماضي؟! ففي مقابل اعتبار روسيا سوريا خطا أحمر, تضع واشنطن وحلفاؤها النظام السوري أمام خيارين.. إما الرحيل أو علي الأقل تنحي الرئيس بشار الأسد أو الحرب الأهلية بتوفير تمويل كبير وسلاح للجماعات المسلحة في الداخل, بموازاة وتصعيد تركيا الضغوط بإطلاق أول دعوة من الإقليم لتنحي الأسد ليصبح التبشير بالحرب الأهلية حملة ترهيب وترغيب للنظام وللشعب السوري في آن واحد, لكنها من ناحية أخري, تمثل أداة ترهيب وترغيب في الاتجاه الآخر أيضا, ففي حالة الفوضي سيذهب من يريد الي الحرب الأهلية, وسيذهب من يريد الي المقاومة ضد إسرائيل, والتجربة اللبنانية ماثلة, ففي ظل الحرب الأهلية نشأ حزب الله حيث باتت المقاومة بوابة الشرعية للقوي المتناحرة أمام شعبها, وهو ما تنبهت إليه الدبلوماسية الفرنسية وحذرت من كارثة في المنطقة من جراء سيناريو الحرب الأهلية, كما أن الحروب الطائفية في العراق لم تمنع المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي. وبموازاة ذلك أيضا, تستمر جهود عزل النظام السوري بمشاركة عربية مختلفة عن السيناريو الليبي, ففي حالة ليبيا جاء دعم الجامعة العربية للتدخل العسكري الخارجي( حلف الناتو) مباشرا, أما في حالة سوريا فقد اعتبرت الجامعة العربية خطة تفجير سوريا من الداخل, وتوكيل مهمة التدخل عند الضرورة لتركيا بفرض حظر جوي, وبالطلب من النظام وقف العنف من دون أن تطلب من المعارضة المسلحة إلقاء السلاح؟!!.. بينما وفرت المعارضة الغطاء للتدخل تحت بند حماية المدنيين بقرار دولي عبر مجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان, في جنيف, وهو ما يعتبره النظام إعلان حرب. في هذا الإطار, كانت اجتماعات مجلس الجامعة العربية, في اتجاه تصعيد العقوبات السياسية والاقتصادية بعد تعليق مشاركة الوفود السورية في اجتماعات مجلس الجامعة وهيئاتها, وبدت مهمة فرق المراقبة العربية المنبثقة عن البروتوكول المقترح من جانب المجلس محفوفة بالمخاطر في مؤامرة أو في سايكس بيكو الثانية, ونجاح النظام السوري في إيجاد قناعة بأنه يواجه عصابات مسلحة واعتراف الجيش اللبناني بوجود عمليات تهريب سلاح لسوريا وضبطه شحنات معدة للسفر!؟ في المقابل يواصل النظام السوري تحركه البطيء باتجاه الإصلاح, وحتي مع المعارضة المسلحة فإن مطالبة جماعات مسلحة بإطلاق سراح معتقلين مقابل إطلاق سراح مخطوفين تشي بأنه ربما هناك مفاوضات تجري تحت الطاولة, وعلي الصعيد اللبناني أعطت سوريا حلفاءها ضوء أخضر للموافقة علي تمويل المحكمة الدولية في قضية اغتيال الحريري. وباتت المواقف السياسية للأطراف المتحاربة تتأرجح علي وقع عدم نجاح فرض المعارضة المسلحة كلمتها علي الأرض حتي الآن, والتطورات الإقليمية, فواشنطن التي استدعت سفيرها من دمشق عادت وأعلنت أنها استدعته للتشاور وأنه سيعود الي سوريا بعد فترة راحة من التحريض الإعلامي ضده, وتركيا هرولت علي إيران بعد تصعيد الأكراد هجماتهم في الشرق, حيث طلبت إيران منها تخفيف الضغوط مقابل مساعدتها. وحسب مسئول لبناني كبير فإن ليبيا من الجو كما شاهدتها طائرات الناتو غير ليبيا علي الأرض, حيث تم تمكين التيارات الأصولية منها, والمعارضة لاسيما المجلس الوطني الذي تأسس في استنبول بدت أمام الرأي العام رافضة للحوار, مما يضع الجامعة العربية في حرج ويكشف طبيعة الدور القطري الذي بات حاكما لموقف الجامعة, كما ترفض سوريا الحوار خارجها حتي تحت مظلة الجامعة العربية بالقاهرة. من جانب آخر, فإن التصعيد ضد التيارات الدينية التكفيرية يكسبها قوة, وتزداد انغلاقا وانعزالا كل في طائفته مما يرشح تصعيد العنف والتطرف, ومن هنا ستنطلق الدعوي الي استعمال السياسة وتحديد بوصلة وطنية وقومية لاجهاض دور قوي التطرف وما يقوم به البعض, لاسيما شيوخ الفضائيات الذين يصفهم أنصار النظام السوري بأنهم مفتيو حلف الناتو, خاصة أن السعودية لا تنتهج طريق التصعيد العنيف برغم الضغوط الأمريكية عليها, لإعلان مطالبة الأسد بالتنحي, وذلك خشية الارتدادات الطائفية والانشغال بمستقبل الحكم الذي قد يستغل لإثارة القلاقل في المملكة. فالتهديد بحرب أهلية في سوريا تقابله تهديدات بحرب إقليمية ستطول تداعياتها أوضاع كل البلدان العامرة بالتنوع الديني والمذهبي وكل الأنظمة.. وبالطبع إسرائيل هي الهدف الأول, فإذا كانت إسرائيل من وجهة النظر هذه في أمان من جراء حالة فوضي داخلية في البلدان العربية, فهي ستكون في عين العاصفة وهدفا للجميع من جراء فوضي المقاومة!؟.. خاصة مع عودة واشنطن بسبب موقف روسيا والصين في مجلس الأمن الي الكومبارس الإقليمي بتعقيداتهم المذهبية والطائفية, حيث رشح التصعيد ضد سوريا تصعيدا في البحرين واليمن, حيث تتعرض الجامعة لانتقادات عنيفة من المعارضة اليمنية بسبب موقفها المرن من الرئيس صالح. في ضوء هذه التعقيدات تبدو المعارضة السورية أداة للضغط علي سوريا وليس كيانا سيتسلم السلطة بعد رحيل الأسد ونظم حزب البعث, وربما يفسر ذلك عدم نجاح جهود تسويقها كممثل شرعي وحيد للشعب السوري, ومن ثم تنتظر نتائج التحرك الأمريكي القطري التركي, لتعويض خسائرها من الدخول الي ساحة( استخدام السلاح) يتفوق فيها النظام السوري الحاكم, وترك ساحة( النضال السلمي) التي تتفوق فيها هي علي النظام, فحتي الآن تفشل مساعي توفير غطاء عربي أو إسلامي للتدخل الخارجي, وفي أجواء كهذه فالساحة السورية ربما تكون مرشحة لأن تشهد مرحلة اغتيالات سياسية وسيارات مفخخة واحراق لمؤسسات الدولة ومقار لحزب البعث, والساحة الإقليمية مرشحة لأن تشهد مساومات برحيل الأسد مع بقاء النظام مع إجراء مجموعة اصلاحات, فرحيل الأسد أصبح يشكل فشلا للإدارة, وتهديدا لفرص اعادة انتخاب أوباما لفترة ولاية ثانية, بعدها حرم الثوار الليبيون واشنطن وحلف الناتو من تحقيق انتصار بقتل القذافي بأنفسهم. ومن ثم جاء التصعيد الأمريكي ضد إيران, كاستهداف لرأس المحور لكن باستخدام ورقة قديمة( الإرهاب) وصفتها الصحافة الأمريكية بأنها رواية ركيكة. والخلاصة أن المنطقة باتت منطقة عمليات, والضحية هي الشعب السوري وحقوقه المشروعة, والأقليات غير المسلمة في لبنان.. والمستقبل بيد عفريت أمريكي