للبروفسور نوربرت لامرت, أستاذ علم الإجتماع ورئيس البرلمان الألماني( البوندستاج)منذ أكثر من ست سنوات,تصريحات عديدة مع بداية الثورات العربية في تونس ومصر أعرب فيها عن إعجابه بنضال وشجاعة الناس في كثير من بلدان شمال أفريقيا والمنطقة العربية من أجل الحرية ولكنه لا يكف عن التأكيد علي أنه إذا كان نيل الحرية أمرا صعبا في حد ذاته, فإن تأسيس بني ديمقراطية تعمل بنجاح بعد إنهيار الأنظمة الديكتاتورية يعد أمرا لا يقل أهمية وصعوبة. وفي هذا الحوار يتحدث نوربرت لامرت للأهرام عن تجربة المانيا مع بناء الديموقراطية وتجربتها مع الحزب المسيحي الديموقراطي الذي هو عضو فيه ويؤكد أن الشعب المصري وحده الذي يملك تحديد من يحكمه وكيف. كيف تقيم الوضع في مصر الآن؟ أوضح اولا انني لا أعيش في مصر واتابع فقط ما يكتبه الآخرون وتنشره وسائل الإعلام واري أن الوضع ليس فقط أصعب مما توقعه البعض خلال ايام المظاهرات الأولي للثورة ولكنه ربما يؤدي إلي نتائج اكثر تواضعا مما أعلن آنذاك ومما كان متوقعا. إنه أمر جيد أن تشهد مصر الآن إنتخابات جديدة ولكن مدي تأثير نتائج هذه الإنتخابات علي الأوضاع السياسية في البلاد لا يزال غير واضح. ما هي في تقديرك الأسباب التي ادت إلي تطور الأوضاع بهذا الشكل ؟ يتضح ذلك من خلال المشاورات حول وثيقة الدستور وحول توزيع الصلاحيات بين الحكومة والبرلمان والجيش ولكن هذا في النهاية أمر يجب أن يقرره الشعب المصري وليس الأوروبيين أو نحن الألمان. هناك إختلافات في مطالب القوي السياسية في مصر وهناك ايضا من المصريين من يرون أن بقاء المجلس العسكري لحين إنتهاء الفترة الإنتقالية ضروري لضمان إستقرار وأمن البلاد فما رأيك في ذلك؟ هذا السؤال يجيب عليه المصريون وحدهم فقط دون غيرهم ولكن يجب أن يعرفوا ايضا أنه لا يمكن ان تكون هناك تحفظات علي إقامة دولة القانون وفي الوقت نفسه يتم الإدعاء بتأسيسها. وأنا شخصيا اؤكد في كل مناسبة ان عملية التحول وبناء هذه الهياكل الجديدة هي عملية صعبة وانه لاتوجد خطة مسبقة يمكن السير وفقا لها والمانيا نفسها كانت نموذجا جيدا ورائعا, كيف ان كل دولة يجب ان تجد لنفسها الطريق الذي تسير عليه لتحقيق الديموقراطية وأنه لا يمكن ببساطة إستيراد نماذج جاهزة للديموقراطية من دول أخري او تصديرها إليها. في بداية الثورة المصرية وحتي وقت قريب قام كثيرون بمقارنة الثورة المصرية بالثورة السلمية في المانياالشرقية التي ادت إلي وحدة المانيا, هل تري ان هذه المقارنة في محلها؟ يجب الإشارة إلي أن هناك بعض اوجه الشبه ولكن توجد ايضا اختلافات واضحة. وأهم هذه الإختلافات بدون شك هو ان المواطنات والمواطنين في المانياالشرقية الذين نشطوا آنذاك كانوا يهدفون ويتطلعون لتحقيق إطار جديد لحياتهم وظروفهم المعيشية,وهو الديموقراطية التي شاهدوها في المانياالغربية وفي بقية انحاء اوروبا ورأوا أنها هي النظام الأصلح لهم. ولكن إذا نظرنا للأمر من منظور مصر فسنجد انه لا يوجد مثل هذا النموذج في الدول المجاورة وفي المنطقة, وهذا بدوره يوضح كيف أن هذه التطورات التي يشهدها بلد ما ترتبط إرتباطا شديدا بظروفه وتاريخه وثقافته وخبراته. كيف يمكن ان يستفيد المصريون من تجربة الشعب الألماني في بناء دولة ديموقراطية؟ أتحفظ للغاية في الإجابة عن ذلك وأري أن تحديد ما إذا كان هناك شيئ يمكن ان يتعلمه المصريون منا من عدمه هي مهمة المصريين انفسهم.وسأقدم لك مثالا متكررا علي ما اقول, فكثيرا جدا ما يسألنا الكوريون الجنوبيون الذين يعانون ايضا من تقسيم الكوريتين, عما يمكن أن يستفيدون منه من خبرتنا مع انهاء تقسيم المانيا. وتكون إجابتي عن هذا السؤال دائما عليكم انتم ان تقرروا ما إذا كان هناك شيئ ما يمكن الإستفادة منه ام لا لأنكم اكثر دراية منا بظروف بلدكم وربما كان ما نعتبره نحن نجاحا باهرا ليس نموذجا يحتذي به بالنسبة لكم او لا يمكن نقله إلي بلادكم. لهذا السبب اعلنا في المانيا مبكرا اننا نتابع بتعاطف كبير التغييرات في مصر والدول العربية التي تهدف للتحول نحو الديموقراطية وإشراك الشعب في الحكم وإجراءإنتخابات حرة لإنتخاب حكومة ذات شرعية, ومن جانبنا يسعدنا ان نقدم كل مساعدة تطلب منا ولكننا لا نطمح في الإجابة عن أسئلة يتعين علي المصريين انفسهم الإجابة عنها. المانيا تقدم دعما كبيرا لمصر في عملية بناء المؤسسات الديمقراطية وتوعية المواطنين من خلال افرع مؤسساتها السياسية في مصر ولكن اليست المساعدات الإقتصادية ضرورية الآن في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها الإقتصاد المصري؟ إذا لم يخني إنطباعي فإنه توجد دول قليلة في العالم حصلت علي مدي العقود الماضية علي دعم إقتصادي من المانيا كالذي حصلت عليه مصر.لذا لا يمكن لأحد أن يتهمنا بأننا نمتنع عن تقديم المساعدات الإقتصادية وأنه اصبح لدينا طموح للتبشير السياسي في مصر بدلا من تقديم المساعدة الإقتصادية لها. كما أن كل المؤسسات السياسية تعمل في مصر بشكل شرعي وقانوني وهي جزء من فلسفتنا فهي مؤسسات إجتماعية وليست تابعة للدولة. لذا اري أنه من الحمق في ظل ظروف التحول الحالية وهو أمر حدث في المانيا ايضا بعد إعادة توحيد شطريها أن يتم التلاعب بالتغييرات السياسية والإقتصادية او محاولة وضع ترتيب معين لها في حين أنه في الحقيقة لا يمكن تحقيق تغيير سياسي دون تغيير إقتصادي والعكس وايضا في حالة مصر لا بد ان تسير البلاد بشكل متواز علي طريق التغيير السياسي والإقتصادي. هل من مصلحة المانيا ان تصبح مصر دولة ديموقراطية حتي لو تسلمت السلطة فيها حكومة ذات توجهات إسلامية وإنتهجت سياسة مختلفة عن ذي قبل؟ نحن مقتنعون بحق كل البشر في تقرير كيف يعيشون وفي إختيار من يحكمهم, لذا فإن محاولة الفصل بين نتائج الإنتخابات التي يمكن إعتبارها مقبولة وبين تلك النتائج التي تعد غير مقبولة, هذا التصور يعد في نظري منتهي الغرور. خاصة وأنه يساورني شك في أن هذا احد اكثر الأسباب االتي تذكر لتبرير إستمرار وجود الحكم العسكري في السلطة بدلا من إجراء إنتخابات حرة. هذا يعني انه لا مشكلة لديكم في وصول الإخوان المسلمين لسدة الحكم في مصر طالما أن مصر ستكون دولة ديموقراطية حرة؟ لقد ذكرت بنفسك الشروط الرئيسية لذلك, أن تكون دولة ديموقراطية حرة, فلا يجب السماح للقناعات الدينية أن تكون سببا لإستبعاد أحد من النشاط السياسي وفي الوقت نفسه لا يجب أن تتحول المعتقدات الدينية في إطار دولة القانون إلي توجه شرعي ملزم لجميع المواطنين في بلد ما. وفي المانيا إرتبطت البداية الجديدة بعد الدمار الشامل في الحرب العالمية الثانية بحزب جديد تماما تأسس علي أساس المعتقد الديني وهو الحزب المسيحي الديموقراطي وكان فوزه في الإنتخابات مفاجأة للجميع وتمكن من الإستمرار في السلطة علي مدي عقود ولكن هذا الحزب لم يضر المانيا لأن الدستور الالماني ضمن في الوقت نفسه ألا تصبح القناعات الدينية لغالبية أعضاء هذا الحزب الذي إنتخبته الاغلبية, بمثابة توجها ملزما لجميع افراد المجتمع الألماني. كيف يدعم البوندستاج الالماني الربيع العربي؟ لقد كان رد فعلنا سريعا إزاء التغييرات في الدول العربية وقررنا علي سبيل المثال ترجمة اكبر عدد من النصوص الاساسية الموجودة علي الموقع الإلكتروني للبرلمان من الألمانية للعربية حتي يتمكن كل من يرغب في الإطلاع ليس فقط علي دستورنا وإنما ايضا علي قانون الأحزاب الالماني ولوائح تمويل الأحزاب ولوائح الشفافية وقواعد السلوك الخاصة بأعضاء البوندستاغ. كما أن هناك نشاط المؤسسات الألمانية في مصر كما ذكرت والتي إفتتحت مكاتب لها أو كثفت نشاطها وهي تضع برامجها بشكل حر رغم تمويلها من الدولة وتتنافس مع بعضها البعض وهي تدعم المجموعات التي تساهم في عملية التجديد في مصر. ثالثا اود الإشارة إلي انني التقي بإستمرار في المطارات بخبراء ألمان وقانونيين في ويخبرونني انهم عائدون للتو من تونس او القاهرة حيث القوا محاضرة ما او لبوا دعوة مؤسسة ما. ويسرني كثيرا هذا التبادل غير الرسمي غير الموجه من الدولة, لأن اي توجيه مركزي من الدولة يثير شكوكا بأننا نحاول ممارسة تأثير ما وهذا ما نرغب في تجنبه في جميع الأحوال.