تذكرت قولة عمر بن الخطاب( رضي الله عنه) الشهيرة: أخطأ عمر وأصابت امرأة عندما اعترضت امرأة علي عمر في منعه حقا منحه الله للنساء, فتدارك عمر الموقف ورجع الي الحق الذي نبهته اليه امرأة وقال كلمته الشهيرة التي روتها كتب التراجم الاسلامية وغيرها من كتب التراث المرتبطة بالأحكام الفقهية الخاصة بالنساء.. ولكن أرجو أن يسمح لي بأن أقوم بتحريف كلمة عمر وتغييرها, لكن مع الابقاء علي دلالتها الأساسية المقترنة بالعودة الي الحق في قضايا المرأة, وعدم حرمانها من حق لايمنعه الدين أو الدستور أو المواثيق الدولية, وقد أعجبني مقالة المستشارة نجوي صادق المهدي بعنوان قرار المجلس الخاص بقبول تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة لايجوز سحبه أو إلغاؤه أو ارجاؤه وشرحت فيها المستشارة نجوي وهي نائبة رئيس هيئة النيابة الادارية الأسباب القانونية التي تجعل من قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة الأخير بخصوص تعيين المرأة قرارا باطلا, لايصمد أمام اي نظر قانوني سليم, وقد بنت المستشارة دفاعها عن حق المرأة, وبطلان حق الجمعية العمومية فيما ذهبت اليه, علي محاجة قانونية ومنطقية يقبلها أي عقل منصف, ويحترمها أي فكر مستنير, بل يري في كاتبة المقال نموذجا لعقل المرأة الذي يجادل بالتي هي أحسن علي سند من القانون والتفكير السليم, وذلك بما يصغر معه أي رأي معاد لعمل المرأة في مجلس الدولة, وقد اقتنعت شخصيا وأنا رجل صعب إقناعي إلا بالحجة القوية, بما انتهت اليه المستشارة نجوي صادق المهدي من أن قرار المجلس الخاص لمجلس الدولة الذي سبق أن قرر فتح باب الاعلان عن وظائف جديدة يتقدم اليها المتفوقون والمتفوقات من خريجي كليات الحقوق هو قرار لايجوز سحبه أوالغاؤه أو ارجاؤه ويعني ذلك أن ما انتهت اليه الجمعية العمومية لمجلس الدولة من قرار بما يشبه الاجماع انما هو مجرد رأي, لايلزم المجلس الخاص ولايفرض عليه رأيا. وبعد أن قرأت رأي المستشارة الفاضلة, وقبلها قرأت مقال المستشارة تهاني الجبالي القاضية الجليلة بالمحكمة الدستورية, قرأت ماكتبه المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض المستقيل الذي أحمل له كل التقدير والاحترام, وذلك في مقاله المرأة والمنصة العالية المنشور في المصري اليوم( السبت2010/3/6 م) وقد استغربت ما جاء في المقال وصدمت, ولم أستطع سوي أن أسترجع صدي جملة عمر بن الخطاب وأقول لنفسي: أخطأ الرجل وأصابت المرأة, فالسيد المستشار بعد أن يقوم بشرح آليات العمل بمجلس الدولة وبعض القوانين المنظمة له ينتقل الي ملاحظة في غاية الحسم والايجاب, وهي تقرير أن الشريعة الاسلامية لاتمنع تولي المرأة القضاء لأنه لايوجد نص صريح قاطع في هذا الشأن ويعني بذلك أن تعيين المرأة قاضية أو عدم تعيينها لايدخل في باب العقيدة الدينية ولاعلاقة له بها وأنه مسألة مدنية خالصة, ولاعلاقة له بالكفاءة العلمية, فما أكثر المتفوقات علميا من النساء اللائي يتمتعن بما لايتمتع به الرجال من علم وخبرة.. وهذا قول صائب ورأي سديد لايمكن إلا أن نوافق السيد المستشار الجليل عليه ونزجي الموافقة بالتحية علي حسمه أمر نفي التذرع بالدين فيما لاينبغي أن يدخل التبرير الديني طرفا فيه. لكن الاصابة تفارق المستشار الجليل عندما يذهب الي أن ماتقوم به الصحف ووسائل الإعلام من نشر آراء مدافعة عن حق المرأة, فيما سلبتها اياه الجمعية العمومية الأخيرة لمجلس الدولة, انما هو نوع من الارهاب الفكري لايصح أن يصدر ممن ينادون بالديمقراطية وحرية الرأي الآخر ولايفوت المستشار أن يغمز الحزب الوطني الذي يستحق الغمز واللمز, أما اتهام المدافعين عن حق المرأة, مقابل رجعية قرار الجمعية العمومية, بأنهم يقومون بارهاب المجلس فهو قياس مختل يناقض المستشار فيه مواقفه, فهو يقبل الرأي المختلف ويدعو اليه, وقد استقال من منصبه تأكيدا لاختلافه, ولذلك كان الأجدر به أن يحترم اختلاف المختلفين مع اعضاء مجلس الدولة والمعترضين عليه, فكما أن المجلس اتخذ قرارا يتعارض مع الدستور والمعاني القانونية للمواطنة, ولم يأبه بالمواثيق الدولية التي وافقت عليها الدولة, فمن الأولي أن يمنح المجلس والمدافعون عنه, مثل المستشار الخضيري, الحق نفسه للمعارضين والمتضررين. ولايكتفي المستشار الخضيري بل فانه يكشف عن سلفيته عندما يؤكد أن ظروف العمل في مجلس الدولة لاتناسب المرأة لأن هذه الظروف تتعارض مع رعاية المرأة أولادها والاهتمام بزوجها, فضلا عن صعوبة إمكان الانتقال والسفر عليها وأخيرا العذر الشرعي المتمثل في الحمل والولادة, ولذلك ينتهي المستشار الخضيري الي أن تجربة تعيين القاضيات التي تمت هي تجربة فاشلة لم يشعر بفائدتها سوي حاملي المباخر الراغبين في الوصول الي المناصب أو البقاء فيها, أما القضاة فلم تعد عليهم التجربة الا بمزيد من العبء في العمل وينتهي المستشار بالنهاية غير المنطقية وهي أنه لايرفض المرأة القاضية من حيث المبدأ وانما رفضه مرهون بظروف معينة فاذا تلاشت الظروف يمكن اعادة النظر في الأمر, وأعترف أنني ضحكت كمدا من حجج المستشار الخضيري وليسامحني علي الضحك لأنني ماتصورت أن قاضيا يصل الي مقام المستشار الخضيري من العلم والمكانة يقول هذا الذي قال, فما معني أن الرفض مشروط بظروف مؤقتة, هل تتغير المرأة فلا تلد ولاتكون انثي بالمعني الذي نعرفه في المستقبل؟ وكيف فشلت تجربة يكفيها أنها أظهرت قاضيات مثل تهاني الجبالي في المحكمة الدستورية وعشرات مثلها في القضاء العادي ومستشارات من طراز نجوي صادق المهدي؟ وهل يمكن بالقياس نفسه ياسيادة المستشار أن نمنع تعيين السفيرات لأنهن يتركن المنزل والأطفال؟ وماذا عن تولي المرأة منصب الوزيرة؟ هل كان من الممكن رفض تعيين عائشة راتب وزيرة لأن الظروف لاتسمح؟ علما بأن عائشة راتب حكم القاضي السنهوري لصالحها عندما اعترضت علي رفض مجلس الدولة تعيينها, وماذا عن وجود أكثر من رئيسة دولة لدولة اسلامية مثل باكستان وسيريلانكا؟, اتق الله ياسيادة المستشار وعد الي المنطق السليم, وتذكر وأنت رجل قانون أنك بما ذهبت اليه تخالف المادة(40) من الدستور التي لاتمايز بين الرجل والمرأة علي أي أساس وتساوي بينهما في كل الحقوق والواجبات, وتخالف بالقدر نفسه نصوص الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع اشكال التمييز ضد المرأة التي أصدرتها الأممالمتحدة ووقعتها مصر, واعتمدتها قانونا في البلاد, ولاأظن أن هذه المخالفات تليق برجل قانون ميزانه العدل والإنصاف وهدفه أن يكون مجلس الدولة قلعة الحرية بحق, والمؤكد أن هذه القلعة لن تضيء بالفكر السلفي الرجعي, وإنما بالفكر المستنير الذي يحترم متغيرات الزمان, ويضع مصر في المكانة التي تستحقها والتي سبقتها اليها اليمن والسودان.. تصوروا؟!! المزيد من مقالات جابر عصفور