عاشت مصر خلال الآونة الأخيرة واقعا أقل ما يوصف بأنه واقع مؤلم علي كل مصري وطني يرفض أن يري سقوطا لدولة القانون وهيبة الدولة, بسبب ما انتشر في بعض محافظات مصر من قيام المواطنين بتطبيق الحدود بأيديهم, أو ما يعرف إعلاميا بحد الحرابة في بعض محافظات مصر لأكثر من خمس عشرة واقعة. وهو ما يكشف عن خلط ربما يكون غير متعمد بين حق الفرد وحق الدولة والمجتمع في تغيير المنكر, أو حماية أمن المجتمع والحفاظ علي حقوق مواطنيه, حيث يعكس فهما خاطئا لمقاصد الشريعة وأحكامها ومبادئها, باعتقادهم أنهم ينفذون شريعة الله, ويقيمون عدله, وهو ما يستوجب تسجيل ملاحظتين مهمتين لإجلاء حقيقة الشريعة الاسلامية وضوابط تطبيقها, وهما: أولا- أن تطبيق شرع الله وصلاح البلاد يرتبط بشكل مباشر بتنفيذ حد الحرابة, وهو من أحكام الشريعة الإسلامية, وهو ما حددته الآية القرآنية الكريمة: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض, ذلك لهم خزي في الدنيا, ولهم في الآخرة عذاب عظيمالمائدة(33), بما يعني أن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين تعد من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فسادا المستحقة للعقاب الذي ذكرته الآية الكريمة, سواء وقع ذلك علي النفس أو المال أو العرض, أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق, ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقري أو في الصحاري كما هو القول الراجح من آراء الفقهاء. ثانيا- من له الحق في تنفيذ القانون وإقامة العدالة هو الدولة والقضاء, وليس عوام الناس, فالتهم لا تؤخذ بالشبهات والاتهامات المرسلة, بل بالأدلة القاطعة والعادلة حتي لا يقتل بريء أو يسحل مظلوم أو تقطع الرقاب بالوشاية الكاذبة. أخذا في الاعتبار أن هذا ليس مجالا للدفاع عن البلطجة أو الخروج علي القانون. وإنما التساؤل الجوهري الذي يثيره هذا الأمر لماذا اللجوء إلي الشرطة والذهاب إلي المحاكم والنيابات إذا كان متاحا إصدار الأحكام فورا وتنفيذها علي قارعة الطريق؟ وارتباطا به كيف يتم تحديد المتهم أصلا إذا كان الجناة عشرين أو مائة أو قرية خرج نصف سكانها لسحل بلطجي, أو بعض اللصوص, وتقطيع جثثهم, وتعليقها علي أعمدة الإنارة؟ والإجابة القاطعة علي هذه التساؤلات تتلخص في ان الحاكم او من ينوب عنه القضاة هم الذين يتولون إثبات نوع الجريمة والحكم فيها, فإذا ثبت لديهم أنها من المحاربة لله ورسوله والسعي في الأرض فسادا فإنهم مخيرون في الحكم فيها بالقتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف أو النفي من الأرض, بناء علي اجتهادهم, مراعين في ذلك واقع المجرم وظروف الجريمة وأثرها في المجتمع, وما يحقق المصلحة العامة والخاصة فيه. جملة القول إن الفهم الخاطئ لأحكام الشريعة الاسلامية هو ما يؤدي الي الخروج عن ضوابط تطبيقها, فتغيير المنكر كما ورد في الحديث النبوي الشريف:من رأي منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان, لا يعني تغيير الناس للمنكر بأيديهم وقيامهم بتطبيق الحدود, لأنه افتئات علي حق المجتمع والدولة, ويؤدي إلي فوضي وترويع للمجتمع وتطبيقا لشريعة الغاب بعيدا عن شرعية القانون المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها,وحتي لا يقع بإنكاره باليد ما هو أنكر من المنكر الذي أنكره,. وإنما التغيير باليد هي مهمة الحاكم وأجهزة الدولة من القضاء والشرطة منفردا, في حين أن التغيير باللسان مهمة مشتركة للحاكم وأجهزة الدولة والفرد معا شريطة الالتزام أيضا بالضوابط الشرعية في تقديم النصح والإرشاد, ليظل التغيير بالقلب مهمة كل إنسان بألا يقع في الخطأ. لمزيد من مقالات عماد المهدى