شهدت ولاتزال تشهد المنطقة العربية انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان, ويأتي المشهد السوري ليعكس بلا أدني شك ابشع صور هذه الانتهاكات, التي يرتكبها رئيس عربي ضد شعبه من بني جنسه وعشيرته, وتدلل ايضا مثل هذه الجرائم عن واقع حقوق الانسان في المنطقة العربية. فلا غرو ان نفرا من الرؤساء العرب لايزال يخال نفسه يعيش في العهود الغابرة, والتي استقرت علي افساح كل المجال الداخلي لسلطان الدولة. وولايتها الإقليمية السيادية تكريسا لمبدأ السيادة المطلقة, والذي لم يعد تقوم له قائمة في العهود الحاضرة بعد التطور الكبير الذي لحق بركب العلاقات الدولية, وهنأ به الأفراد من بني البشرية. ومن الطلي ايضا, أن نظرية السيادة المطلقة التي يعتنقها القادة والرؤساء في الانظمة الشمولية تلكم التي تعتنق ايديولوجية شاملة واحدة وغيرها من الانظمة المستبدة كافة, اصبحت لا تستقيم مع أي نظام اجتماعي وسياسي, لما تقتضيه الحياة الاجتماعية من تقييد لحرية اعضائها وخضوعهم المتبادل حفظا لكيانها وتحقيقا لنموها وتقدمها, فضلا عن أن فكرة السيادة تتناقض مع فكرة سيادة القانون, ويصبح القانون الدولي مجرد وهم. لقد عميت بصيرة النظام السوري والمدافعين عنه عن أن الدولة ليست غاية في حد ذاتها, وإنما هي وسيلة لإسعاد رعاياها, وهي في جميع الاحوال تخضع للرقابة الداخلية, سواء كانت سياسية أو قضائية أو إدارية أو شعبية, كما شلت الإرادة الانسانية للإدارة السياسية للدولة السورية, فلم تدرك أن هناك لايزال مايسمي بالمجتمع الدولي يستطيع أن يتدخل ان شاء في الداخل السوري, وأن هناك توافقا انسانيا عالميا ان ثمة جرائم تصدم البشرية في ضميرها, وتهدد السلم والأمن الدوليين في صميمه, وتقوض النظام العالمي في بنيانه, وتهدم عماد القانون الدولي ذاته, وأن هذه الجرائم لفظاعتها تستدعي وتستوجب الحماية الدولية للمواطنين الابرياء في سوريا, الذين هبوا عن بكرة أبيهم يجهرون ويزأرون مطالبين بالعيش الكريم, بعد أن ملوا الليل البهيم الذي فرضه عليهم نظامهم المستبد الغشيم. لقد شهد العقد الأخير من القرن المنصرم بزوغ مفهوم السيادة كمسئولية حيث نادي العديد من الفقهاء بحق بل وواجب الدول بالتدخل من أجل حصول الضحايا علي المساعدات الانسانية, وحماية حقوقهم الاساسية الممتهنة من قبل أنظمتهم اللانسانية, حيث أضحي ينظر للدول بحسبانها أدوات في خدمة شعوبها, وليست باعتبارها سوط عذاب وأداة إرهاب ضد افرادها, وفي بداية الالفية الجديدة بدأت تتبلور امارات وملامح المفهوم الوليد الذي يغمطه النظام السوري الواجب في الحماية والذي يوجب علي الدولة حماية مواطنيها من ناحية, ويوجب أيضا علي الجماعة الدولية التدخل لحماية هؤلاء, من ناحية أخري. لقد درج كل من مجلس الامن والجمعية العامة لمنظمة الاممالمتحدة في اصدار العديد من القرارات الدولية, والتي تعزز من مفهوم الواجب في الحماية الانسانية الدولية, عوضا عن مفهوم التدخل الانساني, وما القراران الأخيران رقما1970, و1971بشأن الحالة الليبية, اللذان تبناهما مجلس الامن بموجب الفصل السابع من ميثاق منظمة الامم, من أجل الحماية الانسانية للمدنيين العزل, الا تأكيد علي تطور وترسخ ذلك المبدأ, والذي يجد سنده القانوني وأساسه الشرعي في مباديء وقواعد القانون الانساني الدولي العرفي. ويقصر البعض, مفهوم الحماية الدولية علي التدخل العسكري المسلح, وهذا التنظير لا يستقيم مع واقع ممارسات الدول والمنظمات الدولية, حيث توسلت منظمة الأممالمتحدة بوسائل ناجزة فاعلة في ذلك الشأن, وكانت المناطق والمدن المحمية في البوسنة والهرسك من هذه الآليات التي تبنتها المنظمة الأممية لحماية البوسنيين هناك, كما عدت المحاكم الجنائية الخاصة والهجين التي أنشأتها أو ساهمت في انشائها منظمة الاممالمتحدة لوقف وردع ارتكاب جرائم الابادة الجماعية, وغيرها من الجرائم, في يوغوسلافيا السابقة, ورواندا, وسيراليون, وتيمور الشرقية وكوسوفا وكمبوديا, والبوسنة والهرسك, وبنجلاديش من بين الآليات الفعالة التي عكست مبدأ الواجب في الحماية الدولية. ولقد أثبتت الاحداث الأخيرة في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من البلدان العربية أن من كانوا يرددون عبارات العمالة الاجنبية و الاجندة الخفية وغيرها من اباطيل,هم الذين يتآمرون ويتلاعبون بحقوق الانسان ومقدرات الشعوب, ومن عجب أنهم دشنوا وجندوا في ترديد مثل هذه العبارات زمرة من الذين ارتضوا علي أنفسهم التنكر للقيم الانسانية, والتهرب من المسئولية الاخلاقية. إن أوراق خريف البعث الخرف, لن تصمد أمام رياح الربيع العربي العاتية, وان دماء الشعب السوري الذي نزف, ستضمده أصوات العدالة الصداحة العالية, وأن قسوة ذلك النظام ووحشيته لن يمنع انجباس بوارق الرحمة والشفقة لدي من يزيح ذلك النظام.