أطلقت مؤسسة الفكر العربي الأسبوع الماضي المرصد الإحصائي مأرب, وهو أول مرصد إحصائي للمحتوي العربي الرقمي علي الإنترنت, يقوم بفهرسة وتصنيف وتبويب مواد المحتوي العربي علي الإنترنت منذ عام1992 وحتي31 ديسمبر2011, وعنوان المرصدhttp://arabdigitalcontent.com/, ويقوم بتصنيفه موضوعيا علي439 نصنيف تشمل مجالات الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد والتعليم والبحث العلمي والحياة الاجتماعية والانسانية والشئون العسكرية والامنية, كما يحلل توزيعاته علي8 قنوات نشر رئيسية علي الانترنت هي المواقع والمنتديات والمدونات وفيس بوك وتويتر وشبكات الصور والقوائم البريدية ويوتيوب, ويقدم تحلبلات وافية حول الخصائص الفنية والقيمة المادية والعائد الاقتصادي للمحتوي الرقمي العربي. وبالتوازي مع ذلك أطلقت المؤسسة التقرير التأسيسي للمحتوي الرقمي العربي الواقع والتحديات والدلالات, وهو تقرير ضخم يرصد حركة التطور الزمني للمحتوي العربي وتوزيعاته الجغرافية علي البلدان العربية والاجنبية, ويناقش الاوضاع الاستراتيجية للمحتوي العربي, من مختلف جوانبها الفنية والسياسية والاقتصادية. قام ببناء المرصد وإصدار التقرير جمال محمد غيطاس الكاتب الصحفي بالأهرام والدكتور خالد الغمري استاذ لغويات الحاسب بجامعة عين شمس, وقام بالأعمال الاستشارية للمرصد والتقرير الدكتور عماد بشير الأستاذ في دراسات المعلومات وتكنولوجيا الإعلام بالجامعة اللبنانية, وبإشراف عام للدكتور سليمان عبدالمنعم الأستاذ بجامعة الاسكندرية وأمين عام مؤسسة الفكر العربي. تم في هذا التقرير الوصول إلي عينة قوامها20 مليونا و451 ألفا و84 وحدة من وحدات المحتوي, مسحوبة من مليونين و744 ألفا و412 قناة من قنوات النشر مدونات مواقع منتديات شبكات اجتماعية.. ألخ, بواقع مليونا و284 الفا و484 تدوينة مسحوبة من178 الفا و584 مدونة, ومليونا و396 الفا و609 فيلم فيديو مسحوبا من314 الفا و724 حسابا وقناة علي يوتيوب وشبكات الفيديو الاخري, و588 الفا و275 صورة مسحوبة من66 الفا و507 حسابا علي موقع فليكر وغيره من شبكات الصور, ومليونا و547 الفا و196 تغريدة علي تويتر مسحوبة من مليون و325 الفا و266 حسابا علي تويتر, و5 ملايين و79 الفا و91 مشاركة بالشبكات الاجتماعية مسحوبة من مليون و859 و960 صفحة ومجموعة علي فيس بوك وجوجل بلس, و3 ملايين و318 الفا و648 مشاركة مسحوبة من35 ألفا و25 منتدي, و6 ملايين و215 ألفا و713 نصا مسحوبة من126 ألفا و380 موقعا, وقد غطت هذه العينة فترة زمنية تمتد من عام1990 وحتي2011, وتغطي المحتوي المكتوب باللغة العربية والمنتج من22 دولة عربية و66 دولة مختلفة حول العالم, وتتضمن وحدات التحليل ملفات ملحقة أو مرتبطة بها تبلغ126 مليونا و12 ألفا و281 ملفا, بين نص وصورة وفيديو وبي دي إف وغيره, تمثل ما أمكن الوصول إليه من محتوي مكتوب باللغة العربية علي الإنترنت خلال هذه الفترة. انتهي التقرير إلي أن المحتوي العربي الرقمي علي الإنترنت يبدو كيانا قزميا في عالم الإنترنت, ففيما يتعلق بنطاقات الاسماء المستخدم علي سبيل المثال تم إحصاء ما يزيد قليلا علي126 ألفا من النطاقات المستخدمة عربيا في فئة المواقع, في حين أن الرقم المعلن عالميا يصل إلي120 مليونا و232 ألفا و717 نطاقا, تقدر إحدي الدراسات أن نصيب المحتوي العربي الرقمي من نطاقات الأسماء يمثل0.162% من النطاقات المستخدمة عالميا, وكشف التقرير عن أن المحتوي العربي الرقمي يتوزع جغرافيا علي طريقة القلب النابض والأطراف الضامرة, أي أن هناك منطقة جغرافية تمثل قلب المحتوي وبها قدر واضح من النشاط والحيوية, ومناطق أخري واسعة المساحة يتصف إنتاجها من المحتوي بالقلة أو الندرة, ويبدو ضامرا لا تظهر به علامات الحيوية والقدرة علي الإنتاج والنمو,فمنطقة القلب شديدة الكثافة تضم تشكل77% من إجمالي عناصر المحتوي العربي, وتتوزع هذه الكمية الضخمة من المحتوي علي المحتوي غير المعروف الجنسية أو المجهول الجغرافي, والمحتوي المكتوب باللغة العربية ومنتج خارج الدول العربية, ثم السعودية ومصر, والمنطقة متوسطة الكثافة تضم6.8% من إجمالي المحتوي العربي الرقمي وتقع في ثلاثة دول هي الكويت وسوريا والعراق, والمنطقة خفيفة الكثافة وتضم باقي الدول العربية وتضم16.3% من إجمالي المحتوي العربي الرقمي ككل, وبذلك يكون متوسط نصيب كل منها في عناصر المحتوي العربي1.1% من إجمالي المحتوي. من حيث التصنيف الموضوعي للمحتوي العربي اتضح أن مقدمي المحتوي من أصحاب المواقع والمدونات والمنتديات وخلافه, والمتلقين للمحتوي من الجمهور بمختلف شرائحه, يغلب عليهم الميل نحو المحتوي الرقمي الاستهلاكي الترفيهيي سطحي النزعة, فالمحتوي الرقمي العربي في معظمه يركز علي العناصر أو المواد التي يمكن توظيفها في الاستهلاك السريع, سواء كان هذا الاستهلاك عبارة عن ترفيه يصل إلي حد الشذوذ إحيانا, أو عبارة عن استهلاك لسد حاجة روحية مثلما هو الحال عند من يركزون علي نشر ومطالعة المواد الدينية, أو استهلاك لسد حاجة بدنية مثلما هو الحال مع من يركزون علي إنتاج واستهلاك مواد لها علاقة بالصحة واللياقة والطبخ والمرض والعلاج وخلافه, وفي مقابل ذلك يخفت إلي حد كبير إنتاج واستهلاك المواد أو عناصر المحتوي التي تساعد في بناء المعرفة وتنمية العقل وترشيد التعامل مع التحديات الكبري والحاسمة علي الساحة وفهمها, أو التي يمكن القول أنها تنتقل فيها العلاقة بين المنتجين والجمهور من مستوي المنتج والمستهلك السلبي إلي مستوي الشريك والشريك الإيجابي اللذان بينهما علاقة تفكير وفهم مشترك للواقع العربي ومستقبله. من المشكلات العميقة التي كشفها التقرير مشكلة جودة المحتوي, فقد وجد أن نسبة المحتوي الأصيل المتفرد غير المتكرر الذي لا يتم تناقله ونسخه وإعادة نشره بين قنوات النشر المختلفة في المحتوي العربي الرقمي يصل إلي20.5% فقط, أما الباقي فهو يعاني بدرجة من درجات التكرار والنسخ والنقل.كما وجد أن39.6% فقط من المواقع العربية مصنفة علي معيار جودة الكود كمتوسط عام, أما الباقي ويقدر بحوالي60% فأهملته الجهات التي تقوم بهذا النوع من التقييم, إما لأن الكود سييء إلي درجة لا تستحق التقييم أو لأن المواقع نفسها مهملة وغير معروفة وغير مرصودة من قبل هذه الجهات, ووجد أن90.4% من المواقع العربية مهملة وزياراتها لا تستحق الرصد, ونصف المواقع التي دخلت التصنيف مصنفة في مستوي الزيارات الأقل من خمسة آلاف زيارة متفردة في اليوم, ووجد أن75% من المواقع التي تقدم محتوي عربي وخضعت للدراسة غير مصنفة علي مؤشر زمن المكوث, أما المواقع المصنفة فوجد أن الطول الاكثر شيوعا في زمن المكوث علي المواقع التي تقدم المحتوي العربي يتراوح بين دقيقة إلي خمس دقائق, وكشف التقرير عن أن53.3% من المواقع العربية غير متوافقة مع شروط ومتطلبات محركات البحث ومن ثم فهي عرضة لأن تكون غير مرئية أو واجه صعوبات وعقبات في الوصول إليها عن طريق محركات البحث. أظهر التقرير تباينات كبري في أوضاع المحتوي العربي علي قنوات النشر المختلفة, فهو في بعضها عريق لا تنقصه الصلابة التي تدفعه للمستقبل, وفي بعضها شائخ ويتراجع متجها نحو الانزواء, وبعضها يحمل قيمة مضافة واضحة, والبعض الآخر خاويا بدرجة تجعله أقرب إلي بالونات الهواء, ويمكن القول أن المحتوي الرقمي العربي عبر قنوات النشر ينقسم إلي الفئة العريقة الغاربة التي تتجه للأفول وتسجل معدلات نمو دالة علي بدء دخولها مرحلة الضمور, وهذه تضم المدونات والمنتديات والقوائم البريدية بصفة خاصة, والفئة الفتية البازغة التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة, وتتسم بتسجيلها معدلات نمو كبيرة تنبيء بمزيد من الانتشار مستقبلا, وتضم الشبكات الاجتماعية كالفيس بوك وتويتر وشبكات الفيديو, فيما تقف المواقع في منزلة بين المنزلتين, تجمع بين العراقة والقدرة علي الاستمرار بقوة وحضور في المستقبل. وأكد التقرير أن الاوضاع الاستراتيجية العامة للمحتوي العربي تحمل مكامن خطر عديدة يتعين الالتفات لها سريعا, فالمحتوي العربي الرقمي يتأرجح استراتيجيا بين حالتين من الخطر والانكشاف, إحداهما اضطرارية لا يملك لها حلا وليس له فيها دورا, وتشمل ما يتعلق بخطوط وبوابات الربط الدولية الناقلة للمحتوي والمتمثلة في الكابلات البحرية الرئيسية بين البلدان العربية وشبكة الإنترنت عالميا, والنظم الأربع الرئيسية لإدارة شبكة الإنترنت, وهذه جميعا يبدو فيها المحتوي العربي مكشوفا أمام مخاطر جمة بلا أدني قدرة علي لعب أي دور, . أما حالة الانكشاف الاختيارية فتتمثل في الحاسبات الخادمة المؤمنة المسئولة عن تشغيل وإدارة المواقع والمحتوي الموجود بداخلها, فهو جانب يمكن للعرب الاختيار بين الوقوع تحت تأثيره أو تفاديه وامتلاك السيطرة عليه, ومع ذلك سجل العرب تقصيرا واضحا, فقد اتضح أن83% من الحاسبات الخادمة للمواقع التي تقدم محتوي عربي موجودة في أماكن غير متاح عنها بيانات في مصادر البيانات الخاصة بهذه النوعية من الحاسبات, ومن ثم لم يتبين هل هي تحت سيطرة وإدارة بلدانها, أم موجودة خارجها وتوجد لدي آخرين من خارج الوطن العربي, وهذه مساحة من المجهول المثير للقلق علي أوضاع البنية التحتية الداعمة للمحتوي العربي, كما اتضح أن16% من إجمالي الحاسبات الخادمة التي تخدم المواقع الموفرة للمحتوي العربي موجودة خارج الوطن العربي, أما الحاسبات الخادمة التي تدير مواقع تقدم محتوي عربي وتقع داخل الدولة صاحبة الموقع فتصل إ1.1% فقط. وخلص التقرير إلي بعض نقاط القوة التي يتمتع بها المحتوي العربي الرقمي, في مقدمتها أنه محتوي يعبر بوضوح عن الواقع العربي ويرتبط به بوضوح, فهو تارة يعكس ما فيه من تيارات فكرية وعقائدية وميول اجتماعية, وتارة يعكس ما به من تفاعلات سياسية وأحداث كبري جارية, بل واستطاع في كثير من الأحيان أن يحقق تعبيرا حيا ولحظيا عن هذا الواقع, ويكون ساحة للتنفيس والبوح بما يختلج في عقل وفكر الإنسان العربي ولا يستطيع التعبير عنه في الواقع الفعلي, وقد تجسد ذلك في الشريحة الواسعة من المحتوي التي حملت خواطر العرب ومشاعرهم وآلامهم وطموحاتهم, وكذلك الشريحة التي تمحورت حول الشأن الخاص وقضاياه كما سبق التوضيح, ولا ومن نقاط القوة المهمة في المحتوي العربي أن جمهور هذا المحتوي علي قلته في كثير من الأحيان ومزاجه الحاد الذي يقوده للتركيز علي قضايا أو قنوات نشر بعينها في أحيان أخري يتسم بكونه جمهورا نشطا, يتجاوز في نشاطه ما يقوم به مقدمو المحتوي, ويتمثل هذا النشاط في التفاعلية العالية مع المحتوي التي تتجاوز قابلية ومستوي اهتمام مقدم المحتوي أحيانا, كما هو الحال في المدونات التي اتضح فيها أن ردود وتعليقات الجمهور وتفاعلهم مع بعض المدونين والنشطاء, تفوق كثيرا تفاعلية المدون نفسه مع الجمهور وردوده عليهم. برزت هذه النقطة القوية بجلاء أكثر عند مناقشة الحضور الحكومي والحضور الجماهيري بالمحتوي العربي الرقمي علي الإنترنت, حيث انتهت التحليلات في هذه النقطة إلي أننا بإزاء شعوب قافزة وحكومات عاجزة أو شعوب تقفز في كل اتجاه وبسرعات كبيرة وعلي ارتفاعات عالية داخل ساحة الإنترنت, لتحتل وتستحوذ علي مساحات واسعة تتزايد معدلات سريعة من هذا المحتوي, وفي المقابل هناك حكومات عاجزة, تحتل مساحات أقل تصل في بعض الاحيان إلي أرقام يصعب تمثيلها إحصائيا, ومن ثم فالجمهور يملك ويبادر, والحكومات وتقوم فقط بردود أفعال قليلة في حجمها محدودة في كفاءتها.
