تتسارع الأحداث في الفاتيكان علي نحو يضع مستقبل الكنيسة و البابا الجديد علي المحك. فما لبث الأسبوع الأول من المباحثات التمهيدية بين الكرادلة, أن كشف عن صراع بين معسكرين رئيسيين في الكنيسة الكاثوليكية, قد يأخذ منحني أكثر خطورة. وكان الصدام الأول حول موعد انعقاد المجمع المغلق المكلف بانتخاب البابا الجديد. فبعد أن رتب الجهاز الاداري للفاتيكان المشهد بحيث يتم التعجيل بانعقاد المجمع حتي قبل انقضاء المهلة التي ينص عليها قانون الكنيسة علي شغور الباباوية(15 يوما), جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن, وعرقل الكرادلة من كنائس عبر البحار بدء انعقاد المجمع المغلق حتي يوم12, منتقدين الاندفاع الذي تدير به ادراة الفاتيكان المرحلة. في حين قفز ملف التحقيق في فضيحة فاتيليكس إلي صدارة النقاش, ليكون بمثابة اللغم الذي زرعه البابا بنديكت قبل أن يغادر. فقد تزامن إعلان البابا استقالته, مع تسرب أنباء حول تسلم البابا نتائج تحقيق حول فضيحة تسريب وثائق سرية( عرفت إعلاميا بفاتيليكس) من مكتبه في مايو الماضي. وفي الوقت الذي أشارت فيه صحيفة كورييرا ديلا سيرا إلي' ضغوط خفية و متواصلة' دفعت البابا إلي الاستقالة, كشفت صحيفة لاربوبليكا الايطالية, عن محتوي الملف الذي يقع في300 صفحة. وأشارت إلي شبكة مصالح اقتصادية داخل الفاتيكان يتخللها الابتزاز الجنسي, وذلك ضمن انتهاكات أخري جسيمة للوصيتين السادسة و السابعة( لدي الكاثوليك) لاتزن و لاتسرق. وبعد أن أعلن الفاتيكان أن ملف التحقيق قد تم إيداعه خزانة داخل المقر الباباوي, بحيث لا يمكن لأحد الاطلاع عليه سوي البابا الجديد, تراجع قبل ساعات من دخول استقالة بنديكت حيذ النفاذ في مساء28 فبراير ليعلن أن أجزاء من نتائج التحقيق سيتم اطلاع بعض أعضاء المجمع عليها. لكن الكرادلة القادمين من شتي البلدان ونادرا ما يلتقون علي معرفة المزيد من المعلومات حول التحقيق. ليتبلور بذلك معسكرين في مواجهة بعضهما. الأول يقوده الجهاز الاداري للفاتيكان والذي يترأسه حاليا تارشيزيو بيرتوني سكرتير عام الدولة والذراع اليمني للبابا المستقيل حتي قبل تنصيبه. و يغلب علي هذا المعسكر الصبغة الايطالية والأوروبية. والثاني, يضم الكرادلة من خارج أوروبا ممن ساءتهم سياسة الفاتيكان إزاء الكثير من القضايا, و يقود لواء هذا المعسكر نحو11 كاردينالا أمريكيا أعضاء بالمجمع. وقد نقلت صحيفة ووال ستريت جورنال عن الخبير ساندرو ماجيستر, أن ملف تحقيق فاتيليكس يؤثر علي المجمع وتشكيله بغض النظر عن إعلان نتائجه أم لا. ويضيف أن الجهاز الإداري للفاتيكان خائف من استهدافه لأي سبب داخل الملف, ويسعي إلي اختيار بابا' يستوعب'الأمور. وتصاعدت حدة اللهجة, حتي أصدر الكاردينال الأمريكي فرانسيس جورج أسقف شيكاغو, تحذيرا في تصريحات ل شيكاجو تربيون بأن أي صلة للبابا المحتمل برجال دين متورطين في استغلال أطفال جنسيا سواء عن قصد أو غير قصد ستجرده من الأهلية. ودعا إلي التدقيق في المرشحين لتجنب المفاجآت, وانتخاب من يتمسك بسياسة عدم تسامح مطلق إزاء الجناة. دفعت هذه التصريحات, إدارة الفاتيكان إلي إجبار الكرادلة الأمريكيين علي التوقف عن إصدار تصريحات صحفية, ووقف مؤتمرهم الصحفي الذي كان يعقد يوميا في العاصمة روما, بذريعة الحفاظ علي سرية الاجتماعات التمهيدية قبل انعقاد المجمع المغلق. إلا أن هذه ال مناورة من جانب إدارة الفاتيكان, وقفت عاجزة أمام سيل من النشطاء والمدافعين عن ضحايا الاستغلال الجنسي في الكنائس الكاثوليكية, الذين ينشطون حاليا بالعاصمة الايطالية روما. وقد انبروا في عقد المؤتمرات الصحفية اليومية. فنشرت شبكة الناجين من استغلال الرهبان اس ان ايه بي( أمريكية) قائمة سوداء بأسماء نحو12 كاردينالا تستروا علي فضائح استغلال جنسي. وتضم القائمة اسمي تارشيزيو بيرتوني الذي تصفه وسائل الإعلام الايطالية ب رجل الفاتيكان القوي. وأنجلو سودانو عميد مجمع الكرادلة. واكب ذلك ظهور فضيحة أخلاقية جديدة إلي العلن, اتهم فيها هذه المرة الكاردينال دومنيكو كالكانيو اسقف مدينة سافونا الايطالية السابق واثنين من الرهبان بسبب تسترهم المنهجي علي جرائم جنسية ضد أطفال في الكنيسة. غذي هذا المحيط الصراع داخل أسوار المدينة المقدسة, في وقت تتسرب فيه أنباء عن عمليات حشد للأصوات داخل المجمع وراء مرشحين من انتماءات مختلفة. فمن جهة يبرز اسم أنجلو سكولا أسقف ميلانو كمرشح للجهاز الإداري للفاتيكان, ويؤيده أنصار الوضع القائم. في المقابل, كشف تقرير لوكالة أنباء آنسا الايطالية عن جهود يبذلها الكرادلة الأمريكيين للدفع بمرشح اصلاحي من خارج أوروبا. و يحاولون التنسيق في هذا الصدد مع كرادلة أمريكا اللاتينية وإفريقيا. وبينما يحبس العالم أنفاسه انتظارا لظهور البابا الجديد.. فلاشك أن معركة إعادة بناء الكنيسة ستبدأ مع إعلان اسمه.