قد ترحب بك صافي ناز كاظم, بحرارة, وقد تفتعل معك شجارا, حتي لو كنت تقول لها: مساء الخير. أنت وحظك مع هذه الطفلة التي بلغت, خلسة,75 عاما, ومازالت تصدر للناس الشوك وتحتفظ لنفسها بالبراءة. إنها، كأى جوهر مفقود، انقسمت على ذاتها بين رغباتها تجاه الفن وانتمائها للدين، هكذا عاشت، فى الماضى، بقلبين فى جوفها، والمعركة التى درات بينهما هى على احتكار النبض واحتكار اليقين. كاظم، حين تخلت عن الشكوك، كانت تساوم لإنقاذ إيمانها. والآن، وقد التأمت.. أصبحت تسمع الموسيقى وتقرأ القرآن بقلب واحد، أصبحت "حالة" أكثر منها أى شىء آخر. ولكى أعرف جذور الحالة، سألتها، أولاً، عن حصة الطفلة فيها، وهى، بعد ما رمتنى بنظرة مستريبة فى شخصى وفى أسئلتى، قالت: •أنا مازلت طفلة، لدرجة أننى كلما نظرت فى المرآة وجدت أمى، لا "صافى" التى أعرفها •ما الذى ورثتيه عن أمك ؟ •الشجاعة والتحمل •وماذا ورثت عنك ابنتك ؟ •نفس الشىء •حدثينى عن المشترك بينكم..أنت وهى وأحمد فؤاد نجم ؟ •أنا أفهم نجم أكثر مما يفهم نفسه. فنه من النوع الغريب الممتع، وقد تزوجته من باب الفداء..قلت هذا الرجل يستحق أن أفديه. ولذلك سميت زواجى به عملية استشهادية... •( مقاطعاً بلطف ) ما المشترك بينكم ؟ •نحل مشاكلنا بالنكتة •ما الذى تكرهينه فى نجم ؟ •الكذب •كيف هى المصادفة فى حياتك؟ •أنا سيدة قدرية جداً. ودائماً ما أردد: الحمد لله الذى لم يجعل نشر مقالاتى بيد غيرى. أنا أطلب من الله دائماً أن يقدم لى الخير. ولذلك فأى شىء يأتينى، حتى لو كان شراً، أعتبره خيراً • أشعر أن هناك ، فى أعماقك، شخصية صوفية ؟ •أنا لا أحب الصوفيين، انا أحب الله فقط، ولى علاقة مباشرة به. حتى عندما كنت فى السجن، كنت أخشى أن يحسدونى •على ؟ •لأنى غير مفتونة، وقد اكتشفت، الآن، أن ما وقع علىّ من ظلم كان أجمل شىء حدث لى. يكفى أننى لم أخن ولم أتورط، ولم احُسب على أحد سوى الله •هل تشعرين أنك محل عناية الله شخصياً ؟ •الله يعتنى بكل خلقه، حتى العصاة منهم، يبتليهم ، ليغفر لهم. صدقنى لا أكتب شيئاً، منذ أن بدأت الكتابة، إلا دعوت الله: هب لى من لدنك مقالاً صالحاً يقربنى إليك •قولى لى.. هل ثمة حادثة مباشرة وراء فرارك إلى الله ؟ •نحن جيل سرق من دينه، وقد تربينا فى مرحلة كشف العورة، تربينا على تأفف إحسان عبدالقدوس من عدم لبس " المايوه"، كان الجو العام كله يحرض على ذلك. المهم أنه أثناء الحج، بصحبة والدتى المسنة، فى أغسطس 1971، أخذت أشكو إلى الله حرقتى وتعرضى للظلم فى عملى. ظللت أطوف بالكعبة، بدموع حارة، وأنا أدعو على الظالمين، وبعد العودة من هناك، بدأت أقرأ دينى بشكل أعمق، وإن رافقتنى الأسئلة، عن الحلال والحرام منذ الطفولة. الدين ملجأ دائم، نحتاجه، لأننا بالضرورة نمر بأزمة، لكن هناك، للأسف، من يعتقد أن فى التدين قهراً، مثل الهندى الذى ينام على المسامير. بينما ديننا لا يرغمنا على شىء فوق طاقتنا •ألم يمسك طائف من شك ؟ •على الإطلاق •عدم الشك..أهو وفرة فى اليقين ؟ •وجود الله هو الشىء الطبيعى الذى يتسق مع الفطرة. وفطرتى كانت واضحة لى. •ما الذى تخليت عنه، من أجل الله ؟ •الرغبة فى التأنق، كان من الصعب علىّ أن ألبس غطاء الشعر. لم أكن أطيقه، لكننى لبسته من باب الاستقامة على دين الله. ذهبت إلى خياطة اسمها سوسن الصاوى، ابنة أخت سعاد حسنى ومصممة ملابسها، وقلت لها: أريد زياً كهذا. وبالفعل وجدت صيغة مناسبة تجعلنى أرتاح للحجاب •فى أية أزمة شعرت بأن الله قريب منك؟ •حين عدت من أمريكا، عام 1966، ومعى ماجستير فى النقد المسرحى، تكالب علىّ الجميع وعلى رأسهم على الراعى وفوزى فهمى ورجاء النقاش ( بالمناسبة: هناك أكذوبة..أن رجاء هو أول من قدم شعراء الأرض المحتلة، والصحيح أن غسان كنفانى هو أول من كتب عنهم)، المهم.. ظللت أحارب 5 سنوات لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن المسرح. الآن أنا أكره المسرح، لا يهمنى ما يحدث له •تعالى نتكلم عن المرأة..هل الدراما والكتاب هم من جعلوا من المرأة لغزاً يصعب حله ؟ •ولا لغز ولا يحزنون..هذه كلها حواديت •إلى أى حد نجحت المرأة المصرية فى نيل ما تريد؟ •هناك حالات غبن وقعت على المرأة فى مصر، إنما تحايلت عليها وحصلت على ما تريد. الشعب المصرى كله، يعرف كيف يلفّ ويدور، ليأخذ حقه • والآن ؟ •طبعاً واخد حقه. شوف.. أنا انتخبت محمد مرسى وسأنتخبه مرة أخرى، إذا ترشح للرئاسة، رغم أخطائه، لأن معارضيه لا يقفون ضده من أجل هذه الأخطاء، بل لأنهم يريدون الزعامة، ويريدون هدم الحكومة والنظام القائم، دون أن يكون لديهم بديل. • هل فقدنا البوصلة باتجاه المستقبل ؟ •لا..( ثم أشارت كاظم إلى لوحة أعلى رأسها، مرددة ما بها.. " إن الله بالغ أمره ") •يقال دائماً إن كل عصر عظيم يسبقه أو يصاحبه عنف واضطراب ؟ •يا أستاذ بهاء..قالت لى صديقة بالأمس، فى سب هذا العصر،..إننا نعيش الأسوأ، فرددت عليها.. وما رأيك فى 67..هل كنا نعيش الأفضل؟ لقد عاصرت نكبة فلسطين والكوليرا فى الأربعينيات، وإعدامات الثورة والعدوان الثلاثى..إلخ. كل ذلك جاء ومر، وسوف تنقضى هذه الظروف الصعبة •أعود إليك..ما الشىء الذى ظللت تبحثين عنه طوال الوقت ولم تجديه ؟ •لا شىء •والشىء الذى وجدته، دون عناء أو بحث ؟ •الفرحة التى تلازم قلبى • هل يحل الإيمان التناقضات التى بداخل كل منا؟ •تكلمت، فى كتاب لى، عن الحزن، والحق أننى كنت أكذب. حتى وأنا أتكلم عن الحزن كنت أكذب فأقول: الحزن الأخضر. هناك فرق بين أن تواسى البشر وبين أن تكون حزيناً. لو أننا نحب الشهداء ونصدق أنهم كذلك، ما حزنا عليهم. الشهادة ليست لقباً يمنح، بل حقيقة، فلماذا نحزن عليهم، إذا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون. التناقضات تبدأ حين تقول ما لا تعنى، وهنا يأتى دور الإيمان، ليوحدك •أنت، بطبيعتك، ثورية ؟ •نعم •الإيمان يروض الثورة بداخلنا ؟ •الإيمان يجعلك واعياً بحقك فى الثورة، إذا كان معناها تصويب الواقع إلى الحق •من من الكتاب والمطربين وقراء القرآن يملأ عينيك؟ •الكاتب، بالنسبة لى هو حسن سليمان، رحمه الله، وهناك أيضاً أسامة غريب وحمدى عبدالرحيم وبلال فضل وشاب اسمه محمد فتحى، وكاتب اسمه عبدالمنعم رمضان..هو مش" أوى" لكنه كاتب كويس جداً جداً. ومحمد عبدالوهاب وإمام عيسى من المطربين. أحببت فيروز، فى فترة ما، لكننى لا أطيق الآن سماعها. أنا أعالج نفسى الآن بالموسيقى، وصوت الشيخ مصطفى اللاهونى والحصرى وعبدالفتاح الشعشاعى •وعبدالباسط والشيخ رفعت ؟ •لا أستطيع سماع عبدالباسط ولا عبدالحليم حافظ •فيمن تناسلت من الكتاب، بحيث تعتبرينهم ذريتك الفكرية ؟ •لا أعرف •ما الشىء الجوهرى الذى تعتقدين أنك تحوزينه، دون بقية الناس ؟ •الثقة بالنفس، وجرأتى على أن أقول: أنا حلوة •تعتبرين ذوقك الشخصى معياراً ينبغى أن يعمم؟ •على الإطلاق •ومن من الممثلين؟ •أفتش عن بنات سمير غانم فى كل القنوات، وأهرب، طبعاً، من أمهما هربى من إلهام شاهين • يرى البعض أنك تخترعين أعداء، إن لم تجديهم؟ •محض افتراء من أعدائى •وماذا عن الكتابة.. يقال إن ما نكتبه هو صورة باهتة لما فكرنا فيه ومر بخيالنا ؟ •بالعكس..عندما أعيد قراءة ما كتبت، أفرح به، وأندهش من أننى كتبته •ألا تتجاوزين نفسك، أو تنكرين الكتاب الماضى؟ •هناك، مثلاً، كتابى " رومانتيكيات"، الصادر سنة 70 ، كلما قرأته، أحببته أكثر •ما الكتابة ؟ •فرج •هل تتقاسم القديسة والهوائية قلبك ؟ •لست قديسة ولست هوائية، أنا إنسانة تستعصم بالله •درّست " هاملت" للطلبة فى جامعة بغداد..هو أم "دون كيشوت، تجدين بداخلك رواسب منه؟ •أنا، مثل هاملت، أقسو، لكى أكون رحيمة •تلائمك الحياة، كما هى، أم أن شهوة إصلاح العالم ما زالت تراودك ؟ •الله خلقنا، لنعبده، والصلاة والصوم إعداد للمسلم الذى يُصلح العالم •ما الخطأ الذى تقعين فيه، كلما حاولت تجنبه ؟ •لسانى..مرة قالت لى سناء البيسى..اقطعى لسانك ده ودوسى عليه، هتخشى الجنة •لسانك زالف أم صريح، أزيد من اللازم؟ •مشكلته فى الآداء..يذكر دائماً الجانب الكاريكاتورى فى الناس •تحبين الناس كجماعة وتكرهينهم فرادى؟ •أحب البشر، لكنى لا أطيق أن يطبق أحد منهم على نفسى، أو يخرط على قلبى " بصل". لا أحب من يناوئنى أو ينكد علىّ •ما الفارق بين التهكم والسخرية والفكاهة ؟ •التهكم حرام..استغلال العاهات جرم، والسخرية شكل من أشكال التهكم. أما الفكاهة فهى شىء ظريف •ألم تتورطى فى التهكم؟ •ممكن، لا أذكر • ما الشىء الذى تعتبرين نفسك حجة فيه ؟ •المسرح والكتابة •لمن تكنين احتراماً قلبياً خالصاً ؟ •وديع فلسطين، والسفير شكرى فؤاد، وطارق البشرى، طبعاً •هل تعدد الصحف يعنى ازدهار الصحافة ؟ •تعددها واختلافها رحمة •أعتقد أن النقطة التى ينتهى عندها الفن ، غير تلك التى يبدأ منها الدين ؟ •كلاهما جديلة واحدة، ديننا كله فن، لكن الدين لا يلتقى بالابتذال باسم الفن. هناك فرق بين الفن والفُجر •ألم تنقسمى على ذاتك بين الفن والدين ؟ •لم يحدث، على الإطلاق •ألاحظ أنك تحبين بعنف وتكرهين بعنف ؟ •هذا صحيح •متطرفة المشاعر ؟ •لا، أنا موضوعية جداً •بسيطة أم معقدة أم مركبة ؟ •مركبة •هل أنت راضية عما فعلت ؟ •نعم •ما الذى كان بودك أن تفعليه ولم يحدث ؟ •كان نفسى أعزف بيانو، وعود وأركب بسكليتة وأتعلم العوم •كيف تثمنين مشوارك مع النقد المسرحى ؟ •أنجزت شيئاً، لكنه نزل على حجر صوان •ختاماً.. كيف ترين صافى ناز كاظم ؟ •عندما كنت أعمل فى القنصلية المصرية بشيكاغو، وكان رئيسى فى العمل هو المستشار الصحفى محمد عبدالجواد. مرة، وقد وصل غيظه منى إلى الحلقوم، قال لى: إنت كده..حاجة ربنا عملها، وقال لما تعجبكوا اعملوا عليها طلبية، لكن ما حدش عمل! •واستغرقت فى الضحك مع السيدة التى دخلت عليها متحفزاً ، وخرجت من عندها صديقاً. لكن قبل الخروج سألتها: كيف تتدخل الأسئلة لإفساد الإيمان؟ •كل الحيل الإنسانية صارت محلولة الألغاز، ولذلك كرهت فراستى. لا تدع الأسئلة تفتنك.