قام عدد من أصحاب القرار والخبراء من مالي وفرنسا واليونسكو بإعداد خطة عمل لانقاذ تراث مالي الثقافي, وصون المخطوطات الثمينة للبلاد. وذلك أثناء تظاهرة أقيمت ليوم واحد في مقر اليونسكو وأكدوا ان اليونسكو ملتزمة بدعم جهود مالي الرامية إلي إصلاح تراثها الذي نالته أضرار جسيمة من قبل جماعات مسلحة احتلت مناطق كثيرة من البلاد في العام الماضي. فأثناء قيام هذه الجماعات باحتلال مدينتي تومبكتو وغاو, ألحق متطرفون أضرارا بمواقع التراث العالمي للبلاد ودمروها. كما أنهم حاولوا تدمير مكتبات البلاد الثمينة. وقد شمل الحدث سلسلة من العروض والمناقشات بمشاركة برونو مايغا, وزير الثقافة في مالي, وأوربلي فيليبيتي, وزيرة الثقافة في فرنسا, ومديري التراث الثقافي في مالي والمتاحف والمكتبات. جاء هذا الحدث عقب الزيارة التي قامت بها إيرينا بوكوفا, المديرة العامة لليونسكو, بصحبة الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند إلي مالي, وبعد النداءات المتكررة لليونسكو الداعية إلي صون التراث الثقافي للبلاد. أعلنت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو, أن المنظمة ستبذل قصاري جهدها لحماية التراث الثقافي العظيم لمالي وإعادة بنائه, مضيفه أن هذا التراث هو'' جزء أساسي من هوية البلد وماضيه ومستقبله, ومن شأن ترميمه وإعادة بنائه أن يعطي شعب مالي ما يلزم من قوة وثقة ليبني الوحدة الوطنية من جديد وينطلق نحو المستقبل'' واكدت ان اليونسكو تعمل كل ما في وسعها لمساعدة شعب مالي علي كتابة صفحة جديدة في تاريخه, وذلك بروح تلاحم الوطني. وبات هذا الأمر ملحا للغاية في ضوء ما تشهده مالي حديثا من تصاعد في وتيرة أعمال التدمير المتعمد للتراث. ولن تألو اليونسكو جهدا في المساعدة علي إعادة بناء مقامات تمبكتو ومدفن أسكيا في غاو. وتعمل المنظمة علي تعبئة كل ما لديها من خبرات وموارد للمساعدة في حماية المخطوطات القديمة التي تقف شاهدا علي الماضي المجيد لهذه المنطقة بوصفها موقعا رئيسيا للثقافة الإسلامية. وإنني أدعو جميع الشركاء إلي الانضمام إلينا في هذا العمل''. مشيرة الي ان اليونسكو تعتزم إيفاد بعثة الي مالي وقتما تسمح الظروف الأمنية بذلك من أجل إجراء تقييم شامل للأضرار وتحديد الأكثر إلحاحا. وستتيح هذه البعثة استكمال خطة العمل التي تعدها اليونسكو مع حكومة مالي وتوجيه جهود إعادة البناء والترميم علي نحو أفضل. واضافت ايرينا بوكوفا أن مساجد تمبكتو الكبيرة الثلاثة(جينغاريبر وسانكوري وسيدي يحيي) والمقامات الستة عشر ادرجت في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام.1988 وأدرج مدفن أسكيا بمدينة غاو في القائمة خلال عام.2004 ونتيجة لتدمير11 مقاما من المقامات المذكورة وباب مسجد سيدي يحيي في يوليو2012, أدرج الموقعان في قائمة اليونسكو للتراث العالمي المعرض للخطر. وعمدت المنظمة, خلال النزاع إلي تزويد القوات المسلحة التابعة لمالي وفرنسا وتشاد بخرائط طوبوغرافية لحمايتهما من القصف. وأوضحت المديرة العامة أن''الخطر الأكبر في هذه الأوضاع المضطربة هو الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية لا سيما المخطوطات القديمة الموجودة في مالي'', مشددة علي أهمية اتفاقية اليونسكو لعام1970 في هذا الصدد. ووجهت المدير العامة في هذا الإطار نداء جديدا إلي المسئولين في البلدان المجاورة لمالي والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية(الانتربول) والمنظمة العالمية للجمارك وكل الجهات المعنية بسوق الفن, داعية إياهم إلي التحلي بالحذر لحماية جميع القطع الثقافية في مالي من أعمال التصدير أو الاتجار غير المشروعة. واوضحت المديرة العامة أن'' هذه الكنوز ثمينة وهشة للغاية وعلينا بالتالي أن نتحرك بسرعة'' ويوجد في عدد من المجموعات الخاصة والعامة في تمبكتو ما يقارب300 الف مخطوط. ويعود الكثير من هذه المخطوطات إلي القرنين الثالث عشر والسادس عشر وقد وضعها علماء من المدينة وخارجها وكان يجري تبادلها في الأسواق القديمة لأفريقيا الشمالية والأندلس والبلدان الواقعة في أقصي شرق المنطقة العربية. ويكمن الطابع الفريد لهذه المخطوطات القديمة في أنها تشهد علي عظمة حضارة دامت الف سنة كانت تتعمق في عدة مواضيع منها الدراسات الدينية والرياضيات والطلب وعلم الفلك والموسيقي والأدب والشعر والهندسة المعمارية. وساعدت اليونسكو في عام1974 علي إنشاء مركز أحمد بابا البحثي الذي يتضمن حوالي40 الف مخطوط تمت رقمنة نحو10 الاف. واكدت المديرة العامة اعتزام اليونسكو التعاون مع أصحاب المجموعات العامة والخاصة لضمان صون هذا التراث الوثائقي علي نحو فعال, ولرقمنة المخطوطات كلما كان ذلك ممكنا. في ختام يوم تضامن اليونسكو مع مالي, صدرت خطة عمل لحماية المخطوطات وتحدد خطة العمل هذه ثلاث أولويات هي: إصلاح التراث الثقافي الذي لحقت به أضرار أثناء النزاع, وذلك بدعم فعال من المجتمعات المحلية, واتخاذ تدابير من شأنها حماية المخطوطات القديمة المحفوظة في هذه المنطقة, وتوفير أنشطة تدريبية لإعادة تهيئة الظروف الملائمة لحفظ وإدارة التراث الثقافي, ولاسيما المخطوطات, وتقدر التكاليف اللازمة لتنفيذ هذه التدابير بأكثر من11 مليون دولار., وتشمل هذه الخطة بوجه خاص اتخاذ تدابير تخص مواقع التراث العالمي والممتلكات الثقافية التي تحظي بحماية بموجب التشريعات الوطنية, ومن المقرر القيام بأنشطة معينة لمدينة تومبكتو وضريح أسكيا في مدينة غاو ومدينة جيني القديمة ومنحدرات باندياغارا( بلاد الدوغون عن المتاحف والمواقع وعناصر التراث غير المادي التي تحميها التشريعات الوطنية. ومن المقرر أيضا اتخاذ تدابير ذات طابع عام تخص صون ورقمنة المخطوطات, فضلا عن اعتماد خطة لتنفيذ أنشطة تدريبية من أجل تعزيز قدرات صون التراث الثقافي في مال.