خير ما يعبر عما نحن فيه الآن هو مشهد السيدة التى التقت حمدين صباحى مصادفة فصاحت فيه بكل مل تحمله نفسها من مرارة " انتو السبب فى اللى مصر فيه ...كل واحد فيكم كانت عينه على الكرسي " هكذا لخصت ببساطة أسباب ما آلت إليه مصر الآن .. منذ تصارعت القوى الليبرالية مع بعضها قبيل انتخابات الرئاسة ولم تتوحد ككتلة وراء مرشح واحد وحمدين صباحى نفسه رفض عرض د. عبد المتعم أبو الفتوح بالتحالف سويا على أن يقبل صباحى منصب نائب الرئيس خصوصا وأن المرشحان كانا الأكثر شعبية فى الشارع والأقرب إلى حلم الدولة المدنية رغم انتماء أبو الفتوح إلى التيار الإسلامى إلا أنه كان رمزا للوسطية الإسلامية المعتدلة وكان ذلك كفيلا بحصده لأصوات الغالبية ..وبحت أصواتنا من مطالبة المرشحين بالتكتل وراء مرشح واحد ..لكن حب الظهور لدى مرشح حصل على بضعة آلاف وآخر يريد أن يلحق بآخر عربة فى القطار وثالث بهره بريق السلطة والمحصلة أننا وجدنا أنفسنا بين مطرقة الإخوان ممثلة فى مرشحها محمد مرسي وسندان عصابة الحزب الوطنى ممثلة فى أولئك الذين كانوا قد بدأوا فى الظهور مجددا والدعاية لابن نظام مبارك أحمد شفيق أملا فى الحياة من جديد تحت اسم جديد وليس هذا محض تخمين ففى كل محافظات مصر كان رجال الحزب الوطنى يدعمون بقوة أحمد شفيق ويؤكدون للجميع أنهم عائدون ...هذا ما قد فات وليست استعادته محاولة للتأسى على أحوالنا ، لأن البكاء على اللبن المسكوب لا يفيد ..لكنها محاولة لقراءة ما يحدث حاليا ، لأن مرشحى الرئاسة السابقين المعارضين حاليا أو أقطاب جبهة الإنقاذ يلعبون نفس اللعبة فهم يفكرون فى مصالحهم لا فى مصر ويحسبون مكاسبهم وهم يكرهون الإخوان أكثر من حبهم لمصر لذلك فهم يعلنون مقاطعة الانتخابات ويرفضون الحوار مع مؤسسة الرئاسة إلا بشروط ..فهل هذا هو ما سينقذ مصر! ..إن ترحيبهم بالحوار يفقد مؤسسة الرئاسة أى حجة للمضى قدما فى سياسة " لا نرى ..لا نسمع ..فقط نتكلم " وسيكسبهم تأييدا شعبيا وبالتالى ثقلا سياسيا كقوى تعبر فعلا عن المعارضة من أجل الشعب لا من أجل المعارضة ..وينبغي إلى جانب ذلك عدم الحديث عن إسقاط شرعية الرئيس لأن فى هذا إطاحة بشرعية الصندوق وخطوة نحو إسقاط مصر بأكملها . أما الرئيس محمد مرسي فعليه أن يختار بين ضميره الوطنى والإنسانى والأخلاقى وبين انتماءاته لجماعته التى لم تدرك العبرة من التاريخ الذي أثبت مرارا وتكرارا أن هذا الشعب لا يقهر ..هذا الشعب الذي قهر جحافل التتار وردها عن الشرق كما تحول وحده مسئولية قهر الصليبيين ..هذه هى مصر التى قهرت إمبراطوريات ودول لن تقبل بأن تكبلها جماعة عمرها 80 سنة وقد أحزننى ما سمعته من الإعلامى عاصم بكرى المستقيل من قناة مصر 25 فى حواره مع إبراهيم عيسي قائلا إنه فى يقين بعض أعضاء الجماعة أن ما يفعلون الآن لا يقارن بما فعله الصحابة مع بعضهم البعض من إراقة دماء من أجل السلطة ..وهل نسي هؤلاء أم تناسوا أن هذا الشقاق بين الصحابة هو ما قصف عمر الأمة الإسلامية مبكرا وأذلها ورمى بها فى أحضان الاستعمار والمهانة .. يبقي فقط أن نقول إن المطالبة بانقلاب عسكرى كالمستغيث من الرمداء بالنار فهل نتخلى عن حلم الثورة فى إقامة دولة مدنية لا دينية ولا عسكرية بدعوة الجيش للانقلاب العسكرى ألم نجرب حكم العسكر لسنوات أوصلتنا فى النهاية إلى حكم مبارك ..ثم يا سادة حكم العسكر الذي جاء عقب الثورة بما حمله من تردد وعشوائية ومطامع فى الحكم هى ما أوصلتنا إلى ما نحن فيه ..وأخيرا فإن على الرئيس مرسي كما قلت تحكيم ضميره الوطنى الذي يقتضى تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة وطنية مدنية بمعنى كلمة " مدنية " فمصر لم تعدم الكفاءات والخبرات ومصر ليست حكرا على الإخوان ..مصر التى عمرها 7000 سنة أكبر من جماعة عمرها 80 سنة ...وكفى الدماء التى ارتوت بها شوارع مصر . [email protected]