خالف العائد علي أذون الخزانة توقعات السوق بانخفاضها علي عكس التوقعات التي كانت تربط بين رفع سعر الفائدة علي شهادات الادخار الثلاثية وبين ارتفاع العائد علي أذون الخزانة. الي الحد الذي بلغ فيه العائد علي الاذون لستة أشهر التي طرحتها الحكومة الاسبوع الماضي نحو14% اي أقل من12% بعد الضريبة التي تصل25%, وهو ما لفت انتباه المراقبين في ظل اتجاه عدد من البنوك وفي مقدمتها البنوك العامة إلي رفع الفائدة علي الشهادات الادخارية الي12.5%. وفسر مراقبون هذا الامر بعدم تحمس بعض البنوك للمشاركة في شراء اذون الخزانة في آخر طرح, وهو ما أدي الي شراء احد البنوك الكبري لغالبية الاذون في هذا الطرح, وتوقع المراقبون استمرار هذا العائد علي نفس المستوي الحالي والذي تعتبره الحكومة ممثلة في وزارة المالية أمرا ايجابيا لصالحها مستغلة بالطبع التراجع الكبير في طلب الاقتراض من جانب القطاع الخاص من البنوك بسبب الازمة التي يمر بها الاقتصاد وحالة عدم اليقين في التي تسيطر علي المستقبل في قدرة الحكومة الحالية في الخروج منها في ظل عدم الافصاح بشكل واضح عن خطتها في هذا الصدد. وربما كان هذا الامر هو السبب في تأكيد رؤساء البنوك لعدم النية في رفع سعر الفائدة علي حسابات التوفير في الوقت الحالي لانها ايضا كما يرون قصيرة الاجل في حين ان الشهادات الادخارية متوسطة الاجل اذ تصل الي3 سنوات. من جانبه ارجع منير الزاهد رئيس بنك القاهرة السبب وراء تراجع صافي العائد علي اذون الخزانة بعد خصم الضريبة الي عدم وجود بديل لدي البنوك لتوظيف الاموال لديها خاصة في ظل انخفاض الطلب علي الائتمان من جانب القطاع الخاص بسبب الظروف التي يمر بها الاقتصاد حاليا, ويعترف بأن العائد علي اذون الخزانة تراجع الي الحد الذي يجعله أقل من الفائدة علي الشهادات الادخارية لدي البنوك بعد رفع الفائدة علي هذه الشهادات الي12.5% مؤخرا, ويضيف انه بالفعل ثمة عدم تحمس بالقدر الذي كانت عليه البنوك من قبل في التكالب علي شراء أذون الخزانة. ويبرر الزاهد اسباب رفع البنوك لسعر الفائدة علي شهادات الادخار الي الاحتفاظ بالعملاء وجذب شرائح جديدة من المدخرات بالعملة المحلية, ويضيف: لقد حقق رفع سعر الفائدة علي هذه الشهادات الغرض منه سواء في جذب مزيد من المدخرات علي حساب الدولرة حيث خفتت ظاهرة الدولرة في الوقت الراهن, ولكن ليس فقط بسبب رفع الفائدة علي الشهادات الادخارية ببعض البنوك, ولكن للاجراءات الاخري التي اتخذها محافظ البنك المركزي وفي مقدمتها تحديد اولويات للبنوك لتمويل فتح الاعتمادات لها خاصة السلع الاساسية من الادوية والقمح الي مستلزمات الانتاج والبان الاطفال والامصال, ويضيف: لقد حدثت الدولرة في الفترة الاولي من تحريك سعر الصرف ولكن مع بدء تطبيق البنك المركزي حزمة الاجراءات الجديدة التي ساهمت في مواجهة ظاهرة الدولرة, فالارجح ان هناك ربما حالة ترقب من جانب المضاربين حاليا لتطورات الاوضاع الاقتصادية, وهو ما يتطلب من الحكومة اعطاء دفعة لتحريك الاقتصاد والانتاج وتفعيل الاجراءات التي اعلنت عن دراستها لترشيد الاستيراد للسلع غير الضرورية من خلال رفع الرسوم الجمركية علي نحو100 سلعة مستوردة. وينوه الي ان المراقب لحركة السلع في منافذ البيع ربما من السهل عليه ان يلحظ ان ثمة تغيرا ملموسا في انواع السلع المعروضة وهو ما يعكس بشكل اساسي تراجع في السلع الاستهلاكية المستوردة لصالح المنتج المحلي من هذه السلع, ويتوقع ان يسهم تنفيذ الحكومة لحزمة الاجراءات الاصلاحية التي اعلنت عن الانتهاء منها ودخولها حيز التنفيذ الي جانب تعديلات الضريبة في معالجة تفاقم عجز الموازنة العامة, ولكن يبقي الخطوة الاهم والتي تتمثل في ترشيد واعادة هيكلة الدعم علي الوقود الذي يلتهم نحو20% من الموازنة العامة ولا يستفيد منه الفقراء بالشكل المستهدف في الوقت الذي يرهق الموازنة العامة كثيرا. وفي المقابل يري اسماعيل حسن محافظ البنك المركزي الاسبق ورئيس بنك مصر ايران للتنمية ان انخفاض العائد علي اذون الخزانة اجل6 اشهر مقارنة بالفائدة علي الشهادات الادخارية له ما يبرره حيث ان الشهادات متوسطة الاجل اذ تصل الي3 الي5 سنوات في حين الاذون6 اشهر الي سنة فقط, ويضيف انه في حالة استرداد الشهادات قبل انتهاء مدتها يقلل من قيمتها الاصلية في حين ان البنوك تسترد قيمة الاذون بعد6 اشهر او سنة بالكامل, وينبه الي ان تراجع العائد علي الشهادات قد يكون مفيدا في تشجيع البنوك علي البحث عن اقراض القطاع الخاص الجيد بدلا من التركيز علي التوظيف في اذون الخزانة فقط, كما ان انخفاض سعر الفائدة علي الاذون يسهم في خفضها ولو بشكل طفيف لصالح الاقراض للقطاع الخاص وتخفيض تكلفة المنتج المحلي, ومن ناحية اخري يعتبر محافظ البنك المركزي الاسبق ان هذه التطورات تأتي متزامنة مع اعلان المركزي عن انخفاض الاحتياطي الاجنبي بنحو105 ملايين دولار فقط ليصل الي13.5 مليار دولار وهو ما يمثل تراجع معدل الانخفاض في الاحتياطي رغم الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد خلال الشهر الماضي, في ظل مؤشرات علي تحسن حثيث في حركة السياحة الشهر الماضي, وهو ما يتطلب سرعة تفعيل الاجراءات الاصلاحية التي اعلنت عنها الحكومة والتي قد تسهم في دفع حركة الاقتصاد والانتاج ووقف نزيف الاحتياطي الاجنبي, خاصة مع الاعلان عن قرب زيارة بعثة صندوق النقد الدولي والتي نأمل ان تنتهي بالموافقة والاعلان عن توقيع الاتفاق, وفي هذا الاطار يفسر هاني سيف النصر رئيس بنك الاستثمار العربي رفع بعض البنوك للفائدة علي الشهادات الي رغبتها في جذب السيولة والمدخرات الجديدة بالعملة الوطنية في ظل الملاءة المالية التي تتمتع بها البنوك حاليا ومستوي الارباح المرتفعة التي حققتها العام الماضي رغم الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد, مشيرا الي ان ارباح البنوك تجاوزت زيادتها20% في المتوسط مقارنة بالعام الماضي المصرفية انما يعكس الثقة في البنوك التي تمثل الملاذ الآمن للاقتصاد لمساندته رغم الازمة المتفاقمة التي يعاني منها علي مدي اكثر من عامين, مؤكدا ان الاجراءات التي اتخذها البنك المركزي خاصة في الاسابيع الاخيرة مع تولي هشام رامز كان لها الفضل في تماسك الجنيه امام الدولار ومواجهة المضاربات, وان كان المطوب حتي تكتمل فاعلية هذه الاجراءات هو تناغم السياسة المالية مع السياسة النقدية بتطبيق اجراءات ترشيد الواردات من السلع غير الاساسية حفاظا علي الاستخدام الامثل لموارد النقد الاجنبي في ظل تراجع مصادرها في الوقت الحالي, كخطوة اولية لتطبيق حزمة الاجراءات الاصلاحية تمهيدا للتوقيع مع صندوق النقد الدولي لفتح المجال امام تدفق الاموال وموارد النقد الاجنبي, مشيرا الي اهمية تحقيق الاستقرار السياسي واستتباب الامن لانطلاق تدفق الاستثمار المحلي والاجنبي. في الوقت الذي يري فيه الدكتور محمد حسن استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسة بجامعة القاهرة ان صمود الجنيه امام الدولار شبه مصطنع الي حد كبير في ظل عزوف البنوك عن بيع الدولار والاكتفاء فقط بتوفيره لفتح الاعتمادات للسلع الاساسية من خلال العطاءات الثلاثة التي يطرحها البنك المركزي اسبوعيا بنحو40 مليون دولار لكل منها ووظيفتها تتمثل فقط في توفير وسد الفجوة في استيراد السلع الاساسية التي حددها المحافظ عقب توليه منصبه بداية الشهر الماضي, مشيرا الي ان رفع الفائدة علي الشهادات الادخارية من جانب بعض البنوك ساهم في تخفيف الدولرة الي حد كبير في ظل ترقب المضاربين ايضا لما قد تسفر عنه جهود الحكومة في توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي, ولكن في حالة عدم تحقيق نتائج ايجابية في تعظيم مصادر النقد الاجنبي فمن المتوقع ان تعود المضاربات والدولرة بغزارة لان العامل النفسي يلعب دورا خطيرا في توقعات هؤلاء خاصة مع انخفاض الاحتياطي الاجنبي وهو ما يقلل قدرة البنك المركزي في الدفاع عن العملة المحلية.