أثارت زيارة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري انقسامات واضحة في الرأي والمواقف داخل قوي المعارضة الرئيسية في مصر وعلي رأسها أحزاب جبهة الإنقاذ. فبعد أن كانت الجبهة قد أعلنت علي لسان عدد من قادتها ومتحدثيها طيلة الأيام التي سبقت الزيارة رفضها لقاء كيري منعا لممارسته ضغوطا علي الجبهة لإقناعها بخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة, جاءت لقاءات الوزير الأمريكي مع عدد من قيادات وممثلي الجبهة لتؤكد هذا الانقسام. وتعليقا علي ذلك, أوضح حسين عبد الغني أحد المتحدثين الإعلاميين باسم الجبهة أن مشاركة عدد من قيادات الجبهة في لقاء كيري تأتي بصفة شخصية وليسوا كممثلين عن الجبهة, لكون الدعوة لم توجه رسميا للجبهة للمشاركة في لقاء قادة الأحزاب, وإنما لعدد من القيادات السياسية والشخصيات العامة, مشيرا إلي أن الجبهة تركت الحرية لأعضائها في المشاركة. وبدا الانقسام واضحا داخل حزب الدستور, إذ شن جورج إسحاق عضو لجنة التسيير بالحزب أعنف هجوم علي اللقاء قبل انعقاده, ونفي إمكانية مشاركة الحزب كحزب بهذا اللقاء, سواء بشكل منفرد أو جماعي, بل ووصف الأمريكيين بأنهم مجرمون لا يهمهم سوي الاستقرار داخل مصر من أجل مصلحة إسرائيل. واتهم كيري وسياسات الولاياتالمتحدة بالنفاق السياسي, متسائلا: كيف يمكن الحديث مع المعارضة حول إمكانية الدخول بالحوار والوطني والمشاركة في الانتخابات من دون أن يدينوا أشكال العنف السياسي التي تحدث داخل مصر؟ فأين هي حقوق الإنسان والديمقراطية التي يتحدثون عنها؟ كما رفض إسحاق فكرة الاستعانة بالولاياتالمتحدة من أجل ممارسة ضغوط أكبر علي الرئاسة للتعجيل بالتوافق السياسي مع المعارضة, مؤكدا أننا كسلطة ومعارضة أقدر علي معالجة مشاكلنا وقضايانا الداخلية من دون تدخل خارجي, وطالب كيري بألا يتدخل في الشأن المصري. وأعاد هذا الموقف الدكتور أحمد البرعي, ولكن بلهجة أقل حدة, إذ اعتبر مساعي كيري تدخلا في الشأن المصري لمحاولته للضغط علي جبهة المعارضة للعدول عن قرارها بمقاطعة الانتخابات. إلا أن موقف رئيس الحزب الدكتور محمد البرادعي وجميلة إسماعيل عضو لجنة التسيير وسامح مكرم عبيد أمين التنظيم خالف هذا التوجه, إذ تلقي البرادعي اتصالا هاتفيا من كيري أكده المتحدث الإعلامي للحزب خالد داوود, وتطرق لقضايا الشأن الداخلي وتضمن التأكيد علي الرسالة التي طالما سعي البرادعي إيصالها لإدارة الرئيس باراك أوباما. أما جميلة وعبيد فقد شاركا في لقاء كيري, ورغم الكلمات القاسية التي وجهتها جميلة لكيري واتهامها له بانحيازه للنظام الحالي, فإنها حضرت اللقاء. وكانت هذه الأزمة أخف وطأة داخل حزب الوفد, فقد أكد الدكتور عبد الله المغازي المتحدث باسم حزب الوفد, تلقي الدكتور السيد البدوي رئيس الحزب دعوة لحضور اللقاء, ولكنه اعتذر عن تلبيتها, نظرا لتزامن هذه الدعوة مع قرار جبهة الإنقاذ بمقاطعة الانتخابات وما أثير حول اللقاء من لغط وإمكانية أن يكون محاولة للضغط علي الجبهة لخوض الانتخابات. من جانبه رفض قادة التيار اليساري داخل الجبهة من أمثال حمدين صباحي زعيم التيار الشعبي, وعبد الغفار شكر رئيس التحالف الشعبي الاستجابة للدعوة وحضور لقاء كيري, بل شن الدكتور عزازي علي عزازي عضو مجلس أمناء التيار الشعبي, هجوما حادا علي الزيارة ووصف الزيارة بأنها دعم سياسي للإخوان والسلطة, بل اتهم الإدارة الأمريكية بأنها سعيدة بتمكين الإخوان من السيطرة علي الأمور في مصر. كما دعم أحمد بهاء شعبان عضو التيار المظاهرات التي نظمتها العديد من القوي الشبابية أمام الخارجية ضد كيري, واعتبرها نتيجة منطقية لانحياز الإدارة الأمريكية لصالح السلطة والإخوان. إلا أن المفاجأة تمثلت في رفض الدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية حضور اللقاء, رغم أن العديد من المواقع الإخبارية أشاعت موافقته علي الحضور. كما أبدت القوي الشبابية غير الحزبية, التي لم توجه إليها دعوات للحضور, معارضتها للقاء, حيث نفت حركة شباب6 أبريل تلقيها دعوة للقاء كيري, مؤكدة دعمها للاستقلال الوطني, ورفضها التدخل الأجنبي في الشأن المصري, بل أكد بيانها الذي صدر الجمعة الماضي أنها غير معنية بالتواصل مع مسئولين من قوي خارجية. والوحيد الذي أعلن صراحة قبول لقاء كيري هو رئيس حزب المؤتمر عمرو موسي الذي خالف الإجماع داخل جبهة الإنقاذ, واجتمع مع كيري لمدة45 دقيقة مساء السبت, ودار الحوار حول قضايا داخلية وإقليمية. وأصدر الحزب بيانا أكد فيه أن كيري وموسي اتفقا علي استمرار الاتصالات خصوصا فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي وكيفية التغلب عليه ومساعدة مصر, وأن كيري أكد علي أهمية الاستقرار ووحدة الشعب المصري وتهيئة الأجواء لتنمية اقتصادية وتمكين الاستثمارات المصرية والعربية والدولية من تحريك عجلة التنمية, وأن كل هذا مرتبط بالوضع الداخلي في مصر. وبعيدا عن جبهة الإنقاذ لم تكن هناك مشكلة لدي بقية الأحزاب التي تقف في صف المعارضة, في لقاء كيري, إذ حضر أيمن نور رئيس حزب غد الثورة اللقاء, وقال في تصريحات له إن الحوار مع الولاياتالمتحدة وتدعيم العلاقات معها عامل مهم لدعم الاقتصاد المصري في هذه اللحظات الحرجة التي تمر بها البلاد, وبما يخدم مصالح مصر وشعبها. وأكد نور أن الوزير استعرض وجهة نظره التي تقضي بأن استكمال بناء المؤسسات السياسية يمكن أن يجنب مصر الدخول في مأزق اقتصادي كبير. أما محمد أبو حامد عضو مجلس الشعب المنحل- الذي حضر اللقاء وتحدث عن عدم شرعية النظام- فأكد أن كيري طالب أحزاب المعارضة السياسية بضرورة المشاركة في الانتخابات وعدم مقاطعتها, لكون ذلك ليس حلا. واتهم أبو حامد الولاياتالمتحدة بأنها السبب الرئيسي لوصول الإخوان إلي السلطة عبر ما تقدمه من دعم سياسي لها. وأعرب حزب التجمع عن اندهاشه من موقف كيري الذي اكتفي بمحاولة الضغط علي جبهة الإنقاذ ودعوتها للمشاركة في الانتخابات دون أن يؤرق ضميره سيل الدماء وغيوم الغاز الخانق. كما كشف المستشار نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان النقاب عن أنه وعدة رموز قبطية بارزة رفضوا دعوة للقاء كيري خلال زيارته لمصر. وأضاف جبرائيل: لن نقبل تدخل أمريكا في الشئون المصرية.