من الظواهر المؤسفة إن لم تكن كارثية ما يحدث الآن في ظل شيوع الفوضي والاضطراب والانفلات الأمني من حرق ونهب لعشرات المدارس, بل وتدميرها. ويكفي أن نشير إلي بيان وزارة التربية والتعليم مؤخرا حول هذه الأحداث; حيث جاء فيه: أن هناك23 مدرسة في أربع محافظات تعرضت للحرق, ونهب محتوياتها. ومن بينها مدارس ذات قيمة أثرية وتاريخية, وهي تلك المدارس المحيطة بميدان التحرير, وفي باب اللوق, والتي تم نهبها وتدميرها, بالرغم من قيمتها التاريخية والأثرية. وإذا كان البيان الرسمي الصادر عن وزارة التربية والتعليم قد حدد هذا العدد من المدارس التي تعرضت للتدمير, فإننا نتوقع أن هناك مدارس أخري, وفي أغلب المحافظات قد تعرضت لهذا العمل الاجرامي, وأن أغلب المدارس التي تم تدميرها هي مدارس حكومية, أي مدارس أبناء الفقراء والبسطاء, الذين سيعانون من جرائم ضمهم إلي مدارس أخري, أو ضم المدارس إلي بعضها, ومن ثم تكثيف الفصول, وتحويلها إلي فترتين, أو ثلاث فترات, مما يزيد من معاناتهم, وتحصيلهم الدراسي واللجوء إلي المزيد من الدروس الخصوصية كتعويض عن المدرسة. وإذا أضفنا إلي هذا ما يحدث في مدارسنا بل و في جامعاتنا من ظواهر عنف بين التلاميذ والطلاب, وصلت إلي حد حمل السلاح, بل وارتكاب جرائم القتل, واحتجاز زملائهم في المدرجات, إلي جانب اعتداء بعض أولياء الأمور علي المعلمين لأسباب لا علاقة لها بالعملية التعليمية. وغيرها من الأحداث التي تحدث لمدارسنا وفي مدارسنا, والتي من السهل تفسير الظروف والعوامل وراء ظهورها, وانتشارها, منها ما يتعلق بحالة الفوضي والاضطراب والخلل الأمني الذي يعاني منه المجتمع, ومنها ما يتعلق بنوعية وشخصية من يقومون بهذه الأحداث, والظروف الاجتماعية المحيطة بهم, ومن تفسير شعار الحرية والديمقراطية بالفوضي والاعتداء علي الآخرين, ومنها ما يرتبط بالبيئة والمناخ المدرسي, والتعامل داخل المدرسة من أساليب لها تأثيرها الخطير في تكوين الشخصية وإهدار الكرامة الإنسانية وما يترتب عليها من عشرات الأمراض النفسية. إن ما يحدث لمدارسنا من حرق وتدمير وتخريب وكل ما يتعلق بتدمير المبني, فإنه ومع التسليم بخطورته, فإن الأشد خطورة منه هو ما يترتب عليه من تدمير المعني, ويتمثل في الخسائر المعنوية لتلاميذنا وطلابنا من قيم واتجاهات وأخلاقيات, ومن أمراض نفسية يمكن أن يعانون منها وفي القلب منها: الإحباط والاكتئاب, وفي المجمل الاضطرابات النفسية التي يتعرضون لها. كما أنها يمكن أن تؤثر بالسلب علي اتجاهاتهم, وانتمائهم للمدرسة وللمجتمع بصفة عامة. وإذا أضفنا إلي هذا ما يحدث لهم من جراء ما يحدث في المدرسة من مظاهر عنف, وارتكاب سلوكيات تدخل في باب الجرائم لتبين لنا خطورة ما يعانيه تلاميذنا وطلابنا ذخيرة الأمة, ولا خلاص لهذه المعاناة إلا بالتغلب علي الظروف التي أدت إليها: سياسيا واجتماعيا وثقافيا وتربويا. ولابد من القيام بهذه المهمة لأنهم فلذة الأكباد ومعقل الآمال لتحقيق مستقبل يليق بمصر التاريخ, الحضارة والريادة. وكفي هذا مبررا.