أيها الحب كم من الجرائم ترتكب باسمك.. وأيتها العواطف المهزومة كم من القهر تحملت! إنها أزمة الحب في بلادنا.. حب من طرف واحد في أغلب الأحيان.. حب لا يرضي جميع الأطراف.. زوجة تحاصر زوجها بالحب فتخنقه, وزوج يستبد باسم الحب فيقتله, وصبيان وبنات يرددون كلمات الحب في التليفونات ليلا وينسونها في الصباح.. الكل يشتكي من الحب ويلومونه.. كثيرون يتحدثون عنه وقليلون من يعرفونه حق المعرفة.. ربما كان السبب هو الأمية لكنها ليست أمية من النوع الذي نعرفه. الأمية التي نعرفها هي الجهل بالقراءة والكتابة, ولكن هل سمعنا من قبل عن الأمية العاطفية والجهل العاطفي؟ الجهل بالقراءة والكتابة يمكن التخلص منه بدروس فيهما, ولكن هل نحن مستعدون لإعادة النظر في معلوماتنا عن الحب والطريقة التي نمارسه بها؟ كل شيء حولنا يؤكد أن الحب أو الطريقة التي نحب بها تعاني من خلل رهيب, انعدام ثقة بين الجنسين, حالة من التربص بين المحبين حتي يثبت العكس, وطبعا يثبت العكس! أنا والعذاب وهواك ثلاثية الحب الخالدة التي تربينا عليها.. سلو بلدنا, كما لو كان الحب بالضرورة مرتبطا بالعذاب, أليس هو مصدر السعادة ودليل إنسانيتنا؟.. لماذا تغير وتغيرنا؟.. لماذا تخلو بيوتنا من الحب؟ لماذا يفرقنا الحب وتجمعنا الكراهية؟ يقول خبراء التنمية البشرية: إننا لا نعرف كيف نوجه مشاعرنا ولا كيف ندير علاقتنا بسبب جهلنا العاطفي وأميتنا العاطفية, ويقول خبراء وعلماء النفس: أمام ضغوط الحياة المعاصرة فقد كثير من الناس وهج العاطفة والإحساس بالجمال وتبلدت عندهم المشاعر, وفقدوا الأحاسيس الإنسانية والتفاؤل والانشراح, ولم يعد للشجن عندهم مكان ولا للبوح الجميل مجال, وصاروا كالآلات, فأصبحت تصرفاتهم تغلب عليها الآلية وغابت عنها العاطفة. ويقول آخرون: هو الغباء العاطفي أو أن تمارس الحب فيمن لايستحقه علي حساب من يستحق لتعطيه فوق ما يستحق ظنا منك أنه يستحق, ثم تأتي نادما لأنك أحرقت مشاعرك واحترقت. وتقول د.رضوي أسامة في كتابها فن ادارة المشاعر: إنها طريقة تربيتنا, للأسف تربي معظمنا في ظل أمية المشاعر, لم يحدثنا آباؤنا عن مشاعرنا أو مشاعرهم, لم يجر أي منهم حديثا مطولا عن قائمة احتياجاتنا النفسية, ربما اعطوا وقتا أطول للتحدث عن قائمة الملابس التي ننوي شراءها لهذا العام, أو أنواع الطعام الذي نفضله, أو المبلغ الذي نريده, لكن لم يحدثنا أحد عن مشاعرنا. تعلمنا أن نعبر عن احتياجاتنا الجسدية ولم نتعلم كيف نعبر عن احتياجاتنا النفسية ولا كيف نوجهها أو نختبر حقيقتها. الغريب أننا نصف أنفسنا بالشعوب العاطفية_ كما تقول د.رشا سمير الكاتبة والأديبة_ رغم أننا نخجل من إظهار مشاعر الحب للآخرين ولا نخجل من إظهار مشاعر البغض والكراهية والدم والعنف, في بيوتنا لا يصح أن يعبر الزوج لزوجته عن مشاعره أمام الأولاد, وغير مسموح للذكور بالبكاء ولا للبنات بالتعبير عن احتياجاتهن في حرية, كل هذا أوصلنا إلي مرحلة الأمية العاطفية, نتوهم الكثير عن الحب ولا نعرفه حق المعرفة, نثقله بالعقد والخطط والحيل والمؤامرات لنفسده في النهاية, وقد يعيش البعض في الأوهام لسنين محبوسا في قصة من نسج خياله, وهذا ما يسميالسراب العاطفي, وهي حالة منتشرة جدا في مجتمعاتنا وعادة ما نحب غلط.. لذلك تنخر الأمية العاطفية كالسوس في عظام علاقاتنا, ونكتشف هذا غالبا بعد فوات الأوان. وأميتنا العاطفية- كما تقول د.رشا- هي سبب مشكلات علاقاتنا لأننا نكتشف أننا لم نكن نعرف حقيقة مشاعرنا ولا طبيعة عواطفنا. هل تعلمنا الحب غلط؟ نعم..لأن أهالينا ومجتمعاتنا ومدارسنا وجامعاتنا لم تعلمنا فن إدارة العواطف, هكذا تجيب خبيرة التنمية البشرية مروة عسل, فبعد التعرف الحقيقي علي مشاعر الحب تأتي النقطة الأهم وهي إدارتها, وإدارة العواطف تظهر في قدرتك الجيدة علي تهدئة الغضب ممن تهوي.. كبح جماح التوتر بسبب من تعشق.. الشعور الدائم- مهما كانت الأمور- بالأمان مع من تحب. وتوجيه المشاعر مرحلة متقدمة بعد إدارة العواطف, وهي الطريق للتحكم في أحاسيسك لاستخدام الظروف المحيطة مهما كانت لتحقيق أهدافك مع من تحب.