وتتوالي الكتب من الوزراء وكبار المسئولين في ادارة جورج بوش الابن ! فبعد مذكرات كولين باول ثم ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وجورج بوش صدرت منذ أسبوعين مذكرات كونداليز رايس بعنوان: ليس هناك شرف أعلي ولا أعتقد ان أي ادارة أمريكية صدر عن وزرائها بمجرد انتهاء مهمتهم هذا الحجم من المذكرات التي تتحدث عن التحديات والصراعات بين أعضاء فريق العمل في الحكومة الأمريكية والانجازات التي تحققت في عهدهم, وكأنهم يدافعون عن أنفسهم وعن ما ارتكبته هذه الادارة من جرائم وحماقات في حق عدة دول. جاء دور كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية رقم66 وثاني امرأة تشغل هذا المنصب بعد مادلين أولبرايت. وفي734 صفحة قدمت كشف حساب ثماني سنوات من العمل الشاق تحت قيادة جورج بوش الرئيس الأمريكي الأكثر سوءا وعنصرية بين كل الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه, والذي ارتكب من الجرائم في حق شعب العراق وأفغانستان مايضعه في قفص الاتهام كمجرم حرب قتل باندفاعه وغبائه أكثر من نصف مليون مواطن من البلدين, انها تدافع في المذكرات عن سجلها الدبلوماسي الحافل بالانجازات وخلافاتها مع نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني وفريق مكتبه من المحافظين الجدد أو الصقور الأكثر تطرفا في الادارة الأمريكية علي حد وصفها ولكنها في الوقت نفسه لاتوجه أي اتهام الي بوش ربما خوفا من أن تمتد يد العدالة لتلاحقها في المستقبل بسبب مشاركتها أو حتي صمتها علي هذه الجرائم. اللؤلؤة السوداء مذكرات اللؤلؤة السوداء كما كانت معلمتها تصفها لتفوقها علي جميع تلميذات فصلها بالمدرسة الابتدائية والتي سوف تحتفل بعد يومين بعيد ميلادها السابع والخمسين, هي الأكثر عمقا وشرحا لتفاصيل العمل السياسي والدبلوماسي تحت ادارة بوش, فأستاذة الجامعة والباحثة في العلوم السياسية السابقة والتي صدر لها قبل ذلك أربعة كتب آخرهم في العام الماضي عن قصة حياتها الخاصة, يختلف كتابها بالطبع عن كل الكتب والمذكرات التي سبق أن كتبها سياسيون عملوا في هذه الادارة. كانت رايس المستشارة الأقراب لجورج بوش وأسرته من جميع المساعدين له سواء في الحكومة أو البيت الأبيض, وفي كثير من الأحيان كانت تقضي مع الأسرة إجازة نهاية الأسبوع في منتجع كامب ديفيد أو في منزل بوش في تكساس. لقد كشفت وزير الخارجية السابقة التي كانت أقوي امرأة في العالم منذ2001 2005 حيث شغلت منصب مستشارة الأمن القومي, ثم وزيرة للخارجية بعد استقالة كولين باول لخلافه مع شيني من2005 2009 وكشفت عن حالة الاضطراب والصراعات المستمرة بين أعضاء الحكومة بعد الاعتداء علي مركز التجارة, وقالت فالولاياتالمتحدة كانت تواجه عدوا جديدا حتي تبرر الحرب علي الارهاب التي أعلنها بوش, لكنها لم تذكر الاسلام أو المسلمين بسوء مثل ما أعلن بوش بحماقة أن بلاده تواجه حربا صليبية فهي أكثر ذكاء ودبلوماسية. تعترف رايس في المذكرات بأنها اختلفت أكثر من مرة مع نائب الرئيس الأمريكي شيني ومساعديه, فقد عارضت بشدة اخفاء المعتقلين المسلمين في سجون سرية بأوروبا والشرق الأوسط ليعذبوا مثل مايحدث للمعارضين في الدول الاستبدادية, وطالبت بوش بأن يعلن ألقاء القبض علي خالد الشيخ محمد العقل المدبر للعدوان علي قلعتي التجارة في نيويورك في11 سبتمبر مع العشرات من المتهمين بارتكاب أعمال ارهابية, وقد انحاز بوش في النهاية الي رأيها وقرر أن يعود المعتقلون ليسجنوا في جوانتانامو. في نوفمبر2001 هددت بالاستقالة من منصبها بسبب تشكيل لجان عسكرية للنظر في أوضاع المعتقلين بقرار من المستشار القانوني للبيت الأبيض ألبيرتو جونزالس, وقد اعتبرت هذا القرار نوعا من التجاوز لمسئولياتها, وقالت لبوش اذا تكرر مثل هذا القرار اما أستقيل أو يستقيل جونزالس وقد اعتذر لها بوش ووعد بألا يتكرر ذلك. لكنها لاتذكر في مذكراتها أي اعتراض من جانبها علي أساليب الاستجواب الشيطانية مع المعتقلين باستخدام التعذيب وعمليات الايهام بالغرق وحرمانهم من النوم لعدة أيام, مما دفع بأكثر من مائة معتقل للانتحار, لم تعارض أيضا رايس عندما كانت مستشارة للأمن القومي غزو العراق وتدمير البنية الأساسية للبلاد, ولم تذكر وهي تشغل أكبر منصب في أمن البلاد موقفها من أكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي برر بها بوش وبلير عملية الغزو تسبب في مقتل واصابة مئات الآلاف من العراقيين برصاص جنود الاحتلال الأمريكي وتشريد أربعة ملايين عراقي اضطروا للهروب من جحيم الغزو, لكنها تقول أنها عارضت بشدة ارسال مزيد من القوات الأمريكية للعراق عندما زادت خسائر الأمريكيين, وطلبت من بوش سحب الجنود الأمريكيين من المدن العراقية. وعندما سألها بوش وقد كانت معنوياته في اسوأ حال بعد مقتل عشرات الجنود الامريكيين كل يوم برصاص المقاومة: وماذا تقترحين هل نترك العراقيين يتقاتلون؟ كان ردها أنهم اذا اختاروا الحرب الأهلية فعلينا أن نتركهم ليتذوقوا ويلاتها! الكتاب الذي صدر منذ أيام استخدمته رايس لتذكر القراء بالمناخ الذي ساد الولاياتالمتحدة في أعقاب11 سبتمبر, والذي شكل سياسة ادارة بوش واعلانه الحرب علي الارهاب, فبالاضافة الي الرسائل التي تحمل وباء الجمرة الخبيثة التي تلقاها بعض المسئولين, كانت هناك حالة من الرعب من استخدام أسلحة كيماوية واشعاعية. كشفت رايس أيضا عن الصراع المستمر الذي كان دائرا بينها وبين الثنائي ديك شيني ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع, وقد انتقدا ادارتها لمجلس الأمن القومي في الفترة الأولي من حكم بوش, لكنها تقول: ان الخلاف معهما كان حول قضايا عامة وليست أمورا شخصية. التعاون النووي مع الهند كتاب رايس يذكر القراء أيضا بجهودها الدبلوماسية في توقيع اتفاقية التعاون النووي مع الهند بعد مفاوضات صعبة, ومبادرتها حول السلام في الشرق الأوسط والتي لم تحقق في رأيي أي سلام للفلسطينيين ! وعندما تناولت لقاءاتها مع الرؤساء العرب قالت رايس انها عندما تتحدث مع الرئيس السوداني عمر البشير كانت ردود أفعاله بطيئة جدا ويبدو كأنه تعاطي مخدرات قبل لقائهما, وعندما صافحت الرئيس اللبناني اميل لحود شعرت بالحاجة السريعة لغسل يديها, أما الرئيس السابق حسني مبارك فقد كان يعبر لها باستمرار في لقاءاته عن قناعاته بقهر الشعب المصري وعن ضرورة أسلوبه الاستبدادي في الحكم, وقد رفض اقتراحها في القيام بأي خطوات اصلاحية قائلا: المصريون في حاجة لقبضة حديدية تحكمهم ويرفضون التدخل الأجنبي. أشارت رايس أيضا الي رئيس ليبيا السابق معمر القذافي الذي كان يبدي اعجابه بها, وتقول انه أعد, كليب] يتضمن عدة صور لها مع خلفية لأغنية كتبها أديب ليبي تقول كلماتها الوردة السوداء في البيت الأبيض وقالت كان الأمر يبدو غريبا لكنه لم يتجاوز حدود الأدب. أسوأ ما في هذه المذكرات دفاعها غير المنطقي وغير الأخلاقي عن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش, بما في ذلك غزو العراق, وقالت إن ثورات الربيع العربي الأخيرة تؤكد بعد نظر بوش واهتمامه بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط!ولن ينسي لها الفلسطينيون مواقفها المنحازة ضدهم ونفاقها المستمر لاسرائيل, ودفاعها الأعمي عن العدوان الاسرائيلي علي غزة عام2009 والذي أسفر عن مقتل أكثر من ألف فلسطيني ودمر أحياء كاملة من المدينة, وقد ختمت سجلها الحافل في هذا النفاق قبل24 ساعة فقط من انتهاء حكم بوش بتلك الاتفاقية التي وقعتها مع وزيرة خارجية اسرائيل تسيبي ليفني والتي بموجبها فرض مزيد من الحصار والقهر علي الفلسطينيين في غزة. لم تعد كونداليزا رايس بعد انتهاء عملها وزيرة للخارجية الأمريكية الي مقعدها في جامعة ستانفورد كما كانت تأمل, فقد استقبلها الأساتذة والطلاب بمظاهرات الغضب والاحتجاج علي السياسة الخارجية المنحازة خلال حكم بوش, وادارتها للدبلوماسية الأمريكية طوال الفترة الثانية من حكمه والتي امتدت أربع سنوات, وهدد عشرات الأساتذة بالاستقالة اذا عادت أستاذة بالجامعة بعد أن ابتذلت نفسها وعلمها في خدمة جورج بوش وسياساته الاستعمارية والعنصرية.